أجمل قصص القرآن الكريم
أجمل قصص الأنبياء في القرآن
قصة يونس -عليه السلام-
سرد القرآن الكريم عدّة قصص لنبيّ الله يونس -عليه السلام- وسيتناول المقال جانباً من هذه القصص وليس جميعها، وقد وردت قصّته في الآيات الكريمة التي نبّهت الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى- مخاطباً له: (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)، وقد نبّه الله -تعالى- النبي -عليه السلام- في الآيات من الاتّصاف بصفات يونس -عليه السلام- في الغضب، والضجر، وعدم الصبر على دعوة قومه، والعجلة عليهم، وتركهم، والمكظوم هو المهموم، والمغموم، والمكروب.
وقد ترك يونس -عليه السلام- قومه وذهب باتّجاه البحر، ووجد سفينة مليئة بالركاب فركب بها، وسارت بهم في البحر، وفي الطريق جاءت أمواجٌ عالية، وجعلت السفينة تقف في وسط البحر وتعجز عن حمل كل من فيها، فتشاور الركاب واتّفقوا على إجراء قرعة، ومن يخرج اسمه يرموه في البحر ليخففوا الحِمل عن السفينة؛ فخرج اسم يونس -عليه السلام-، لكنهم رفضوا رميه في المرّة الأولى لأنه رجلٌ صالح.
وكرروا القرعة أكثر من مرة وفي كل مرّة يخَرَج اسمه فقرروا رميه، وهذا ما قدّره الله -تعالى- له، وعندما أُلقيَّ في البحر إلتقمه حوتٌ كبير؛ فقد أمر الله -تعالى- هذا الحوت أن يبلع يونس بلعاً بحيث لا يُفتت لحمه، ولا يكسر عظمه؛ فبَقي حيّاً في بطن الحوت، وقد حوَّله إلى مسجد؛ فأخذ يذكر الله -تعالى- ويسبّحه، ويدعوه أن يُخرجه من بطن الحوت، ويعترف أنه تاب بعد أن رأى كيف أنّ الله -تعالى- ضَّيَّقَ عليه في بطن الحوت، وقد اجتمعت عليه ثلاث ظلمات؛ وهي ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، بعد أن ترك سعة الدُنيا.
وقد صوّر الله -تعالى- ذلك في قوله: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فاستجاب الله -تعالى- له بعدما علّمه الله -تعالى- ما يريد، وقد عَلمَ -تعالى- بصلاته وتسبيحه، وذلك في قوله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ)، وأتمَّ الله -تعالى- نعمته عليه وأمر الحوت أن يقذفه على شاطئ البحر، وكان ضعيفاً هزيلاً، وقد ورد ذلك في قوله -تعالى-: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ*وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ).
وأكرمه الله -تعالى- ونَعَّمَه في قوله: (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)، حيث نُبذ على الساحل وكان يحتاج إلى طعام، وشراب، وستر، وقد أنبت الله -تعالى- عليه شجرة من يقطين؛ وهي كل شجرة تنبت من غير ساق، حيث تكون أوراقها كبيرة يستطيع أن يتستّر بها، وقد أنبت الله -تعالى- له اليقطين لعدّة أسباب؛ ومنها أنّه ينفع للطعام والعلاج، ويمكن الأكل منه طول فترة نضجه، ولا يقربه الذباب، بالإضافة إلى أنّ الله -تعالى- هيّأ له دابّة يأكل من لبنها، فظل على هذا الحال حتى أصبح سليماً، قوياً، معافاً.
فمنَّ الله -تعالى- عليه مرّةً أخرى بالرسالة، وأرسله إلى قوم أطاعوه واتّبعوا رسالته، وكل ما حصل مع يونس -عليه السلام- هو من باب التأديب والتمحيص، بدليل أن الله -تعالى- رَدَّه إلى وظيفته الأساسية وهي دعوة الناس، وتجدر الإشارة إلى أنَّه لا ينبغي لأحد أن يعتقد أنَّ نبي الله يونس -عليه السلام- كان يتصف بصفات نقص أو سوء، وقد سدَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الذريعة في قوله: (ما يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إنِّي خَيْرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى).
يتلخّص مما سبق أن سيدنا يونس -عليه السلام- كان قد دعا قومه مراراً وتكراراً، فلمّا يئس من استجابتهم تركهم وذهب وركب مع قوم في سفينة، فلمّا ثقلت كان لا بد من التخلص من أحدهم عن ظهرها، فأُلقي يونس في البحر، فالتقمه الحوت، فبقي يذكر الله في بطن الحوت إلى أن أنجاه الله، وعاد لقومه فوجدهم قد رجعوا إلى الله وتابوا إليه.
قصة الأمر بذبح اسماعيل -عليه السلام-
ترك نبي الله إبراهيم -عليه السلام- بلده، وهاجر وقد سأل الله -تعالى- أن يهب له ولداً صالحاً، وكان يبلغ من العمر في وقتها ستّاً وثمانين عاماً؛ فبشّره الله -تعالى- بغلامٍ حليم، وذكر ذلك في قوله -تعالى-: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)؛ فرزقه الله -تعالى- بأوّل ولد له؛ أي ببكره إسماعيل -عليه السلام- ولا خلاف على ذلك، وعندما أصبح شابّاً، يستطيع التنقّل مع والده من مكانٍ إلى آخر، ويتحمّل السعي، قال الله -تعالى- عن ذلك: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، أمره الله -تعالى- بذبحه في رؤيا أراه إياها.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (رُؤْيَا الأنْبِيَاءِ وحْيٌ)، فامتثل إبراهيم -عليه السلام- لأمر ربه، وسارع إلى ذبحه بعدما أخبره بالأمر ليكون أطيب لقلبه؛ فاستجاب اسماعيل -عليه السلام- وقال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)، وعندها استسلما لأمر الله -تعالى- وعزما على الذبح، قال تعالى-: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)؛ أي وضعه وجعل جبينه على الأرض لكي لا يراه وهو يذبح؛ ففداه الله -تعالى- بما يسّره، قال -عزّ وجلّ-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).
يتلخّص مما سبق أن الله رزق إبراهيم -عليه السلام- وزوجته ابنهم إسماعيل بعد وقت طويل، وفي يوم من الأيام رأى إبراهيم أنّه يذبح ابنه، ورؤية الأنبياء حق، فاستجاب هو وإسماعيل لأمر الله، وبعد ذلك نزل الفداء من الله، فافتدى إسماعيل بكبشٍ عظيم.
أجمل القصص المتعلقة بالسيرة النبوية في القرآن
تبرئة السيّدة عائشة في حادثة الإفك
حاول المنافقون إيقاع الخلل والاضطراب في المجتمع الإسلامي من خلال الطعن في عرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل بيته الأطهار بالافتراء على زوجته عائشة -رضي الله عنها- بما يعرف في كتب السيرة بحادثة الإفك، وملخص القصة أنَّ عدداً من المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، ومعه مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحَمنة بنت جحش، اتّهموا السيدة عائشة بالإفك.
وفعلوا ذلك لأنّها عادت من غزوة بني المصطلق إلى المدينة المنورة على بعير الصحابيّ صفوان بن المعطل -رضي الله عنه-، وكانوا قد نزلوا في مكانٍ ليستريحوا به، وقد أضاعت -رضي الله عنها- عقدها وعادت لتبحث عنه، وقد حمل الرجال هودجها ظانّين أنّها فيه وانطلقوا، وعندما عادت لم تجد أحداً، وجلست تنتظر عودتهم عندما يكتشفوا غيابها؛ فمرّ بها صفوان -رضي الله عنه- وأوصلها إلى المدينة.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتأذى مما يطلق من إشاعات لدرجة كبيرة، مع أنّه أعلن في المسجد ثقته الكبيرة بزوجته عائشة -رضي الله عنها- وبالصحابي صفوان بن المعطل -رضي الله عنه-، حتى أن السيدة عائشة ـرضي الله عنها- مرضت من تأثّرها بتلك الإشاعات الكاذبة، وطلبت من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن تُمَّرَّض في بيت والدها.
وقد توقّف الوحي في تلك الفترة شهراً كاملاً، وكان ذلك صعباً على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، عانى خلاله كثيراً من طعن المنافقين في عِرضه وإيذائه في زوجته؛ فنزل الوحي من الله -تعالى- موضّحاً ومبرئاً السيدة عائشة ـرضي الله عنهاـ في آيات طويله من سورة النور، ومنها قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
يتلخّص مما سبق أن السيدة عائشة -رضي الله عنه- لما عادت من غزوة بني المصطلق على بعير الصحابي الجليل صفوان، حيث تأخرت عن باقي القوم لبحثها عن عقدها الذي وقع، فاتّهمها عدد من المنافقين بالإفك، وكان ذلك شديدا عليها وعلى رسول الله، إلى أن أنزل الله آيات تُبرّئها في القرآن الكريم.
الصحابة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك
استنفر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين للجهاد في غزوة تبوك، وقد أصبح الجهاد فرض عين في وقتها لا يسقط إلّا عمّن كان له عذر شديد، وقد يتخلف عن ذلك أهل النفاق أيضاً، لكنّ الذي حدث في غزوة تبوك تَخَّلَّف ثلاثة من الصحابة عن الجهاد من غير عذرٍ شرعي ولا نفاق، وكانوا كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال ابن أبي أمية.
وعندما سألهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سبب تخلّفهم؛ فلم يكذبوا وصدقوا الله -تعالى- ورسوله -عليه السلام-، واعترفوا أنّه لم يكن لهم عذرٌ شرعيّ في عدم الذهاب للمعركة، ولم يختلقوا الأكاذيب والخدع مثل ما فعل غيرهم؛ فقد كان هناك بضع وثمانون ممن تخلفوا عن المعركة، وقَبِلَ منهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظواهرهم واستغفر لهم.
لكنَّ هؤلاء الثلاثة اختاروا الصدق، فنهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناس عن محادثتهم؛ فجلسوا في بيوتهم إلّا كعب فقد كان يصلي في المسجد، ويطوف بالسوق لكن لا يكلّمه أحد ولا حتّى أقاربه، وبقوا على هذا الحال أربعين يوماً، ثم أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- نسائهم باعتزالهم أيضاً.
فلمّا مضت خمسون ليلة أذن الله -تعالى- بالفرج وجاءت التوبة من عنده، بالرغم من فظاعة ذنبهم إلّا أنّ صدقهم نجَّاهم، ونزل قوله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ * يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ).
يتلخّص مما سبق أن الصحابة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك بلا عذر هم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، وهلال ابن أبي أمية، وقد صدقوا وقالوا لرسول الله إنّهم تخلّفوا عنها بلا عذر، وحزنوا لذلك، وبعد مدّة أنزل الله -تعالى- في آية في شأنهم، وتاب عليهم.
أجمل القصص المتعلقة بالحوادث الغابرة في القرآن
قصّة قارون
قارون هو واحد من الأقوام التي بعث إليها موسى -عليه السلام-، وقد كان قارون عاصياً لله -تعالى- جاحداً له، كما وكان متكبّراً على غيره ومغروراً بنفسه بسبب ما أنعم الله -تعالى- به عليه من الكنوز والأموال المدّخرة؛ التي كان يعجز المجموعة من الرجال عن حمل مفاتيح خزناتها أو صناديقها، وقد نصحه قومه بألّا يفرح بزخارف الدنيا فرحاً يشغله عن شكر الله -تعالى- على ذلك، كما ونصحوه بألّا يرضى بالدنيا ويخلد إليها ويترك الآخرة.
قد ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)، وقد نصحه قومه بعدة أمور أيضاً؛ كالتواضع، وصرف أمواله في السبل التي تؤدّي به إلى الجنّة، وأن يكون سخيّاً ويتمتّع بالمال قبل أن يتركه، وربما كانت هذه النصيحة بسبب انشغال قارون بجمع المال عن التمتّع به، أو بهدف التوضيح لقارون بأنّ الأمر بصرف الأموال للآخرة لا يعني المنع من التمتّع بها في الأمور المباحة في الدنيا.
وقد نصحه قومه بالإحسان للناس بماله وجاهه، وحُسن لقائهم، وطلاقة الوجه أمامهم، لأنّه إذا حقق هذا النوع من الشكر سيزيده الله -تعالى- من فضله، وألّا يتعمد الفساد في الأرض بظلمٍ أو بغي، وقد ذكر الله -تعالى- ذلك في قوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
لكنَّ قارون بيّن لقومه أنَّ الله -تعالى- ما أعطاه هذا المال إلّا لعلمه بأنّه يستحق ذلك، ولأنّه يحبّه فيكرمه، وهذا القول غير صحيح لأنّه ليس شرطاً أنّ كل من أعطاه الله -تعالى- مالاً يعني أنه يحبّه؛ بدليل رد الله -تعالى- في نفس الآية على ذلك بقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)؛ أي أنّ الله -تعالى- أهلك أناساً كانوا أكثر جمعاً للمال من قارون، بسبب كفرهم وعدم شكرهم، وأنّه لا يسألهم عن ذنوبهم بسبب كثرتها.
وبعد كل نصائح قوم قارون له إلّا أنَّه لم يتّعظ وقد لَبِسَ أجمل ثيابه، ورَكِبَ أجمل مراكبه، وخرج على قومه ومعه خدمه وحشمه؛ فغبطه وحسده من قومه من كان منهم يُحب الحياة الدنيا، وقد تمنّوا أن يكونوا مكانه، أمّا العلماء والزُهّاد فلم يطمعوا بما عنده، وعلموا أنّ ثواب الله -تعالى- في الآخرة هو أفضل، وأجل، وأعلى، وأبقى مما عنده، وكان عقابه من الله -تعالى- بأن خسف -عزّ وجلّ- به وبداره وماله الأرض، ولم يستطع أن يحمي نفسه من هذا الخسف، ولم يستطع أحد أن ينقذه، وقد عرف الذين تمنَّوا في الماضي القريب أن يكونوا مكانه الحقّ، وحمدوا الله -تعالى- أنهم لم يكونوا مكانه.
يتلخّص مما سبق أن قارون كان من قوم موسى -عليه السلام-، وقد كان قارون يملك الكثير من الكنوز والأموال، وكانت ذلك سبباً لتكبّره ومباهاته فيها أمام الناس، وكان لا يشكر الله بل ينسب كل ذلك إلى نفسه، إلى أن خسف الله به الأرض، وجعله عبرة للناس.
قصة ذي القرنين
قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنّ ذي القرنين كان ملكًا عادلاً، وبيّن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه كان عبداً صالحاً، وقد بيّن ابن كثير أنّ ذي القرنين كان ملكاً من الملوك، ولم يكن نبيّاً، وقد اختلف العلماء في سبب تسميته بذي القرنين؛ فقال وهب بن منبه: سمّي بذلك لوجود قرنين له في رأسه مصنوعات من نحاس، وقال الزهريّ: لأنّ ملكه اتسع يميناً وشمالاً، وشرقاً وغرباً فسمّي بذي القرنين، وقال بذلك ابن كثير، قال -تعالى-: (وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا * إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا)، فقد وفَّر الله -تعالى- له كلّ أسباب التمكين التي يعطيها للملوك عادةً، مما جعله يملك مشارق الأرض ومغاربها، وذلك لحسن استغلاله لهذه الإمكانيّات في سبيل نشر دعوة الله -تعالى-.
وقد ارتحل ذي القرنين إلى المشرق والمغرب، وقد بلغ في رحلته نهاية اليابسة التي بعدها المحيط من جهة الغرب، ورأى الشمس وهي تغرب في الماء؛ وذلك فيما يراه الإنسان عند نظره بعينه المجردة إلى الشمس وهي تغيب عند البحر؛ فسيراها وكأنّها تغيب في الماء، وفي ذلك المكان وجد قوماً جاحدين لله -تعالى- ودعاهم للإيمان بدلاً من قتلهم جميعاً، وقرر قتل من لا يؤمن ويتمرّد، وبيّن أنّه سيُعَّذب في نار جهنّم في الآخرة، وترك من يؤمن منهم على قيد الحياة لينال الجنّة في الآخرة، وتابع رحلته حول العالم حتّى وصل إلى مطلع الشمس فوجد عندها قوماً متخلّفين جداً، ليس عندهم أيّ تمدن، ولا يعرفون البيوت أو الملابس.
وقد سلك في رحلته طريقاً ثالثاً بين المشرق والمغرب، حتى وصل إلى جبلين عظيمين، ووجد هناك قوماً مجهولين، لغتهم غريبة، عندهم قلة فطنة، وقلة حيلة، وقد اشتكوا إليه حالهم، بأنَّ يأجوج ومأجوج يخرجون من فتحة موجودة بين الجبلين على هذه البلاد فيعيثون فيها فساداً، يُهلكون الحرث والنسل؛ فطلبوا بأدب من ذي القرنين أن يَسُد لهم هذه الفرجة مقابل أجرة يأخذها؛ فبنى لهم سدّاً حبس ومنع يأجوج ومأجوج من الخروج إليهم والإفساد في الأرض، ورفض أن يأخذ أجرةً على ذلك، واكتفى بما آتاه الله -تعالى- من أسباب القوة.
وقد جعل ذي القرنين النّاس يساعدونه في بناء السدّ ليحوّلهم إلى أناس منتجين عاملين، ووضع لهم خطّة لذلك؛ فأمرهم بجمع قطع الحديد ووضعها في السدّ، ثم صهرها من خلال النفخ في النار عليها، ومن ثمَّ تغليفها بالنحاس، ليتكون أعظم سدّ؛ ليصعب على قوم يأجوج ومأجوج إزالته، وهم يحاولون ذلك كلّ يوم، ولن يتحقق لهم ذلك إلّا عندما يأذن به الله -تعالى-؛ كعلامة من علامات يوم القيامة.
يتلخّص مما سبق أن ذا القرنين كان ملكاً عاجلاً وصالحاً، سافر في بقاع الأرض، فدعا الناس إلى عبادة الله؛ ومن كفر وتمرّد قرّر قتله، ثم انتقل لمكانٍ آخر، فوجد الناس تستنجد به من خروج يأجوج ومأجوج وما ينشرونه من الفساد، فأقام سدّاً عظيماً عليهم يمنعهم من الخروج.
أجمل قصص الحيوانات في القرآن
قصّة هدهد سليمان
كان نبي الله سليمان -عليه السلام- ملكاً، وفي إحدى المرّات في أسفاره كان سليمان -عليه السلام- في أرضٍ قاحلة وسأل عن الهدهد ربما كنوع من تفقد أحوال الرعية، أو أنّه تفقّده ليدلّه على موارد المياه؛ لأنّ في الهدهد مزيّة خاصّة بمعرفة أماكن المياه حتى لو كانت في أعماق الأرض، ولم يجد سليمان -عليه السلام- الهدهد وقال: إنّه سيعذبه، إلّا إذا كان سبب غيابه مقبولاً.
وعندما جاء الهدهد بَيَّن سبب غيابه، وأنّه جاء من سبأ وهي منطقة في اليمن، بخبر لم يعرفه سليمان -عليه السلام- وجنوده، وهو أنّ هذه المملكة تترأسها ملكة إمرأة وليس رجلاً، وأن هذه المملكة تمتلك كل متاع الدنيا من مال، وجواهر، وحصون، وجنود، واسلحة، كما وأخبر الهدهد أنّ عرش هذه الملكة كبيرٌ ومزيّن بالجواهر، واللآلئ، والذهب، كما وبيّن أنّهم قومٌ يجحدون الله -تعالى-، ويسجدون للشمس وللكواكب من دون الله، وأخبر أنّ الشيطان قد وقف في طريقهم للوصول إلى الحق.
وقرر سليمان -عليه السلام- أن يتأكّد من هذه الأخبار التي أتى بها الهدهد، وأعطاه رسالة يوصلها إلى ملكة سبأ، وحملها وأوصلها إلى قصر الملكة بلقيس، وعندما رأت الملكة ما في الرسالة من بلاغة، واختصار، وحكمة؛ جمعت القادة والمستشارين وكلّ أركان مملكتها حتى تشاورهم في الأمر، وكل ذلك مذكور في قوله -تعالى-: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ* وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ).
يتلخّص مما سبق أن سليمان -عليه السلام- كان ملكاً، وذات يوم سأل عن الهدهد فلم يجده، فتوعّده بالعذاب إن غاب بلا عذر، فرجع الهدهد وقد كان غيابه لعذر، حيث أخبره عن ملكة سبأ وقومها، وأنّهم لا يعبدون الله ويسجدون للشمس، فأرسل سليمان -عليه السلام- برسالة بليغة إلى ملكة سبأ، فشاورت قومها وأتت للنبيّ سليمان وآمنت، وقد ذُكرت قصة الهدهد في القرآن الكريم.
قصة ناقة صالح
أرسل الله -تعالى- نبيّه صالحاً -عليه السلام- إلى قبيلة ثمود؛ ليدعوهم إلى عبادته، وطلب قومه منه آيةً تدلّ على صدقه، وذلك بأن يُخرج لهم ناقة عُشَراء، من صخرة صمّاء؛ فقد عيّنوها بأنفسهم؛ فاستجاب لهم صالح -عليه السلام- بشرط أن يؤمنوا به؛ فدعا ربه فأعطاهم ما سألوا، وولدت الناقة، وكان للقوم بئر ماء يشربون منه، وعيّن صالح -عليه السلام- للناقة وابنها يوماً يشربان من ماء البئر، وللقوم يوم.
وفي اليوم الذي تشرب فيه الناقة كانوا يحلبونها ويملؤون أوانيهم وأوعيتهم من حليبها، ولكنّهم طمعوا في أن يستفردوا بماء البئر في كلّ يوم، وبسبب تكذيبهم لصالح -عليه السلام- وبالرغم من تحذيره لهم من قتل ناقة الله -تعالى-، إلّا أنهم قتلوها، فغضب الله -تعالى- عليهم، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، ومن ذلك قوله -تعالى-: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا* إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا* فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ نَاقَةَ اللَّـهِ وَسُقْيَاهَا* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا).
يتلخّص مما سبق أن ناقة نبيّ الله صالح كانت معجزة بيّنة لقومه، وأمرهم نبيّ الله صالح أن يجعلوا يوماً يشربون به من البئر، وفي اليوم التالي يخصّصون البئر للناقة، حتى يستفيدوا من لبنها في اليوم الذي تشرب فيه، لكنّهم خالفوا أمر النبي وقتلوها، فأهلكهم الله.
أنواع القصص القرآني
اشتمل القرآن الكريم على عدة أنواع من القصص القرآنية منها ما يأتي:
قصص الأنبياء وأقوامهم
ذكر الله -سبحانه وتعالى- خمسة وعشرين نبياً في كتابه الكريم، منهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وآدم، وهود، وصالح، وشعيب، وادريس، وذو الكفل، وذَكَرَ الثمانية عشر الآخرون في قوله -تعالى-: (وَتِلكَ حُجَّتُنا آتَيناها إِبراهيمَ عَلى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ*وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ*وَزَكَرِيّا وَيَحيى وَعيسى وَإِلياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ*وَإِسماعيلَ وَاليَسَعَ وَيونُسَ وَلوطًا وَكُلًّا فَضَّلنا عَلَى العالَمينَ).
وأربعة من هؤلاء الأنبياء هم من أصول عربية؛ كمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وشعيب، وهود، وصالح -عليهم السلام-، وقد تضمّن القرآن الكريم قصص الأنبياء ومعجزاتهم، وتطوّر دعوتهم ومراحلها، وموقف المخالفين لهم، ومصيرهم ومصير المؤمنين بهم، ومن هذه القصص قصص أولي العزم من الرسل وغيرهم.
قصص تتعلق بالحوادث التي وقعت للرسول
وقعت عدد من الحوادث للنبي -عليه السلام-؛ كحادثة الإفك، والهجرة النبويّة، وحادثة الإسراء والمعراج، وذكر الغزوات المختلفة كبدر، وأحد، والخندق، وتبوك.
قصص قرآنية تتعلق بأحداث قديمة وأشخاص غير الأنبياء
وردت عدد من القصص في القرآن؛ كقصة مريم، وأهل الكهف، وذي القرنين، وحب المال في قصة قارون، وأصحاب السبت، وأصحاب الأخدود، وأصحاب الفيل، وطالوت وجالوت، وابنيّ آدم، وقصّة الذين أُخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.
قصص الحيوانات
ذُكرت مجموعة من الحيوانات في القرآن الكريم على طبيعتها؛ كالنَّملة، والهدهد، ودابّة الأرض في قصص نبيّ الله سليمان -عليه السلام-، والحوت في قصّة نبيّ الله يونس -عليه السلام-، والذئب في قصّة نبيّ الله يوسف -عليه السلام-، وغيرها كبقرة بني إسرائيل، وحمار عزير، وفيل أبرهة، وغراب ابنيّ آدم، وكلب أهل الكهف.
وبعضها ذُكرت على غير طبيعتها وإنّما كانت آية من آيات الله -تعالى-؛ كعصا موسى -عليه السلام- التي تحوّلت إلى أفعى، وطير عيسى -عليه السلام- الذي صنع منه على هيئة الطير، ونفخ فيه فأصبح طيراً بإذن الله -تعالى-، ومن ذلك أيضاً الطير الأبابيل التي أرسلها الله -تعالى- على أبرهة وقومه.
يتلخّص مما سبق أن القصص متعدّدة الأقسام في القرآن الكريم، فقد اشتمل القرآن على قصص الأنبياء، وأقوامهم، والأقوام السابقة، وأشخاص غير الأنبياء، بالإضافة إلى عدة أحداث وقعت في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقصص الحيوانات.