الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الثاني
طبقات المجتمع في العصر العباسي الثاني
توزعت طبقات المجتمع في العصر العباسي الثاني إلى ثلاث طبقات رئيسية هي كالآتي:
الطبقة العليا
تألفت من الخلفاء والأمراء والوزراء والولاء وكبار القادة، وكانت هذه الطبقة تغرق في النعيم والرخاء، وكانت تأتي الأموال من جميع الولايات إلى مركز الخلافة ما جعل الخلفاء العباسيين وأمرائهم ينعمون برغد العيش، فشيدوا القصور، واستمتعوا بلهو الحياة وأسرفوا في اللذات وأنفقوا الكثير على حاشيتهم، وبالمثل فعل بعض القادة، ولكن ابتعد بعض الخلفاء عن ذلك أمثال المعتضد والموفق.
الطبقة الوسطى
كانت تتألف من رجال الجيش وموظفي الدواوين وبعض العلماء والأدباء، وكانوا يحصلون على رواتب ثابتة من الدولة، ودخل في هذه الطبقة المغنون والشعراء حيث كانوا يتقاضون أموالاً كثيرةً على غنائهم وشعرهم، ويدخل فيها صغار التجار والصناع، وكانوا يعيشون حياةً متوسطة بين الإسراف والتقشف، فيستخلصون قوت يومهم الذي يكفيهم لحياةٍ مناسبةٍ.
الطبقة الدنيا
كانت تضم العمال من المزارعين، وأصحاب الحرف، والرقيق والخدم، وكان يقع عليها القيام بالأعمال في الزراعة أو خدمة القصور أو الحرف، والمطلوب منها تقديم أساليب الراحة للطبقات الأعلى، وكل ما كان يخص الطبقات الأعلى من نعيمٍ نتاج أيدي هذه الطبقة سواءً في الخدمة أو بناء القصور أو غيرها، وكانت تعمل في المهن المستحقرة آنذاك، وقد عاشت في شظفٍ من العيش.
الحضارة والترف والملاهي
ابتدأ الخلفاء العباسيون في تشييد القصور والتسابق في بنائها وكانت على طرازٍ رفيعٍ من الجمال، وقد زينوها بالجواهر والذهب والفضة حتى كانت توجد في بعض قصورهم شجرةً من الفضة عليها عصافير من الذهب، وامتلك المتوكل ما يقارب عشرين قصراً كلها شيدت له، ولم يقتصر الأمر على الترف في بناء القصور بل كانت في لباسهم ومطعهم ومشربهم ومركبهم واتخاذ الجواهر للزينة.
كما اتخذوا وسائل الراحة والنعيم حيث جعلوا طعامهم من أرقى الأطعمة وجعلوا عليه متخصصاً في ذلك، كما اتخذوا شخصاً يقوم على شرابهم وصنعوا مختلف الأشربة التي كانوا يشربونها، واتخذوا ندماء يجالسونهم ويرون لهم الأشعار والنوادر والفكاهات ويسرون عنهم في أوقات غضبهم، وأغدقوا عليهم بالأموال الطائلة، واتخذوا المغنيين والجواري التي كانت تجلب إليهم من مختلف البلدان.
كما اتخذوا مختلف الملاهي، فكانوا يجلبون إليهم الممثلين الهزليين الذين يقلدون الأصوات ويحاكون الحركات، وكانوا يتفرجون على تناطح الكباش وصراع الديكة وصراعات الفيلة وانقضاض السباع، ومن أهم وسائل الملاهي لعبة الشطرنج حيث كانوا يفتحون الأبواب لمن يحسنها كأبي القاسم الشطرنجي ومحمد بن يحيى الصولي، واتخذوا لعبة الطاولة وكانوا يقامرون عليها، وأبرز ملاهيم كانت الغناء.
الرقيق والجواري
انتشر العبيد في كل مكانٍ في الحياة العباسية، فوجدوا في القصور والمزارع والأكواخ وغيرها، وكان يتم جلبهم من مختلف بقاع الأرض، وكانوا من مختلف الأجناس فوجد العبيد الهندي والتركي والزنجي والحبشي، والصيني والخرساني والصقلي، ولم يعد الرقيق مقتصراً على الأخذ من الحروب بل صار تجارةً كتجارة الأمم السابقة حيث كانوا يأتون به من الأسواق الأعجمية، وقامت له في البلاد الإسلامية أسواقٌ كثيرة.
كما كان أكثر الرقيق من الخصيان، ما دفع لظهور ظاهرةٍ جديدةٍ في الدولة العباسية تسمت بالغلاميات حيث كانت الجواري تلبس لباس الرجال وتتشبه بهم في تصرفاتها وحركاتها، كما كان الغلمان يلبسون لباس الجواري ويتصرفون بتصرفاتهن ويتحركون كحركاتهن ما دفع لظهور الغزل بالغلمان، وكان من المعروف أن الذي يصل للحكم يحظى غلمانهم ورقيقهم بمعاملةٍ خاصةٍ كالرقيق التركي بعد وصول الترك لمقاليد الحكم.
أما الجواري فكن أكثر من الغلمان والرقيق، وقد استكثر الناس منهن خاصةً الفاتنات كالفارسيات والروميات وغيرهن، وأكثر من اتخذهن هم الخلفاء، وحتى بعض أمهات الخلفاء كن من الجواري ولهذا كنّ يتدخلن في الحكم ويولين أقربائهن في المناصب العليا في الدولة، ويمكن القول إنّهن السبب الرئيس في دخول الأجناس غير العربية في الحكم.
الغناء
عني المجتمع العباسي الثاني بالغناء والموسيقى، وقد ترجموا لذلك كتب الغناء عن مختلف اللغات، وقد شارك العرب في التأليف في الغناء، وأكثر المعنيين بالغناء هم المتفلسفة أمثال الكندي والسرخسي، ثم جاء الفارابي الذي ألف الكتاب الأكبر في الغناء والموسيقى منذ القديم وحتى عصره وكتب في الفنون الغنائية وأدواتها وطور فيها.
انتشر المغنون والمغنيات في هذا العصر، وكانوا يتواجدون في دور الخلافة أو في دورٍ خاصةٍ يؤمها الفتيان والشعراء ويستمعون لمختلف الأغاني ويقضون وقتهم في اللهو والشرب، ويبرز عددٌ من المغنين في هذا العصر أمثال إسحق الموصلي الذي كان محافظاً في أوزانه الشعرية، وإبراهيم بن المهدي الذي كان مجدداً في الأوزان الشعرية.