الإسلام دين السلام
السّلام في دين الإسلام
يشمل السَّلام مجموعةً من المبادئ والأسس والقوانين التي تنظِّم علاقات الأفراد داخل الدَّولة الواحدة، وعلاقة الدُّول فيما بينها، مما يُنشئ علاقةً قائمةً على الوِّد والاحترام المتبادل، ويُطلق السَّلام في اللّغة على البراءة، وقد جاء الإسلام وجعل هذه المبادئ واضحةً مستقيمةً، تُحافظ على الاستقرار الداخليِّ والخارجيِّ للإنسان، وكان السَّلام بمعناه الاصطلاحي قديماً يُطلق على التَّخلص من النِّزاعات والحروب، لكنَّه ومع تطوُّر العلاقات فيما بين الدُّول وانتهاء الخلافات والحروب فيما بينهم تطوّر مفهوم السَّلام ليشمل الحفاظ على حقوق كلِّ مَن هو في إطار الدَّولة من المسلمين وغيرهم، وإقامة الحرِّيات لكلٍّ منهم، والعدالة وعدم التَّعدي على أحدٍ منهم.
وقد أَوْلى القرآن الكريم موضوع السّلام أهميَّةً كبيرةً، والملاحِظ لهذه الآيات يرى أنّها نزلت في مكَّة المكرَّمة في بدايات الدَّعوة، ممَّا يبيِّن أهميَّة ذلك الجانب ورعاية الإسلام به، ومنها قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). ونهى الإسلام عن الخيانة بالعهد والغدر به، وأمر بالوفاء بالعهود والمواثيق، حيث قال -تعالى-: (وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ)، وقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ)، وللسَّلام في الإسلام مجموعةٌ من المظاهر، نورد منها ما يأتي:
- اسم الإسلام مشتقٌّ من السَّلام، وعليه اسم المسلمون، وهذا أعظمُ مظهرٍ من مظاهر السَّلام، حيث قال -تعالى-: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).
- تحيَّة المسلمين فيما بينهم السَّلام، وختام الصّلاة السَّلام.
- ليلة القدر التي أنزل الله -عز وجل- بها القرآن كلُّها سلام، حيث قال -تعالى-: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
- لقاء الله -عزّ وجلّ- لعباده يكون بالسَّلام، قال -تعالى-: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)، وكذلك لقاء الملائكة لعباد الله -تعالى- الصَّالحين يكون بالسَّلام.
- الجنَّة اسمها دار السَّلام، قال -تعالى-: (لَهُم دارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِما كانوا يَعمَلونَ).
- اسم من الأسماء التي سمّى الله بها نفسه، قال -تعالى-: (هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ).
- الإحرام للحجِّ الذي يمنع صاحبه من الكثير من المحظورات؛ كصيد الحيوان، وقصّ الأظافر، وحلق الشَّعر، والقتل، وإيذاء الآخر، فيكون سلاماً على نفسه وعلى غيره، حيث قال -تعالى-: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).
- سيِّدنا محمد -صلّى الله عليه وسلّم- أرسله الله -تعالى- ليكون رحمةً للعالمين ، والبسملة التي ينطقها المسلم قبل البدء بكلِّ عملٍ فيها رحمةٌ وسلامٌ من الله -تعالى-، وجاء القرآن بوصيَّةٍ عظيمةٍ للمسلمين في قوله -تعالى-: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ* أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ).
قيم إسلامية عزّزت من السلام
وضع الإسلام منهجاً قويماً لتحقيق مبدأ السَّلام من خلال مجموعةٍ من القيم والمبادئ، منها ما يأتي:
- الأخوَّة والمحبَّة بين المسلمين وشعور كلِّ مسلمٍ بأخيه المسلم، فقال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وروى أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، والسّعيُ إلى إصلاح ذات البين ، والعمل على حلِّ المشكلات والخلافات التي تقع بين أفراد المجتمع.
- وحدة الأمّة الإسلاميّة: حيث قال -تعالى-: (إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، بالإضافة إلى تماسكها وتعاونها على البرِّ والتَّقوى، والتَّمسُّك بحبل الله -تعالى- كما ورد في قوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
- الإقرار بمكارم الأخلاق في المجتمع، والعمل بها من قبل أفراد المجتمع جميعاً على اختلاف أعمارهم ومواقعهم.
- العدل بين أفراد المجتمع الذي يؤدِّي إلى سيادة الأمن والاستقرار والسَّلام، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)، فلا يتميَّز أحدٌ على أحدٍ، والجميع أمام القانون سواء.
- السِّلم الاجتماعي الذي يتحقَّق من خلال تصالُح الإنسان مع ذاته، فلا يؤذي نفسه ولا يؤدّي بها إلى المخاطر، وتصالح الإنسان مع الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة إلى المدينة المنوَّرة حين آخى بين المهاجرين والأنصار، والتَّصالح السياسي وتجنُّب القتال والاعتداءات.
- الإيمان والتّقوى، ممّا يدفع أفراد المجتمع إلى القيام بما عليهم من الواجبات بكلِّ إخلاصٍ وهدوءٍ واستقرارٍ، فيكون المجتمع آمناً مستقراً، حيث قال -تعالى-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ).
- الالتزام بالمبادئ الإنسانيَّة حال الحرب والقتال؛ فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن قتل النِّساء في الحرب، ويسعى للصُّلح بجميع الطرق والوسائل، وما كان القتال إلّا الخيار الأخير الذي يلجأ إليه، ولعلَّ أكبر دليلٍ على ذلك هو فتح مكّة الذي كان خالياً من القتال، وعفا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه عن أعداء الإسلام.
- النهي عن كلِّ ما من شأنه إيذاء المسلمين ونشر الفساد وفقدان الأمن في المجتمع، فحرَّم الإسلام التَّعدي على الآخرين وإيذائهم سواءً باللّسان أو اليد، وحرَّم القتل، وأكْل أموال النَّاس بالباطل، والاعتداء على الأعراض، والغلوِّ المؤدِّي إلى تكفير الآخرين والتشكيك في دينهم، وحرَّم الإسلام الظلم ، ونهى عن نشر الإشاعات الكاذبة التي تزعزع الأمن في المجتمع.
- مراعاة الاختلاف العرقي والديني والمذهبي الحاصل في المجتمع، والقيام بحقوق كلِّ فئةٍ من هذه الفئات بالعدل والمساواة دون النَّظر إلى هذا الاختلاف، وحماية الحريات الدينيّة لهم وممارستهم للشعائر الدينيّة الخاصة بهم.
- طاعة الحاكم بالمعروف؛ والرُّجوع إلى القرآن الكريم والسنّة النبويَّة الشريفة عند وقوع الاختلاف، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
- إقامة حدود الله -تعالى-، وعدم التَّهاون فيها.
- تجنّب الإفراط والتفريط والغلوّ في الدِّين، والالتزام بمنهج الوسطيَّة والاعتدال، كما قال -تعالى-: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ).
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديم النَّصيحة على الوجه الذي يتناسب مع فئات المجتمع المختلفة، وبطريقةٍ تضمن استجابتهم لها، وتحافظ على الأمن والاستقرار داخل المجتمع، وتدفع الفساد والضرر عن أفراده، قال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ).
- الحثّ على التَّوادِّ والتَّراحم والتَّلاطف، وإشاعة روح الألفة والمحبَّة بين أفراد المجتمع، ونهى الإسلام عن كلِّ ما من شأنه أن ينشر الحقد والكره والمشاكل بين النَّاس، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ).
- حماية الشَّباب من التأثُّر بالغزو الفكري والثقافي الذي يعمل العدو على بثِّه من خلال نشر الأفكار المسمومة حول الدِّين الإسلاميِّ والعلماء المسلمين.
اهتمام الإسلام بالسّلام
تَظهر رسالة الإسلام السمحة من خلال تعامله مع الأديان الأخرى على مرِّ العصور والأزمان، كما أنّ العلاقة بين الأمّة الإسلاميّة وغيرها من الأُمم قائمةٌ على السَّلام لا الحرب، ويؤيِّد ذلك الأدلَّة القوليَّة والعمليَّة، ومنها ما ورد من الأدلَّة على العفو والصَّفح العام، مثل قول الله -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، ومنها ما جاء ليدلَّ على الإحسان، كقوله -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه والمسلمين بإجارة وحماية من أَقبل إليهم من المشركين هارباً.
والمعاهدات التي قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها بينه وبين يهود بني عوف ويهود بني النّجار وبني أوس وغيرهم في المدينة المنوَّرة والتي تتمحور في نصوصها حول إقامة السِّلم ومنع الحرب في الدَّولة، مع المحافظة على خصوصيات كلِّ طرفٍ من أطراف المعاهدة بما يتوافق مع دينه، ومنها عقود الصُّلح؛ كصلح الحديبية ، ورسائله إلى الملوك والأمراء وحكَّام الدُّول؛ كالمقوقس عظيم مصر وغيره، ويتجلَّى السَّلام تجليّاً واضحاً في المعاهدات التي أبرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الدُّول الأخرى، سواءً كانت هذه المعاهدات في حالة السِّلم ليحافظ على الأمن والأمان، أو التي كانت في حالة الحرب ليعود إلى السِّلم والاطمئنان.
وهذه المعاهدات لم تكن تمسّ النُّصوص الشرعيَّة بحالٍ من الأحوال، وكانت قائمةً على موافقة الطَّرفين ورضاهم، دون أن يكون فيها أيُّ نوعٍ من الإجبار أو الإكراه، وبنصوصٍ واضحةٍ تبيِّن لكلِّ طرفٍ ما له وما عليه، وفترة زمنيّة واضحة يلتزم كلا الطرفين بنصوصها طوال مدّتها، فإن نقضها أحد الطرفين كان من حقِّ الآخر أن ينقضها فتقوم الحرب، ولأنَّ الإسلام لا يكون بالإكراه، كان انتشاره سلميَّاً، وجميع الغزوات في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والفتوحات من بعده إنَّما كانت من أجل الدِّفاع عن حريَّة الاعتقاد والقضاء على الذين يعتدون على غيرهم، وعلى مرِّ التاريخ لم يقع القتال بين المسلمين وأهل البلاد المفتوحة قط، بل كانت من أجل التَّخلص من الاستعمار والاستغلال والاستعباد.