الحكمة ضالة المؤمن
شرح الحكمة ضالة المؤمن
يبقى المؤمن محتاجاً للكلام الذي يحمل نصيحة وحكمة، وحيثما وجد المؤمن ذلك فعليه بالأخذ بها، حتى وإن كانت قد خرجت من الذين لا يُحسبون من ذوي الرأي والحكمة، وقد قا ل التوربشتي: "أي بالعمل بها، واتباعها"، ويُقصد بذلك أن الحكمة قد يتكلّم بها من لا يكون من هو أهلها، ثمّ تقع إلى من هو مُستحقّ لها.
وشبّه المؤمن كمن يُضيع شيئاً له ثمّ يجده له أحد الأشخاص؛ فهو لا ينظر إلى الشخص الذي وجد له ضالّته، بل يأخذها بغض النظر عن حاله، وكذلك الحكمة التي تُفيده يأخذها بغض النظر عمّن ألقاها، ورُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: "خذوا الحكمة ممّن سمعتموها، فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير رامٍ".
وجاء عن عبد الله بن عبيد بن عمير قوله: "كان يُقال العلم ضالة المؤمن يغدو في طلبها، فإن أصاب منها شيئًا حواه حتى يضم إليه غيره"، ويؤيد هذا القول ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا قوله: "خذ الحكمة ولا يضرّك من أي وعاء خَرَجَتْ"، فهي قاعدة في حياة المؤمن يجب عليه اتباعها، فالمؤمن هو الأحق بالرأي الصائب حيث وُجد.
صحة حديث الحكمة ضالة المؤمن
والحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو قوله: (الكلِمةُ الحِكمةُ ضالَّةُ المؤمِنِ فحيثُ وجدَها فَهوَ أحقُّ بِها)، فقد أخرجه الترمذي و ابن ماجة في سننهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقال الترمذي في حكمه عليه: " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المَدني المخزومي يُضعّف في الحديث من قِبلِ حفظه".
وإن لم يثبت هذا الحديث إلا مرفوعاً إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، إلَّا أنّه صحيح المعنى والمضمون؛ فالمؤمن يجب أن يكون من طبعه الحرص على طلب الحق حيثما كان، وأن يقبل بالرأي الصائب من أيٍ شخصٍ كان، والمؤمن يأخذ كلمة الحق من غير الاعتراض على مصدرها أو قائلها.
الحكمة في القرآن الكريم
ذكر الله -تعالى- الحكمة في القرآن الكريم في عدة مواضع ومنها ما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وهذه الآية تُخبر عن دعوة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، وجاءت الحكمة في الآية الكريمة بمعنى الخير والصلاح الذي يأمرهم به ليفعلوه.
- قول الله -تعالى-: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، ويُقصد بالحكمة القول الصائب الصحيح الذي يعلّمه الله -تعالى- لمن يشاء من عباده، وقيل معناها الفقه والعلم في القرآن الكريم، وقيل هي الخشية من الله تعالى.