الرثاء عند ابن خفاجة
قصيدة: رفعت عليك عويلها الأمجاد
رَفَعَت عَلَيكَ عَويلَها الأَمجادُ
- وَجَفَت كَريمَ جَنابِكَ العُوّادُ
وَتَكَنَّفَت شَكواكَ عَن خَطبٍ دَهى
- هَدَّت لَهُ أَركانَها الأَطوادُ
سَلَّت عَتادَ الصَبرِ فيهِ صَبابَةً
- ما لي بِها غَيرَ الدُموعِ عَتادُ
لِلَّهِ أَيُّ خَليلِ صِدقٍ مُخلِصٍ
:::أَهوى بِهِ رُكنٌ وَمالَ عِمادُ
خَطَمَ القَضاءُ بِهِ قَريعاً مُصعَباً
- فَاِنقادَ يَصحَبُ وَالحِمامُ قِيادُ
طَلقَ الحَياةِ إِلى الرَدى
- فَحَوى بِهِ قَصَبَ السِباقِ جَوادُ
كُنّا اِصطَحَبنا وَالتَشاكُلُ نِسبَةٌ
- حَتّى كَأَنّا عاتِقٌ وَنِجادُ
ثُمَّ اِفتَرَقنا لا لِعَودَةِ صُحبَةٍ
- حَتّى كَأَنّا شُعلَةٌ وَزِنادُ
يا أَيُّها النائي وَلَستَ بِمُسمِعٍ
- سَكنَ القُبورُ وَبَينَنا أَسدادُ
ما تَفعَلُ النَفسُ النَفيسَةُ عِندَما
- تَتهاجَرُ الأَرواحُ وَالأَجسادُ
كُشِفَ الغِطاءُ إِلَيكَ عَن سِرِّ الرَدى
- فَأَجِب بِما تَندى بِهِ الأَكبادُ
فَوَراءَ سِترِ اللَيلِ مُضطَرِمُ الحَشا
- لا يَستَقِرُّ بِهِ هُناكَ مِهادُ
لَم يَدرِ إِلّا يَومَ مَوتِكَ ما الأَسى
- فَكَأَنَّ مَوتَكَ لِلأَسى ميلادُ
وَكفاهُ مَجداً أَن يَقولَ وَلِلدُجى
- فَجرٌ لَهُ مِن دَمعِهِ أَمدادُ
حَتّامَ أَندُبُ صاحِباً وَشَبيبَةً
- فَتَفيضُ عَينٌ أَو يَحِنُّ فُؤادُ
أَقصِر فَلا ذاكَ الخَليلُ بَآيِبٍ
- يَوماً وَلا ذاكَ الشَبابُ يُعادُ
فَقُصارُ مُجتَمِعُ الأَصاحِبِ فِرقَةٌ
- وَمَحارُ أَنوارِ الشَبابِ رَمادُ
فيمَ السُلُوُّ وَقَد تَحَمَّلَ صاحِبٌ
- شَطَّت بِهِ دارٌ وَطالَ بُعادُ
أَتبَعتُهُ قَلباً لَهُ مِن لَوعَةٍ
- زادٌ وَمِن عَينٍ تَفيضُ مَزادُ
فَذَّ تَبَسَّمَ عَنهُ صَدرُ المُنتَدى
- طَرَباً بِهِ وَاِهتَزَّتِ الأَندادُ
وَأَخٌ لِوُدٍّ لا أَخٌ لِوِلادَةٍ
- وَأَمَسُّ مِن نَسَبِ الوِلادِ وِدادُ
مَلَكَتهُ غَشيَةُ نَومَةٍ لا تَنجَلي
- وَلِكُلُّ عَينٍ نَومَةٌ وَسُهادُ
وَدَّعتُهُ تَوديعَ مُكتَئِبٍ وَلا
- غَيرَ المَعادِ لِلُقيَةٍ ميعادُ
وَنَفَضتُ مِنهُ يَدي بِعِلقِ مَضَنَّةٍ
- فُتَّت بِهِ الأَكبادُ وَالأَعضادُ
وَتَرَكتُهُ وَالمَجدُ يُرغِمُ أَنفَهُ
- مُتَوَسِّداً حَيثُ التُرابُ وِسادُ
في مَوطِنٍ نَزَلتَهُ جُرهُمُ قَبلَهُ
- وَتَحَوَّلَت إِرمٌ إِلَيهِ وَعادُ
أُمَمٌ يَغُصُّ بِها الفَضاءُ طَوَتهُمُ
- كَفُّ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَبادوا
سادوا وَقادوا ثُمَّ أَجلى جَمعُهُم
- عَن وَحدَةٍ فَكَأَنَّهُم ما قالوا
عَفَتِ البُناةُ عَلى اللَيالي وَالبُنى
- وَتَلاحَقَ الأَمجادُ وَالأَوغادُ
وَلَرُبَّما ذَبّوا وَذادوا عَن حِمى
- مَلِكٍ هَوى فَكَأَنّهُم أرادوا
فَأَصِخ طَويلاً هَل تَعي مِن مَنطِقٍ
- وَاِنظُر مَلِيّاً هَل تَرى ما شادوا
زُمَرٌ يُعَدُّ بِها الحَصى مِن كَثرَةٍ
- وَلَرُبَّما فَنِيَت بِها الأَعدادُ
أَلوى بِهِم وَلِكُلِّ رَكبٍ سائِقٌ
- زَمَنٌ حَدا بِرِكابِهِم يَقتادُ
وَرَمى رَبيعَةَ بِالخُمولُ وَإِنَّما
- كانوا بِعَبدِ اللَهِ فيهِم سادوا
بِأَغَرَّ وَضّاحِ الجَبينِ كَأَنَّهُ
- تَحتَ الدُجُنَّةِ كَوكَبٌ وَقّادُ
مُتَبَسِّمٌ في هِزَّةٍ فَكَأَنَّهُ
- غُصنٌ تَفَتَّقَ نَورُهُ مَيّادُ
وَطِئَ السِماكَ بِهِ التَواضُعُ رِفعَةً
- فَكَأَنَّما اِتِّهامُهُ إِنجادُ
أَلقى الحِمامُ بِرَحلِهِ في مَنزِلٍ
- نَزَلَت بِهِ الآباءُ وَالأَجدادُ.
قصيدة: ألا ساجل دموعي يا غمام
أَلا ساجِل دُموعي يا غَمامُ
- وَطارِحني بِشَجوِكَ يا حَمامُ
فَقَد وَفَّيتُها سِتّينَ حَولاً
- وَنادَتني وَرائي هَل أَمامُ
وَكُنتُ وَمِن لُباناتي لُبَيني
- هُناكَ وَمِن مَراضِعِيَ المُدامُ
يُطالِعُنا الصَباحُ بِبَطنِ حَزوى
- فَيُنكِرُنا وَيَعرِفُنا الظَلامُ
وَكانَ بِها البَشامُ مَراحَ أُنسٍ
- فَماذا بَعدَنا فَعَلَ البَشامُ
فَيا شَرخَ الشَبابِ أَلا لِقاءٌ
:::يُبَلُّ بِهِ عَلى يَأسٍ أُوامُ
وَيا ظِلَّ الشَبابِ وَكُنتَ تَندى
- عَلى أَفياءِ سَرحَتِكَ السَلامُ.
قصيدة: في كل ناد منك روض ثناء
في كُلِّ نادٍ مِنكَ رَوضُ ثَناءِ
- وَبِكُلِّ خَدٍّ فيكَ جَدوَلِ ماءِ
وَلِكُلِّ شَخصٍ هِزَّةُ الغُصنِ النَدي
- غِبَّ البُكاءِ وَرِنَّةُ المُكاءِ
يا مَطلَعَ الأَنوارِ إِنَّ بِمُقلَتي
- أَسَفاً عَلَيكَ كَمَنشَإِ الأَنواءِ
وَكَفى أَسىً أَن لا سَفيرٌ بَينَنا
- يَمشي وَأَن لا مَوعِدٌ لِلِقاءِ
فيمَ التَجَمُّلُ في زَمانٍ بَزَّني
- ثَوبَ الشَبابِ وَحيلَةَ النُبَلاءِ
فَعَريتُ إِلّا مِن قِناعِ كَآبَةٍ
- وَعَطِلتُ إِلّا مِن حُلِيِّ بُكاءِ
فَإِذا مَرَرتُ بِمَعهَدٍ لِشَبيبَةٍ
- أَو رَسمِ دارٍ لِلصَديقِ خَلاءِ
جالَت بِطَرفي لِلصَبابَةِ عَبرَةٌ
- كَالغَيمِ رَقَّ فَحالَ دونَ سَماءِ
وَرَفَعتُ كَفّي بَينَ طَرفٍ خاشِعٍ
- تَندى مَآقيهِ وَبَينَ دُعاءِ
وَبَسَطتُ في الغَبراءِ خَدّي ذِلَّةً
- أَستَنزِلُ الرُحمى مِنَ الخَضراءِ
مُتَمَلمِلاً أَلَماً بِمَصرَعِ سَيِّدٍ
- قَد كانَ سابِقَ حَلبَةِ النُجَباءِ
لا وَالَّذي أَعلَقتُ مِن تَقديسِهِ
- كَفّي بِحَبلَي عِصمَةٍ وَرَجاءِ
وَخَرَرتُ بَينَ يَدَيهِ أَعلَمُ أَنَّهُ
- ذُخري لِيَومِيَ شِدَّةٍ وَرَخاءِ
لا هَزَّني أَمَلٌ وَقَد حَلَّ الرَدى
- بِأَبي مُحَمَّدٍ المَحَلَّ النائي
في حَيثُ يُطفَأُ نورُ ذاكَ المُجتَلى
- وَفِرِندُ تِلكَ الغُرَّةِ الغَرّاءِ
وَكَفى اِكتِئاباً أَن تَعيثَ يَدُ البِلى
- في مَحوِ تِلكَ الصورَةِ الحَسناءِ
فَلَطالَما كُنّا نُريحُ بِظِلِّهِ
- فَنُريحُ مِنهُ بِسَرحَةٍ غَنّاءِ
فَتَقَت عَلى حُكمِ البَشاشَةِ نورَها
- وَتَنَفَّسَت في أَوجُهِ الجُلَساءِ
تَتَفَرَّجُ الغَمّاءُ عَنهُ كَأَنَّهُ
- قَمَرٌ يُمَزِّقُ شَملَةَ الظَلماءِ
قاسَمتُ فيهِ الرُزءَ أَكرَمَ صاحِبٍ
- فَمَضى يَنوءُ بِأَثقَلِ الأَعباءِ
يَهفو كَما هَفَتِ الأَراكَةُ لَوعَةً
- وَيُرِنُّ طَوراً رِنَّةَ الوَرقاءِ
عَجَباً لَها وَقَدَت بِصَدرٍ جَمرَةً
- وَتَفَجَّرَت في وَجنَةٍ عَن ماءِ
وَلَئِن تَراءى الفَرقَدانِ بِنا مَعاً
- وَكَفاكَ شُهرَةَ سُؤدُدٍ وَعَلاءِ
فَلَطالَما كُنّا نَروقُ المُجتَلي
- حُسناً وَنَملَأُ ناظِرَ العَلياءِ
يُزهى بِنا صَدرُ النَدِيِّ كَأَنَّنا
- نَسَقاً هُناكَ قِلادَةُ الجَوزاءِ.