أول صلاة فرضت على رسول
الظّهر أول صلاةٍ فُرضت على الرسول
أوّل صلاةٍ صلّاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي صلاة الظهر ، وذلك بعدما فُرِضَت الصلوات الخمس بأوقاتها المعروفة في ليلة الإسراء، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنة، والصلوات الخمس المفروضة هي: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ولها مكانة وأهمية عظيمة في الإسلام، لا سيما أنَّها آخر ما وصّى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند وفاته، فقال: (الصَّلاةَ وما ملَكت أيمانُكُم)، وهي آخر ما يُنْقَض من الإسلام، وإن ضاعت فسيضيع الدين كاملاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لتُنْقَضَنَّ عُرَى الإسلامِ عروةً عروةً، فكلَّما انتقضتْ عروةٌ، تشبث الناسُ بالتي تليها، فأوَّلُهُنَّ نقضًا الحكمُ، وأخِرُهُنَّ الصلاةُ)، وهي العبادة الوحيدة التي تظلّ مرافقة للمسلم طوال حياته، ولا تسقط عنه بأيّ حالٍ من الأحوال.
وقد دلّ على أن صلاة الظهر هي أول صلاة صلّاها النبي العديد من النصوص الشرعية والآثار، ومن ذلك:
- السنة النبوية: رفع الله سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في ليلة ليلة الإسراء والمعراج في مكانٍ عليٍّ، وفَرَض عليه الصلاة ، وعلَّمه أعدادها وصفاتها التي ذكرها -صلى الله عليه وسلم- في حديثٍ طويل يُثبِت أنَّ أول صلاة صلّاها هي صلاة الظهر، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أَمَّني جبريلُ عندَ البيتِ، فصلَّى بيَ الظهرَ حين زالتِ الشمسُ فكانت بقدرِ الشِّراكِ، ثم صلَّى بيَ العصرَ حينَ كان ظلُّ كلِّ شيٍء مثلَيْه، ثم صلَّى بيَ المغربَ حينَ أفطرَ الصائمُ، ثم صلَّى بيَ العشاءَ حينَ غابَ الشفقُ، ثم صلَّى بيَ الفجرَ حينَ حَرُمَ الطعامُ والشَّرابُ على الصائمِ، ثم صلَّى الغَدَ الظهرَ حينَ كان ظِلُّ كلِّ شيٍء مثلَهُ، ثم صلَّى بيَ العصرَ حينَ صارَ ظِلُّ كلِّ شيءٍ مثلَيْهِ، ثم صلَّى بيَ المغربَ حينَ أفطرَ الصائمُ، ثم صلَّى بيَ العشاءَ إلى ثُلثِ الليلِ الأولِ، ثم صلَّى بيَ الفجرَ فَأَسْفَرَ، ثم التفتَ إليَّ فقال: يا محمدُ هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ الوقتُ فيما بيْنَ هذينِ الوقتينِ).
- الآثار: جاء في مُصنّف عبد الرزاق ما نصّه: "أول صلاة صلّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر، فأتاه جبريل، فقال: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ* وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)"، ثمّ وقف النبيّ خلف جبريل -عليه السلام-، وكان الناس خلف رسول الله، فصلّى بهم الظهر والعصر أربعاً في وقتها، ثم لما غابت الشمس صلّى بهم المغرب ثلاثاً، فلمّا غاب الشفق صلى بهم العشاء أربعاً، وعندما جاء وقت الفجر صلّى بهم ركعتي الفجر.
سبب تسمية صلاة الظهر
روى الطبراني في الأوسط أنّ أولُ صلاةٍ فُرِضَت على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- هي صلاةُ الظهر، وقد ثبت ذلك عن كثيرٍ من الصحابة والتابعين كذلك، ويمكن أن يشهد له ما ثبت في البخاري عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: (كانَ يُصَلِّي الهَجِيرَ -الَّتي تَدْعُونَها الأُولَى- حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ)، ولذلك سُمّيت صلاة الظهر بالأولى؛ لأنَّها أول صلاةٍ صلّاها جبريل -عليه السلام- بالرسول -صلى الله عليه وسلم- عند البيت الحرام بعد فرض الصلواتِ الخمس ليلة الإسراء والمعراج، وقال ابن حجر لأنَّها أول صلاة النّهار، أمَّا سبب تسميتها بالظُّهر: فذلك لأنَّها أوّل صلاةٍ ظهرت في الإسلام، وقد سُمّيت أيضاً بالهجير؛ لأنَّها تُصلى بالهاجرة.
فرضيّة الصّلوات الخمس
أجمعت الأمة الاسلامية على أنَّ الله -تعالى- أوجب على المُكلّف خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة، قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)، وقال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيلِ)، وقد جمعت هذه الآية فرضية الصلوات الخمس، لأنَّ النّهار ينقسم إلى قسمين هما: الغداة؛ ويمتد من أول النهار إلى وقت الزّوال، وما بعده العشيّ، وتؤدّى صلاة الفجر في أحد طرفي النهار، وتؤدّى صلاتا الظهر والعصر في الطرف الآخر، أمَّا صلاتا المغرب والعشاء ؛ فتؤدّيان في زُلَفٍ من الليل وهي ساعاته، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).
ولم يُذكر خلافٌ في كونها خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا خلاف في وجوبها كذلك، ولا يجب غيرها إلا بنذر، بخلاف الحنفية الذين أوجبوا صلاة الوتر، ودلّ على أنَّها خمس صلوات حديث الأعرابي الذي جاء يسأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام، فقال له: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَّوَّعَ)، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- عندما أرسله إلى اليمن: (أخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ)، وقد وردت عدة أقوالٍ في تحديد الوقت الذي فُرضَت فيه الصلاة على النحو الآتي:
- القول الأول: اشتهر عند أهل السِّيَّر أن الصلاة قد فُرِضَت في ليلة الإسراء قبل الهجرة بخمس سنين، وقد استدلّوا على قولهم بما ثبت من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: (فُرِضَتْ عَلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ليلةَ أُسرِيَ بِه الصَّلواتُ خَمسينَ، ثُمَّ نَقصَتْ حتَّى جُعِلَتْ خَمسًا، ثُمَّ نودِيَ: يا محمَّدُ: إنَّهُ لا يُبَدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لَكَ بِهذِهِ الخمسِ خَمسينَ).
- القول الثاني: ذهب بعض الحنفيّة إلى أنَّ الصلاة قد فُرِضَّت في ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، وكان ذلك في يوم السبت السابع عشر من رمضان .
- القول الثالث: قال أهل الأمصار وجزم ابن حجر بأنَّ الصلاة قد فُرِضَّت في ليلة السابع والعشرين من رجب.
وقد فُرضت الصلاة على كلِّ مٌسلمٍ مُكلّفٍ بالغٍ عاقلٍ، ويُستحبّ أن يُؤمر بها الأطفال في سن السابعة؛ حتى يبلغوا العاشرة ليتعودّوا عليها ويألفوها ويحبّوها، والضرب الوارد عليها في سن العاشرة هو ضربٌ غيرُ مبرحٍ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مُروا أبناءَكُم بالصَّلاةِ لسَبعِ سنينَ، واضرِبوهم عليهَا لعَشرِ سِنينَ)، وتُعتبر الصلاة أعظم فروضِ الإسلامِ بعد الشهادتين؛ لما لها من فوائد دينيةٍ ودنيويةٍ تعودُ على المُسلم والمجتمع بالخير والبركات، ومن ذلك: تقوية صلة العبد بربه، وإظهار العبوديةِ له، وتفويض الأمر له، ومناجاته، وتحقيق السكينة، والفوز والفلاح، وتكفير السيئات، والحصول على الحسنات، وهي أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة، فلا يجوز إنكار فرضيّتها.
مكانة الصّلاة في الإسلام
جعل الله -تعالى- مكانة الصلاة عظيمة في الإسلام، ودليل ذلك ما يأتي:
- الصلاة عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، قال -صلى الله عليه وسلم-: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ).
- الصلاة أول ما أوجبه الله -تعالى-، وقد تولّى إيجابها بمخاطبة رسول الله في ليلة الإسراء بشكل مباشر دون واسطة؛ لمكانتها العظيمة.
- الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ بِهِ العبدُ المسلمُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ المَكتوبةُ).
- اقتران الصلاة بالأعمال الصالحة في القرآن: قُرِنَّت الصلاة في العديد من الآيات الكريمة بالأمور الصالحة كالزكاةِ، والصّبر، والذكر ، والنُسُك، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
- الصلاة مطلوبةٌ في السّفرِ والحضرِ، والأمنِ والخوفِ، ولا تسقط عن المسلم، وقد بلغ اعتناء الله -تعالى- بها بأن بيّن صلاتها في هذه الأحوال في كتابه الكريم.
- الصلاة أفضل الفروض بعد الشهادتين: وهي أحد أركان الإسلام ، قال -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ).
- الصلاة قرة عين رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: (وجعلَتْ قرةُ عَيني في الصلاةِ).
- الصلاة مميزة في أحكامها: فقد ميّزها الله -تعالى- عن سائر العبادات بأن جعلها مطلوبة خمس مرات في اليوم والليلة، وأكثرَ من ذكرها في كتابه الكريم، وجعلها أول ما فُرِضَ من العبادات في ليلة الإسراء دون واسطة بينه وبين رسوله الكريم.
- الصلاة ممدوحة في القرآن الكريم هي وأهلها، ومذموم من ضيّعها وفرّط بها، قال الله -تعالى-: (وَاذكُر فِي الكِتابِ إِسماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعدِ وَكانَ رَسولًا نَبِيًّا* وَكانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا)، وقال -سبحانه-: (فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا).
- الصلاة مُحببّة إلى الله -تعالى-، بدليل أنَّه فَرَضها في البداية خمسين صلاة، ثمَّ خفّف على عباده وجعلها خمسةً في العمل، وخمسين في الميزان، وكل ذلك يدل على عظيم مكانتها.
- الصلاة مقرونة بأعمالِ المؤمنين، فقد افتتح الله -تعالى- صفات عباده المؤمنين بالصلاة، واختتمها بمحافظتهم على الصلاة في سورة المؤمنون، قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)، ثم قال في نهاية الآيات التي تصف المُفلحين من المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).
- الصلاة مأمورٌ بها النبيّون وأتباعهم وأهليهم، قال -تعالى-: (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى).
- الصلاة تُقضى، وهذا يدلّ على أهميتها، فقد أمر الله -تعالى- الناسي والنائم أن يقضيها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا)، وقد أُلحِق بهم المُغمى عليه لمدةٍ تقل عن ثلاثة أيام، أمَّا المغمى عليه بأكثر من هذه المدة فقد أُلحِقَ بالمجنون بجامع زوال العقل كما ذكر ذلك ابن الحصين، وسمرة بن جندب، وغيرهم.