الفرق بين الشعر في العصر العباسي والعصر الأموي
الفرق بين الشعر العباسي والشعر الأموي
يعد الشعر في العصر العباسي أنموذجًا متطورًا عمّا كان عليه في العصر الأموي والإسلامي، فقد جاء العصر العباسي محمّلاً بغير قليل من دوافع التطوير والتحديث في الشعر في مختلف جوانبه، سواء أكان ذلك في الموضوعات أم في الأوزان والقوافي والقالب الشعري، فلا بد من الإشارة إلى أن العصر العباسي كان الفضاء المثالي لتطوير الأجناس الأدبية وتفريعها وإنتاج أنواع فنية جديدة، لا سيما في سياق الشعر.
ولعل العصر العباسي يعد عصر ذروة ازدهار الشعر في تاريخ الأدب العربي، فقد اختلف الشعر في هذا العصر عما كان سائدًا وقارًا عند الأمويين، الذين كانوا ملتزمين بتقاليد القصيدة العربية القديمة، ومتمسكين بالموضوعات القليدية، فلم يجددوا ويطوروا إلا في بعض الجوانب القليلة، لكنهم بقوا على التزامهم حفظًا لجودة قصائدهم، فقد كانت معايير التقليد راسخة ومهمة، وإلا اعتبر الشعر الذي يخالفها شعرًا ركيكًا.
الفرق بين الشعر العباسي والشعر الأموي من حيث الموضوعات
إن الناظر في موضوعات الشعر في العصرين الأموي والعباسي سيجد فروقات كثيرة ملموسة، فقد اختلف كانت موضوعات الشعر الأموي بسيطة متناولة بين يدي كل الشعراء، في المدح والرثاء والفخر والغزل، أما عند شعراء العصر العباسي فقد اختلف الأمر تمام الاختلاف، إذ إنّهم فرّعوا هذه الموضوعات القديمة، واشتقوا منها موضوعات أخرى، فالغزل عندهم صار أنواعًا، فضم الغزل الحسي والفاحش والغزل بالغلمان.
أما الرثاء فقد تفرع إلى ألوان عدة، فظهر رثاء الأشخاص العاديين، وظهر رثاء الحيوانات وأيضًا رثاء المدن، وقد ظهرت أنواع جديدة من الشعر عند العباسيين منها شعر الزهد، والشعر الصوفي، وشعر المجون، وشعر وصف الطبيعة، الذي تغنى في شعراء العصر العباسي بطبيعتهم الجميلة، على خلاف الأمويين الذين التزموا بالحديث عن الصحراء، وعناصرها وحيواناتها والمشاق التي يعاني منها الإنسان في فضائها.
ولعل هذا التفريع في الموضوعات القديمة والاستحداث لبعض الموضوعات الأخرى جاء من قبيل تلبية حاجات العصر، فلم يعد الشاعر محصورًا ببيئة الصحراء القحلة، بل نجد أن نطاقه المكاني اتسع ليغطي غير قليل من الجوانب التجديدية في حياته، فقد رأى القصور والبساتين، وعاش في مدن كبيرة، ورأى وعايش حياة التمدن والعمران، فكان تطور الشعر نتاجًا طبيعيًا للتطور المكاني الذي عايشه الشاعر.
الفرق بين الشعر العباسي والشعر الأموي من حيث القالب
أما قالب القصيدة العام فقد كان الأمويون ملتزمين فيه ومقلدين للشعراء الجاهليين، فوقفوا على الأطلال وذكروا ديار المحبوبة، وخاطبوا الرفيق، ووصفوا الناقة، وفخروا ومدحوا، والتزموا بوحدة الوزن والقافية والعروض، على خلاف العباسيين الذين رأوا أنّ هذه القيود لا تناسب عصرهم، وآثروا التجديد فيها وتغييرها بما يتناسب مع الذوق العام، فحياتهم اختلفت بشكل كلي عن حياة الأمويين.
فقد حاول غير قليل من الشعراء العباسيين التحرر من قالب القصيدة الجاهلية، فرفضوا الوقوف على الأطلال واستعاضوا عن المقدمة الطللية بالمقدمة الخمرية، لا سيما عند أبي نواس وعند بشار بن برد، ورفضوا الحديث عن الصحراء ووصف الناقة والرحلة، فهم لم يعودوا بدوًا رحلاً، إنما هم حضريون متمدنون، ولا يستعملون الناقة ولا الجمل، ولا يوجد عندهم أسفار وترحال، حتى أنّ الطلل غير موجود فهم أهل مدن.
وفضلاً عن ذلك تحرر شعراء العصر العباسي من قضية تفرع موضوعات القصيدة، فكانوا يتحدثون عن موضوع واحد فقط في قصائدهم، على خلاف الشعراء الأمويين الذين تقيدوا بتعدد الموضوعات، والحديث عن أكثر من أمر قبل الوصول إلى موضوع قصيدته، فالشاعر العباسي صار يميل للاختصار والدخول في الموضوع مباشرة.
الفرق بين الشعر العباسي والشعر الأموي من حيث الأوزان والقوافي
إن الشعر قول موزون مقفى، ولا بد للكلام حتى أن نحكم عليه بالشعرية أن يكون موزونًا على بحر من بحور الشعر العربي، فالالتزام الوزن الموسيقي شرط أساسي، وقد التزم في ذلك شعراء العصر الأموي، فلم يخرجوا عن أوزان بحور الشعر ، بل نجدهم يعيبون على من يخالفها، فلا يمكن للشاعر أن يخترع وزنًا شعريًا، إنما يعد شعره مكسور الوزن.
أما في العصر العباسي فقد طال التجديد أوزان الشعر، فقد شاع الغناء، وانتشرت القواني ودور اللهو، فكانت الحاجة لإنشاء شعر على أوزان تناسب الغناء، فلذلك ظهر لدينا أوزان جديدة مثل المقتضب، وظهر لدينا شعر الرباعيات والخماسيات، وغيرها من أنواع شعرية تلائم الغناء.