الغزل العذري: أين ظهر؟ وإلام تعود تسميته؟
الغزل العذري: أين ظهر؟ وإلام تعود تسميته؟
الغزل العذري هو نوع من الغزل الذي ظهر في العصر الأموي نتيجة الالتقاء بين تعاليم الدين الإسلامي التي تدعو إلى العفة والصبر عند الحب واجتناب الفواحش والستر على المؤمنات ونحوها وبين الشعر العربي الذي يصب في معاني الغزل.
بدأت إرهاصات هذا الشعر تظهر منذ نهاية عصر الخلفاء الراشدين غير أنّها لم تتبلور إلّا مع مجيء عصر بني أمّية حيث ترعرع جيل كامل نشأ في أكناف الصحابة وتشرَّبَ تعاليم الدين ليكون جيلًا مسلمًا كاملًا لم يعلم عن الجاهلية والكفر شيئًا.
كانت بداية ظهور هذا الغزل في الحجاز لأسباب كثيرة منها الاستقرار الاجتماعي والسياسي وظهور اللهو وكثرة المال وغير ذلك مما يدعو الإنسان إلى الانشغال بأمور أخرى غير ما كانت عليه الحال في العصور السابقة من فتوحات وجهاد ونحو ذلك.
تعود تسمية هذا الغزل بالغزل العذري إلى ظهور أوائله في قبيلة عذرة، وهي قبيلة من بني قضاعة اشتُهِروا بهذا اللون من الغزل نظرًا للبيئة المناسبة لظهور هذا الغزل من وجود النساء الجميلات والرجال العفيفين، ولعلّ أوّل شاعر في هذا الفن كان عروة بن حزام ، وجدير بالذكر أنّ تسمية الغزل العذري هي تسمية حديثة أطلقها الدارسون ولم تؤثر عن القدماء.
أبرز شعراء الغزل العذري
من الشعراء الذين اشتُهر عنهم الغزل العذري:
- قيس بن ذريح (تـ 68هـ)
هو قيس بن ذريح بن سنة بن حذافة الكناني، شاعر من العصر الأموي كان رضيعًا للحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، هو أحد الذين اشتُهر عنهم الغزل العذري، معروف عنه حبه للبنى ابنة الحباب الكعبية، شعره عالي الطبقة في وصف الشوق والحنين والتشبيب.
- كُثيّر بن عامر الخزاعي (تـ 105هـ)
هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي، كنيته أبو صخر، شاعر أمويّ من أهل المدينة المنوّرة ، ولكنّه قضى أكثر حياته في مصر، عُرِفَ عنه حبه لعَزَّة بنت جميل الضمرية، كان قصيرًا دميمًا وفد على عبد الملك بن مروان فازدراه ولكن حين سمع شعره رفع من مكانته، وكان شاعر الحجاز المُقدَّم.
- جميل بن معمر (تـ 82هـ)
هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري القضاعي، من شعراء العرب المتيّمين، عرف عنه حبّه لبثينة وهي من بنات قومه، كانت منازلهم في وادي القرى قرب المدينة المنورة، أكثر شعره في النسيب والغزل والفخر، وفد في أواخر حياته على عبد العزيز بن مروان والد الخليفة عمر وأقام في مصر حتى وفاته.
من أشعار الغزل العذري
من الشواهد على الغزل العذري ما يلي:
- قصيدة كثيّر "لعزة هاج الشوق"
يقول كثيّر في قصيدته:
لِعَزَّةَ هاجَ الشَوقَ فالدَمعُ سافِحُ
- مَغانٍ وَرَسمٌ قد تَقادَمَ ماصِحُ
بِذي المَرخِ وَالمَسروحِ غَيّرَ رَسمَها
- ضَروبُ النَدى قَد أَعتَقَتها البَوارِحُ
لِعَينيكَ مِنها يومَ حَزمِ مَبَرَّةٍ
- شَريجانِ مِن دَمعٍ نَزيعٌ وَسافِحُ
أَتيٌّ وَمَفعومٌ حَثيثٌ كَأَنَّهُ
- غُروبُ السَواني أَترَعَتها النَواضِحُ
إِذا ما هَرَقنَ الماء ثُمَّ اِستَقينَهُ
- سَقاهُنَّ جَمٌّ مِن سُميحَةَ طافِحُ
لَيالي مِنها الوادِيانِ مَظِنَّةٌ
- فَبُرَقُ العُنابِ دارُها فَالأَباطِحُ.
- قصيدة قيس بن ذريح بانت لُبينى
يقول قيس بن ذَريح في قصيدته:
بانَت لُبَينى فَهاجَ القَلبُ مَن بانا
- وَكانَ ما وَعَدَت مَطلاً وَليّانا
وَأَخلَفَتكَ مُنىً قَد كُنتَ تَأمُلُها
- فَأَصبَحَ القَلبُ بَعدَ البَينِ حَيرانا
اللَهُ يَدري وَما يَدري بِهِ أَحَدٌ
- ماذا أَجَمجَمُ مِن ذِكراكِ أَحيانا
يا أَكمَلَ الناسِ مِن قَرنٍ إِلى قَدَمٍ
- وَأَحسَنَ الناسِ ذا ثَوبٍ وَعُريانا
نِعمَ الضَجيعُ بُعَيدَ النومُ تَجلُبُهُ
- إِلَيكَ مُمتَلِئً نَوماً وَيَقظانا
لا بارَكَ اللَهُ فيمَن كانَ يَحسَبُكُم
- إِلّا عَلى العَهدِ حَتّى كانَ ما كانا
حَتّى اِستَفَقتُ أَخيراً بَعدَما نُكِحَت
- كَأَنَّما كانَ ذاكَ القَلبُ حَيرانا.
- قصيدة جميل بن معمر أرى كلّ معشوقين
يقول جميل بن معمر في قصيدته:
أَرى كُلَّ مَعشوقَينِ غَيري وَغَيرُها
- يِلَذّانِ في الدُنيا وَيَغتَبِطانِ
وَأَمشي وَتَمشي في البِلادِ كَأَنَّنا
- أَسيرانِ لِلأَعداءِ مُرتَهَنانِ
أُصَلّي فَأَبكي في الصَلاةِ لِذِكرِها
- لِيَ الوَيلُ مِمّا يَكتُبُ المَلَكانِ
ضَمِنتُ لَها أَن لا أُهيمَ بِغَيرِها
- وَقَد وَثِقَت مِنّي بِغَيرِ ضَمانِ
أَلا يا عِبادَ اللَهِ قوموا لِتَسمَعوا
- خُصومَةَ مَعشوقَينِ يَختَصِمانِ
وَفي كُلِّ عامٍ يَستَجِدّانِ مَرَّةٍ
- عِتاباً وَهَجراً ثُمَّ يَصطَلِحانِ.