أين جبل الجودي
أين يقع جبل الجودي؟
يدعى جبل الجودي "Mount Judi" بمعنى "المرتفعات"، كما قد يُطلق عليه اسم جبل القاردو "Qardu"، ويعتبر من أشهر الجبال التي ورد ذكرها في التاريخ القديم، ويقع في جنوب شرق تركيا، بالقرب من منابع نهر دجلة، وتحديداً في المحافظة التركيّة شرناق، وهو قريب من حدود الجمهوريّة العراقيّة وأيضاً حدود الجمهوريّة العربيّة السّوريّة، كما يحيط الجبل المناظر الطبيعية شبه القاحلة وقليلة السكان، ويحمل هذا الجبل قيمة دينية وتاريخية كبيرة؛ لكونه المكان الذي رست فيه سفينة النبي نوح -عليه السلام- بعد الطوفان العظيم، حيث اجتمعت على ذلك كل من الرواية القرآنية والتقاليد السريانية، والأرمنية، وبعض روايات الكتاب المقدس مع وجود بعض الاختلافات البسيطة، كما اختلفت الرواية القرآنية مع سفر التكوين في مصير السفينة الأخير، إذ وفقًا للسفر، فإن الموقع الصحيح هو جبل أرارات، أما في القرآن، فهو جبل جودي.
مكانة جبل الجودي الدينية والتاريخية
لقد ذُكر هذا الجبل في القرآن الكريم، في سورة هود، من الآية الكريمة (44)، حيث رست سفينة نوح -عليه السلام- عليه وذلك بعد الطوفان الذي أرسله الله ليغرق القوم جميعهم إلاّ من نجا في السفينة: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، إلاَّ أنّه لم يتم تحديد مكان هذا الجبل.
لقد تمّ ذكر هذا الجبل من قبل علماء ومؤرّخين مسلمين عديدين، إلاّ أنّ المؤرخ المسلم الحسن بن أحمد الهمداني، قد ذكره في كتابه وبيّن أهميّته لكونه قد ذكر في القرآن الكريم، حيث قال واصفاً إيّاه بأنّه إحدى البقع الخالدة والمميزّة، وتحدّث عن مروره به عندما كان قاصداً بغداد حيث جاءه من مدينة تكرير، وأخبرنا بأنّه كان يسكن إلى الجهة الخلفية منه الأكراد، وأيضاً الأرمن.
كما قام الجغرافي العربي ابن خرداذبة في تحديد موقع جبل الجودي في قوله بأنه يقع في أرض الأكراد، وسجل المؤرخ العباسي المسعودي بأن السفينة بدأت رحلتها من الكوفة وسط العراق، وأبحرت إلى مكة، قبل أن تسافر أخيرًا إلى جودي، بالإضافة إلى تحديد ياقوت الحموي موقع الجبل عند جزيرة ابن عمر شرق نهر الدجلة، وذكر المسجد المتواجد في ذلك الوقت والذي تم بناؤه من قبل نوح، كما عبر الرحالة الشهير ابن بطوطة بالجبل في القرن الرابع عشر.
كما تمت الإشارة إلى المكانة المسيحية للجبل من قِبل المستشرق جورج ساليه، إذ ذكر وجود دير مسيحي شهير على الجبل سابقًا، إلا أنه قد تعرّض للتدمير في عام 776م، كما تم اكتشاف آثار مدينة "ثمانين" جنوب الجبل، ويقع قرب مدينة "نصيبين" كذلك.
لقد كرّم الله جبل الجودي، هو واثنان آخرين معه، هم: جبل حراء، وطور سيناء، حيث اعتبر جبل جودي واحداً من الجبال الموجودة في الجنّة، وهذا ما يجعله يعدّ منطقة مهمّة، وخاصّة للسائح المسلم، فهو يشكّل مزاراً ومعلماً دينيّاً مهمّاً، ومن هنا فإنّ السياحة تنشط في هذا الجبل، وفي أغلبها تكون سياحةً دينيّة لرؤية بقايا السفينة.
سفينة نوح
إنّ بعض العلماء أكّدوا في عصرنا الحديث على عثورهم على بقايا لسفينة النبي نوح، الأمر الذي جعل الكثير من الناس من مختلف أمصار الأرض ومختلف طوائفها أن يهرعوا لهذا الجبل ليتبيّنوا من وجود آثارٍ لهذه السفينة، حيث تمّ تأكيدها من قِبل العلماء، وخاصّة بأنّها تحمل الصفات نفسها والمطابقة لما ذكر في القرآن، إذ لاحظ عالم الجيولوجيا الألماني دكتور "فريدريش بندر" اكتشافًا قد يكون إثباتًا على كون جبل جودي هو الجبل الذي انجرفت إليه السفينة، إذ اكتشف بندر قطعًا من الخشب، والأسفلت على قمة الجبل، والتي كانت على عمق متر واحد تقريبًا، وظهرت نتائج التأريخ الكربوني لهذه القطع الأثرية بأنها تعود إلى 6500 عام، فزادت هذه النتيجة شهرة هذا الجبل وارتباطه بالسفينة.
كما قد تمّ تحديد طولها من قِبل العلماء بألفي ومئتي ذراعٍ، وأمّا عرضها فهو ستمائة ذراعٍ، وأنّها مقسّمة على طبقات ثلاث، جزءاً للبشر الذين آمنوا بالله مع نوح، وجزءاً هو زوجان من جميع أنواع الدواب والوحوش، وجزءاً هو زوجان من جميع أنواع الطيور.