العقل الباطن بمنظور الإسلام
تعريف العقل الباطن
العقلُ الباطِن هو اللّاشعور، واللاَّوعي، كما ويُعرف من منظور معاصر أنه مجموعة العمليات العقلية التي تحدث دون مستوى العقل؛ كالأفكار، والمشاعر، و الإدراك ، والذكريات.
ويرى د. عبد الفتاح سلامه أن العقل الباطن هو: "العقل غير الواعي الذي يحتوي على قوى عقلية وأفكار مستترة ليست ظاهرة للجزء المجاور له المسمى بالعقل الظاهر، والفكرة المستترة فيه والتي تنضج بالنسبة إليه، يرسلها إلى العقل الظاهر لتحويلها من مجرد فكرة إلى حركة أو عمل، هذا إذا وافق عليها ذلك العقل الظاهر".
ويرى الكثير من علماء النفس المعاصرين أن العقل الباطن هو مصدر كل الأعمال النفسية فهي ناتجة أولاً عنه، وهو مستودع الانفعالات والمشاعر والصدمات المكبوتة، وهو ما يحاول علم التحليل النَّفسي معالجته.
العقل الباطن بمنظور الإسلام
تعرض العلماء المسلمون إلى تفسير معاني الأجزاء الخفية من الإنسان؛ كالقلب و الروح والنفس والعقل، وفيما يخص العقل فيكاد يتفق فلاسفة المسلمين على أن أنه ذات مستقلة وجوهر روحاني بسيط.
ومن أبرز من اهتم في تفصيل وشرح معنى العقل هو حجة الإسلام الغزالي -رحمه الله-؛ فكان يطلق عليه: اللطيفة الربانية، مضافة إلى القلب والروح والنفس؛ فكلها عنده ذات معنى مشترك واحد، وهو ما يسمى اليوم باللّاشعور أو العقل الباطن.
ويسميه هو باللطيفة الربانية التي لها بالقلب الجسماني تعلق؛ وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدرك العالم العارف من الإنسان المُخاطب والمُعاقب والمُطالب، ولها صلة وعلاقة مع جارحة القلب.
وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه هذه العلاقة، وأن تعلق القلب بها يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام، والأوصاف بالموصوفات، والمستعمل للآلة بالآلة والمتمكن بالمكان.
العقل عند العلماء
والعقل عند جماهير العلماء من غير الفلاسفة المسلمين مثل ابن القيم وغيره من الفقهاء المسلمين والأصوليين؛ هو ذات مستقلة من جنس الأجسام يخالف في ماهيته جميع الأجسام المادية، ويرونه صفة أو غريزة من صفات الجسم الإنساني وغرائزه.
قال ابن تيمية: "إن العقل هو مناط التكليف وهو ضرب من العلوم الضرورية؛ كالعلم باستحالة اجتماع الضدين، وكون الجسم في مكانين، ونقصان الواحد عن الاثنين، والعلم بموجب العادات".
علاقة العقل الباطن بالسلوك الإنساني
يعطينا الإمام الغزالي من خلال وجهة نظره في العقل الباطن، تصور حول علاقة هذا العقل بالسلوك الإنساني حيث لجأ إلى تشبيه أن للقلب أو العقل الباطن جنوداً كثيرة؛ منها ما يُرى بالأبصار ومنها ما لا يرى إلا بالبصائر.
ووضع العقل في حكم المَلك، والجنود في حكم الخدم والأعوان، أما الجند المشاهدون بالعين فهم اليد والرجل، والعين والأذن، واللسان وسائر الأعضاء الظاهرة، وجميعها خادمة للعقل الباطن.
ومن الجدير بالذكر أن الغزالي قام بتقسيم أصناف خصائص العقل الباطن من وجهة نظره إلى ثلاثة أصناف، مع كل واحد من هذه الأصناف الباطنة أصناف ظاهرة؛ وهي الأعضاء المركبة من الشحم واللحم، والعصب والدم والعظم، كالآتي:
- باعث ومستحث
إما إلى جلب المنافع وأما إلى منع الضار، ويصح أن يُعبر عنه بالإرادة.
- المحرك للأعضاء
وهو ما يُحصل به مقاصد الإرادة، وقد يُعبر عنه بالقدرة.
- المدرك المتعرف للأشياء
وهي قوة البصر والسمع والشم والذوق واللمس، وهي مبثوثة في أعضاء معينة، ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك.