الاستعارة عند ابن المعتز
مفهوم الاستعارة عند ابن المعتز
اختلف العلماء -ومنهم ابن المعتز- في تعريف الاستعارة ، فكانت آراؤهم تصبّ في خانة واحدة من حيث المفهوم العام، إذ يُعرفها ابن المعتز: "هي استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عُرف بها، مثل: أم الكتاب، ومثل: جناح الذل، ومثل: قول القائل الفكرة مخ العمل، فلو كان قال: لب العمل لم يكن بديعًا".
يُمكن القول إنّ الاستعارة لون من ألوان المجاز اللغوي يقوم على علاقة المشابهة بين المعنى المجازي والحقيقي، وهي في أصلها تشبيه حُذفَ أحد طرفيه، وقد تجلَّت في أشعار كثير من الشعراء ومنهم ابن المعتز.
أمثلة على الاستعارة في شعر ابن المعتز
من أبرز القصائد التي جاءت فيها الاستعارة في أشعار ابن المعتز ما يأتي:
قصيدة فك حرا للوجد قيد البكاء
قال ابن المعتز :
فُكَّ حُرّاً لِلوَجدِ قَيدَ البُكاءِ
فَاِعذُريني أَو لا فَموتي بِدائي
لَو أَطَعنا لِلصَبرِ عِندَ الرَزايا
ما عَرَفناهُ شِدَّةً مِن رَخاءِ
أَسرَعَ الشَيبُ مُغرِياً لي بِهَمٍّ
كانَ يَدعوهُ مِن أَحَبِّ الدُعاءِ
ما لِهَذا المَساءِ لا يَتَجَلّى
أَحَياءً مِنهُ سِراجَ السَماءِ
قَرِّبا قَرِّبا عِقالَ المَطايا
وَاِحلُلا غِبها عِقالَ الثَواءِ
تُسعِدَنَّ الأَقدارُ جُهدي وَإِلّا
لَم أَمُت في ذا الحَيَّ مَوتَ النِساءِ
حُرَّةٌ قَد يَستَرعِفُ المَرءُ مِنها
مَنسِماً أَو مُستَنعِلاً بِالنَجاءِ
أُنفِذَت في لَيلِ التَمامِ وَحَنَّت
كَحَنينٍ لِلصَبِّ يَومَ التَنائي
وَالدُجى قَد يَنهَضُ الصُبحُ فيهِ
قائِماً يَنشُرُ ثَوبَ الضِياءِ
مَن لِهَمٍّ قَد باتَ يُشجي فُؤادي
ما لَهُ حالُ دَمعَتي مِن خَفاءِ
إِخوَةٌ لي قَد فَرَّقَتهُم خُطوبٌ
عَلَّمَت مُقلَتي طَويلَ البُكاءِ
إِن أَهاجوا بِآلِ أَحمَدَ حَرباً
بِبَنيكُم لا تَحلُبوا في إِنائي
وَتَحَلّوا عِقدَ التَمَلُّكِ مِنكُم
بِأَكُفٍّ قَد خُضِّبَت بِالدِماءِ
وَخَليلٍ قَد كانَ مَرعى الأَماني
وَرِضى أَنفُسٍ وَحَسبِ الإِخاءِ
غَرَّقَتني في لُجَّةِ البَينِ عَنهُ
فَتَعَلَّقتُ في حِبالِ الرَجاءِ
غَيرَ أَنّا مِنَ النَوى في اِفتِراقٍ
وَلِقاءٍ لِذِكرِنا في البَقاءِ
وَفُراقُ الخَليلِ قَرحٌ مُمِضٌّ
وَبِهِ يَعرِفونَ أَهلَ الوَفاءِ
حاذِقُ الوُدِّ لي بِما سَرَّ نَفسي
كانَ طَبّاً وَعالِماً بِالشِفاءِ
مُرسِلُ الجودَ مِنهُ في كُلِّ سُؤلٍ
يَكلَأُ المَجدَ بَينَ عَينِ السَخاءِ
يَعرِفَنَّ المَعروفَ طَبعاً وَيُثني
بِيَدِ الجودِ في عِنانِ الثَناءِ
مرّ في القصيدة السابقة بعض الاستعارات، ومنها ما يأتي:
- أَطَعنا لِلصَبرِ
شبّه الصبر بإنسان يُطاع، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية .
- أَسرَعَ الشَيبُ
شبّه الشيب بالإنسان الذي يُسرِع، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- يَنهَضُ الصُبحُ
شبّه الصبح بالإنسان الذي ينهض من نومه أو من الأرض ونحوه، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- مَرعى الأَماني
شبّه الأماني بالحيوانات التي تتخذ مرعًى خاصًّا بها، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
قصيدة لما تفرى الأفق بالضياء
قال ابن المعتز:
لَمّا تَفَرّى الأُفقُ بِالضِياءِ
مِثلَ اِبتِسامِ الشَفَّةِ اللَمياءِ
وَشَمَطَت ذَوائِبُ الظَلماءِ
وَهَمَّ نَجمُ اللَيلِ بِالإِغفاءِ
قُدنا لِعَينِ الوَحشِ وَالظِباءِ
داهِيَةً مَحذورَةَ اللِقاءِ
شائِلَةً كَالعَقرَبِ السَمراءِ
مُرهَفَةً مُطلَقَةَ الأَحشاءِ
كَمَدَّةٍ مِن قالَمٍ سَواءِ
أَو هُدبَةٍ مِن طَرَفِ الرِداءِ
تَحمِلُها أَجنِحَةُ الهَواءِ
تَستَلِبُ الخَطوَ بِلا إِبطاءِ
وَمُخطَفاً مُوَثَّقَ الأَعضاءِ
خالَفَها بِجَلدَةٍ بَيضاءِ
كَأَثَرِ الشِهابِ في السَماءِ
وَيَعرِفُ الزَجرَ مِنَ الدُعاءِ
بِأُذُنٍ ساقِطَةِ الأَرجاءِ
كَوَردَةِ السَوسَنَةِ الشَهلاءِ
ذا بُرثُنٍ كَمِثقَبِ الحِذاءِ
وَمُقلَةٍ قَليلَةِ الأَقذاءِ
مرّ في القصيدة السابقة بعض الاستعارات، ومنها ما يأتي:
- تَفَرّى الأُفقُ
شبّه الأفق بشيء يتشقّق كالثوب ونحوه، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- شَمَطَت ذَوائِبُ الظَلماءِ
شبّه الظلماء بالإنسان الذي له شعر وذوائب، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- أَجنِحَةُ الهَواءِ
شبّه الهواء بطائر له أجنحة، فحذف المشبه به، وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
قصيدة جار هذا الدهر أو آبا
قال ابن المعتز:
جارَ هَذا الدَهرُ أَو آبا
وَقَراكَ الهَمُّ أَوصابا
وَوُفودُ النَجمِ واقِفَةٌ
لا تَرى في الغَربِ أَبوابا
وَكَأَنَّ الفَجرَ حينَ رَأى
لَيلَةً قاسِيَةً هابا
غَضَبُ الإِدلالِ مِن رَشَإٍ
لابِسٍ لِلحُسنِ جِلبابا
سُحِرَت عَيني فَلَستُ أَرى
غَيرَهُ في الناسِ أَحبابا
وَلِحَيني إِذ بُليتُ بِهِ
وَأَرى لِلحَينِ أَسبابا
غُصُنٌ يَهتَزُّ في قَمَرٍ
راكِضاً لِلوَشيِ سَحّابا
أَثمَرَت أَغصانُ راحَتِهِ
لِجُناةِ الحُسنِ عُنّابا
لامَهُ فِيَّ الوُشاةِ وَكَم
ذامَني مِنهُم وَكَم عابا
عَذَّبوا صَبّاً بِعَذلِهِمُ
مُتعَباً في الحُبِّ إِتعابا
فَتَبَرّا مِن مَحَبَّتِنا
وَأُراهُ كانَ كَذّابا
لا تَرى عَيني لَهُ شَبَهًا
غَزِلٌ في الحُبِّ ما حابى
وَحَديثٍ قَد جَعَلتُ لَهُ
دونَ عِلمِ الناسِ حُجّابا
لا يَمَلُّ النَثرَ لافِظُهُ
مُفتَنٌ يُعجَبُ إِعجابا
مرّ في القصيدة السابقة بعض الاستعارات، ومنها ما يلي:
- جارَ هَذا الدَهرُ
شبّه الدهر بالإنسان الذي يجور، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- قَراكَ الهَمُّ
شبّه الهم بالإنسان الذي يُقري الناس أيّ يُضيّفهم، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- الفَجرَ حينَ رَأى
شبّه الفجر بالإنسان الذي يرى وينظر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.
- أَغصانُ راحَتِهِ
شبّه راحة الكف بالشجرة التي لها أغصان، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.