الغزل في العصر الإسلامي
الغزل في العصر الإسلامي
لم يعد الغزل في عصر صدر الإسلام كما كان عليه في العصر الجاهلي ، بل انقسم الغزل إلى قسمين، وهذين القسمين لم ينقسما تبعًا لمقدرة شعرائهم الأدبية أو أسلوبهم الأدبي، إنّما انقسم الغزل إلى نوعين تبعًا لتأثّر الشّعراء بالمعتقدات الإسلاميّة الجديدة والحياة الاجتماعية والفكرية الجديدة التي سادت في العصر الإسلامي، فكان طائفتان من الشّعراء تبعًا لذلك ما يأتي:
الطائفة الأولى
كان شعراء هذه الطائفة شعراء مسلمون لكنّهم لم يتمكّنوا من التّخلّص مما كانوا عليه في الجاهليّة من حبّ للخمرة وللنساء، وقد وصل ببعض هؤلاء الشّعراء التّهتّك في شعرهم حدّ المجون.
فلمّا كانت أشعارهم على هذا النحو ابتعدوا عن مكّة والمدينة اللتين هما مهد الدّعوة، واتّجهوا نحو الأمصار ليبتعدوا عن الأنظار، ولكن بالرغم من ذلك فلم يكونوا على مستوى واحد من التهتّك والمجون بل كان منهم من يحاول التستّر والابتعاد عن المبالغة في القول.
الطائفة الثانية
أمّا شعراء الطّائفة الثّانية فهم الشّعراء المسلمون الذين انقادوا إلى الدّين الحنيف وتقيّدوا به وبتعاليمه، فلم يتهتّكوا في أشعارهم، وكذلك لم يخرجوا عن تعاليم الدّين الإسلامي في غزلهم كما في سائر أمورهم.
سمات الغزل في العصر الإسلامي
لقد أسهم الإسلام إيّما إسهام في تهذيب الغزل بما يتلاءم مع تعاليم هذا الدّين الحنيف، وذلك من خلال تهذيب النفوس وتهذيب الصّورة التي صوّرت بها النساء، ومن سمات الغزل في هذا العصر ما يأتي:
- التّعبير عن الغزل بما يتماشى مع تعاليم الدّين الحنيف للشّعراء الذين التزموا الدّين قولًا وفعلًا.
- التعبير عن الحب بشكل لا يؤذي شعور الأفراد أو الجماعات.
- الاعتماد على الإيجاز في التّعبير عن هذا الحب.
- التّأكيد على صفاء الحب وعذوبته ونقاء المشاعر والبعد عن الحب المادي.
أشهر شعراء الغزل في العصر الإسلامي
لقد اشتُهر عدد من الشعراء بالغزل في عصر صدر الإسلام، لعل أبرزهم ما يأتي:
أبو محجن الثقفي
هو شاعر من الفئة الأولى من شعراء الغزل، وقد عرف بشعر الخمرة، وهو عبد الله بن حبيب أبو محجن ، كان من الشعراء الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، شاعر مخضرم، وقد كان أبو محجم يمثّل الذين دخلوا الإسلام وما تزال في قلوبهم عادات الجاهليّة متعلّقة، فضعفت نفوسهم ولم يستطيعوا الإقلاع عنها، وكان مما قاله في الخمر:
إذا متُ فادفني إلى جنب كرمة
- تروي عظامي بعد موت عروقها
ولا تدفنّي بالفلاة فإنني
- أخاف إذا ما متُّ ألّا أذوقها
وتروي بخمر الحصّ لحمي فإنّني
- أسير لها من بعد ما قد أسوقها
حميد بن ثور الهلالي
هو شاعر من الفرقة الأولى أيضًا، وهو شاعر مخضرم أيضًا بين الجاهليّة والإسلام، وقد عانى كما عانى سابقه أبو محجن، فقد دخل حياة الإسلام وكان متعلِّقًا بالجاهليّة وعاداتها والحياة فيها، فلم يستطع الإقلاع عن كل ما فيها، وذكر أن عمر بن الخطّاب قد تقدّم للشعراء بألّا يشبّب أحد بامرأة إلّا جلده، فأخذ حميد بن ثور يتغزّل مكنيًّا يقول:
أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك
- على كلّ أفنان العصاه تروق
فيا طيب رياها ويا برد ظلها
- إذا حان من حامي النهار وديق
وهل أنا إن عللتُ نفسي بسرحةٍ
- من السّرح موجود عليّ طريق
كعب بن زهير
هو شاعر من الفئة الثانية، وأيضًا كعب بن زهير كان شاعرًا مخضرمًا بين الجاهلية والإسلام، إلّا أنّه في الإسلام لم يكن يتجاوز تعاليم الدّين الحنيف في غزله، بل على العكس تمامًا، فلم بعرض إلى الخمرة ولم يصف المحبوبة وصفًا حسيًّا بل وصف حبّ تلك المحبوبة، وإذا ما عرض إلى ذكر الخمرة فذكرها بالتّشبيه فقط، وممّا جاء في غزله قوله في مطلع قصيدته "بانت سعاد":
تجلو عوارض ذي ظلمٍ إذا ابتسمت
- كأنّه منهلٌ بالراح معلول
سجّت بذي شبم من ماء محنية
- صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه
- من صوب ساريةٍ بيضٌ يعاليل
أمثلة على شعر الغزل في العصر الإسلامي
من أمثلة الغزل في العصر الجاهلي ما يأتي:
- يقول حسان بن ثابت:
عفت ذات الأصابع فالجواء
- إلى عذراء منزلها خلاء
إذا من الأشربات ذكرنَ يومًا
- فهنّ لطيب الراح الفداء
نولّيها الملامة إن ألمنا
- إذا ما كان مغثٍ أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكًا
- وأسدًا ما ينهنهنا اللقاء
- يقول حميد بن ثور الهلالي:
فجاءَت يهزُّ الميسناني مشيها
- كهزّ الثرى متن الكثيب المهيَّما
ترجُّ بمتنيها رديفًا كانَّهُ
- سدائف شَطِّيٍّ تامِكِ النيِّ أكوما
من البيض عاشَت بين أمٍّ غريرةٍ
- وبين أبٍ بَرٍّ أطاعَ وأخدما