أين سكن قوم عاد
نبي الله هود
جرت العادة أن يبعث الله -تعالى- حيناً بعد حين نبيّاً إلى البشر، يهديهم سبيل ربهم، ويذكّرهم بالتوحيد الذي كان عليه من قبلهم، فبعد نجاة نوح -عليه السلام- ومن آمن معه في الفلك، مكث الناس موحدين لله -سبحانه- فترةً من الزمن، ثمّ حين ظهر فيهم الفساد والشرك أرسل الله -تعالى- نبيه هود عليه السلام، ليُعيد الناس إلى التوحيد ، وقد ورد أنّ نبي الله هود -عليه السلام- أصله عربيّ، واسمه هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوص بن إرم بن سام بن نوح، وورد عنه غير ذلك، ولقد ذُكر هود -عليه السلام- في القرآن الكريم سبع مرّاتٍ، في سورٍ مختلفةٍ لخّصت قصة دعوته في قومه، قال الله تعالى: (وإلى عادٍ أخاهُم هُودًا قالَ يا قومِ اعبُدوا اللهَ ما لكُم مِنْ إلهٍ غيرهُ أفلا تتَّقون)، فكان قد حمل مسؤولية الدعوة على عاتقه بحقّها، فأكثر من المحاولات والأساليب لدعوة قومه، وصبر على كفرهم حتى أذن الله بإهلاكهم، وأمّا في موقع قبر هود -عليه السلام- فاختلف في ذلك، فقيل إنّه في حضرموت باليمن، وقيل في دمشق في الشام، وقيل في مكة، وقيل غير ذلك.
سكن قوم عاد
جاء ذكر مساكن قوم عاد في القرآن الكريم، بقول الله تعالى: (واذكر أخا عادٍ إذ أنذَرَ قومهُ بالأحقافِ وقدْ خَلتِ النُّذُرُ مِن بينِ يديهِ ومن خلفهِ ألا تعبُدوا إلا اللهَ إنِّي أخافُ عليكم عذابَ يومٍ عظيمٍ)، وقوم عاد هم من القبائل العربية التي سكنت اليمن، وفي الأخصّ في أرض الأحقاف، والأحقاف تحديداً هي الرمل فيما بين عُمان وحضرموت من أرض اليمن، بأرضٍ يقال لها الشحر، ولقد ورد أنّ قوم عاد كانوا ثلاثة عشرة قبيلةً، قد آتاهم الله مدداً، وقوة عظيمةً في البدن والخِلقة، وبسط لهم في عظامهم وأجسامهم، حتى قيل إنّ أطولهم كان طوله مئة ذراعٍ، وأقصرهم بلغ ستين ذراعاً، وبسبب تلك الخلقة العظيمة والقوة الباهرة فقد تميّزوا بالعمران الضخمة المتينة، والقصور الشامخة العالية، قال الله -تعالى- في وصف قوتهم وعمرانهم: (واذكروا إذ جَعَلَكُم خُلفاء من بعدِ قومِ نوحٍ وزادكُم في الخَلقِ بسطةً)، وقال أيضاً: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، لكنّ قوم عاد مع جزيل عطاء الله -تعالى- لهم طغوا وبغوا في البلاد، وأشركوا بالله سبحانه، ولم يمتثلوا لأمر نبيهم هود عليه السلام، وبقوا على ذلك حتى نزل فيهم العقاب من الله سبحانه.
دعوة هود لقومه
جاء هود -عليه السلام- قومه يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة ، وقد كان هودٌ -عليه السلام- أحسنهم خلقاً، وأوسطهم نسباً، وأفضلهم موضعاً، فأتاهم داعياً لهم، مبيّناً أن عبادة الأصنام لا تنفع صاحبها، ولا تقيه عذاب الله تعالى، وذكّرهم بفضل الله عليهم، إذ كانوا من أوفر الناس ماءً، وأجملهم بساتيناً، وأحصنهم عمراناً وأشمخهم قلاعاً وحصوناً، وجعل يدعوهم إلى شكر تلك النعم، وذكّرهم بسوء عاقبة قوم نوح عليه السلام، عندما كفروا النعمة، وأشركوا بالله تعالى، حيث قال الله -تعالى- على لسان هود عليه السلام: (واذكُروا إذ جعلكُم خُلفاءَ من بعدِ قومِ نوحٍ وزادكُم في الخلقِ بصطةً فاذكروا ءالاءَ اللهِ لعلَّكم تُفلحونَ)، لكنّ القوم كفروا وتولّوا، وسخروا من نبيهم، حتى وصفوه بالسفيه الكذّاب، وكان هذا من سوء أدبهم مع الله -تعالى- ونبيه، فهم يعرفون أنّ نبيّهم من أشرفهم نسباً، وأفضلهم خلُقاً، إلّا أنّهم تمادوا في الاستهزاء به، وتقديم الإهانات له.
لكنّ نبيّ الله هود -عليه السلام- صبر على ما لَحِق به من أذىً منهم، ولم يقابل الإساءة بالإساءة، وتلك من صفات الأنبياء عليهم السلام، فقال لهم هود :(يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ومن ثمّ عاود الكرة عليهم بالتذكير والتوجيه، حيث قال الله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ)، أي أعجبتم أنّي بشرُ مخلوقُ مثلكم، وأنزل الله -تعالى- عليّ الرسالة لأبلّغكم بها، فإنّ هذا ليس أمراً عجيباً منكراً، لكنّ الكافر قد غطّى بصيرته، فأنكر وتعجّب ممّا ليس فيه عجب، ومع ذلك فقد أصرّ قومه على الكفر والتكذيب، والجدال في رسالة نبيهم، حتى قالوا له كما في قول الله تعالى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، فحين جاء طلب القوم بإنزال العذاب بهم حتى يستيقنوا أنّه رسولٌ إليهم، كانوا قد غطّوا بكفرهم أي وسيلةٍ للفهم وإدراك أنّ الله الخالق واحدٌ أحدٌ، فاستحقّوا بذلك نزول العذاب عليهم وإهلاكهم، فردّ عليهم نبيهم: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنتَظِرِينَ).
نزول العذاب في قوم عاد
بعدما طال كفر وتكذيب قوم عادٍ لنبيهم هود عليه السلام، شاء الله -تعالى- أن ينزل فيهم عذابه وبأسه، فحبس عنهم المطر فترةً طويلةً، حتى عطش القوم، وأجدبت الأرض، وماتت الزروع والثمار، وطال فيهم هذا الحال ونبيّهم هود يذكّرهم بضرورة العودة والتوبة إلى الله تعالى، علّه ينزل عليهم رحماته ، لكنّهم أصروا على عنادهم، وبعد مرور فترةٍ وهم على هذا الحال، وحتى استيأسوا من الفرج والغيث، أرسل الله -تعالى- نحو مقامهم سحباً سوداء، تُوحي بأنّ المطر قريب، وأنّ الفرج قادم، فتجمّع القوم ينتظرون نزول الغيث، فإذا به مطر العذاب والهلاك ينزل عليهم، حيث أرسل الله -تعالى- مع المطر ريحاً شديدةً دمّرت كلّ شيءٍ مرّت عليه، من حصونٍ وقلاعٍ وقصورٍ شامخاتٍ، وطال مكوثها في عاد حتى بلغت سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ، وهي تضرب بالقوم ضرباً شديداً، فأهلكتهم عن بكرة أبيهم، وقد كانت الريح بسبب شدّتها تحمل الشخص فترفعه في السماء، ثمّ تُنزله أرضاً منكّساً على رأسه، فيكون جثةً هامدةً بلا رأس، قال الله تعالى: (وأمَّا عادٌ فأُهلِكوا بريحٍ صَرصَرٍ عاتيةٍ*سَخَّرَها عليهم سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيَّامٍ حُسُومًا فترى القومَ فيها صرعى كأنَّهُم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ*فهل ترى لهُم من باقيةٍ).