الغزل الصريح عند عمر بن أبي ربيعة
الغزل الصريح عند عمر بن أبي ربيعة
وصف عمر بن أبي ربيعة جسد المرأة كاملاً وكان يفصل في وصفه، فوصف الوجه وتقسيماته والجبين، وأكثر ما استخدمه من الصفات في ذلك الوضاحة والنعومة والاتساع والبشاشة، كما ذكر العيون وشبهها بالسحر والسهام ووصفها بالاتساع والسقم والمرض والغض والفتر وشبب بزرقة العيون وشدة بياضها وسوداها، كما ذكر الحاجب وأنه مرسومٌ بالقلم، وذكر الخد ووصفه بالأسالة والنعومة ونضارة الشباب.
نموذج من شعره
قال عمر بن أبي ربيعة:
قالَت لِجارَتِها اِنظُري ها مَن أُلى
- وَتَأَمَّلي مَن راكِبُ الأَدماءِ
قالَت أَبو الخَطابِ أَعرِفُ زِيَّهُ
- وَلِباسَهُ لا شَكَّ غَيرَ خَفاءُ
قالَت وَهَل قالَت نَعَم فَاِستَبشري
- مِمَّن يُحَبُّ لَقِيُّهُ بِلِقاءِ
قالَت لَقَد جاءَت إِذاً أُمنِيَّتي
- في غَيرِ تَكلِفَةٍ وَغَيرِ عَناءِ
حتى يقول:
خَرَجَت تَأَطَّرُ في ثَلاثٍ كَالدُمى
- تَمشي كَمَشيِ الظَبيَةِ الأَدماءِ
جاءَ البَشيرُ بِأَنَّها قَد أَقبَلَت
- ريحٌ لَها أَرجٌ بِكُلِّ فَضاءِ
قالَت لِرَبّي الشُكرُ هَذي لَيلَةً
- نَذراً أُؤَدّيهِ لَهُ بِوَفاءِ.
فهو يذكر مغامرةً من مغامراته الغزلية ويسرد ما حدث معه في هذه المغامرة، ويجعل نفسه المطلوب المعشوق الذي كانت الفتاة تنتظره وتجعله أمنيتها، ولا يخفى تغزله بها حين شبهها بالظبية، وتغزل برائحتها التي فاحت في الأجواء، وينهي قصيدته بذكر الليل وأنّ الفتاة قد نذرت نذراً سوف توفيه في هذه الليلة.
ويقول:
فَبَدَت تَرائِبُ مِن رَبيبٍ شادِنٍ
- ذَكَرَ المَقيلَ إِلى الكِناسِ فَصارا
وَجَلَت عَشِيَّةَ بَطنِ مَكَّةَ إِذ بَدَت
- وَجهاً يُضيءُ بَياضُهُ الأَستارا
حتى يقول:
إِنّي رَأَيتُكِ غادَةً خُمصانَةً
- رَيّا الرَوادِفِ لَذَّةً مِبشارا
مَحطوطَةَ المَتنَينِ أُكمِلَ خَلقُها
- مِثلَ السَبيكَةِ بَضَّةً مِعطارا
تَشفي الضَجيعَ بِبادِرٍ ذي رَونَقٍ
- لَو كانَ في غَلَسِ الظَلامِ أَنارا.
وهنا عمر لا يجد حرجاً من التشبيب بالمرأة ووصف صدرها وترائبها وإشراق وجهها وأكتافها حتى يصل لوصف خصرها وأردافها، ويصرح في آخرها بنظرته للغرائز الجنسية تجاه المرأة.
ويقول:
لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِد
- وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِد
وَاِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةً
- إِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد
زَعَموها سَأَلَت جاراتِها
- وَتَعَرَّت ذاتَ يَومٍ تَبتَرِد
أَكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني
- عَمرَكُنَّ اللَهَ أَم لا يَقتَصِد
فَتَضاحَكنَ وَقَد قُلنَ لَها
- حَسَنٌ في كُلِّ عَينٍ مَن تَوَد
حَسَدٌ حُمِّلنَهُ مِن أَجلِها
- وَقَديماً كانَ في الناسِ الحَسَد
غادَةٌ تَفتَرُّ عَن أَشنَبِها
- حينَ تَجلوهُ أَقاحٍ أَو بَرَد
وَلَها عَينانِ في طَرفَيهِما
- حَوَرٌ مِنها وَفي الجيدِ غَيَد
طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيظِ إِذا
- مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِد
سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلفَتى
- تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَرَد.
في هذه الأبيات يصف عمر إحدى مغامراته مع فتاةٍ تدعى هند، وقد وردها أن عمر بن أبي ربيعة يصفها، فسألت صويحباتها هل يصفني كما ترينني عاريةً، ثم ضحكت صويحباتها وأضمرن في أنفسهن الحسد من هند التي ظفرت بوصف عمر بن أبي ربيعة، ثم تغزل بعينها وجيدها وراح يصفها بأن جسمها باردٌ في حرارة الصيف شديد السخونة في برد الشتاء.
التعريف بعمر بن أبي ربيعة
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة (ت 93 هـ) اسم والده عبد الله، ولكنه نُسب إلى جده فقيل عمر بن أبي ربيعة، واسم جده عمرو بن المغيرة المخزومي القرشي، يكنى أبا الخطاب واشتهر بشعره في الغزل الصريح والتشبيب بالنساء، واشتهر بنوادره وقصصه، لم يوجد في قريش من كان أشعر منه وكان أكثر شعره في الغزل.
يُقال إنه ولد في الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب فأصبح الحسن بعدها يقول: أي حق رفع، وأي باطل وضع، كان أبوه من أشراف مكة ووجهائها وبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبقي فيها حتى حصار عثمان ، فلما سمع بذلك توجه إلى المدينة لنصرته فوقع عن راحلته وتوفي، وتباينت الآراء والأقوال حوله في شعره هل كان جادًّا فيه أم كان من زمرة الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون.
ديوانه وشعره
عاش ابن أبي ربيعة منعماً مرهفاً، واجتمع ذلك مع جودة قريحته الشعرية، فجاد بديوان كاملٍ كانت غالب قصائده في الغزل والتشبيب بالمرأة، فقد كرس شعره للحب ووصف المرأة وكان أكثر غزله صريحاً.
وكان يظهر أحياناً بصورة الشاعر العفيف الذي يطلب صفاء المرأة من الداخل وجمال أخلاقها، ولا يكترث بجسدها وجمالها الخارجي، وكان يصف في شعره مغامراته مع النساء ويظهر نفسه بصورة المعشوق المطلوب لا صورة العاشق الطالب، وقد كان مجدداً في شعره فأضفى ميزات السرد والقص على شعره بالإضافة إلى الحوار.