أهمية مقامات الحريري
أهمية مقامات الحريري
كان فن المقامة يتمثل برائده بديع الزمان الهمذاني ، والتي بلغت مقاماته في شهرتها جميع أنحاء العالم الإسلامي، وجاء بعد ذلك الحريري، وقدم مقاماته الخمسين المشهورة، والتي بلغت شهرتها كل مبلغ، وفاقت ما سبقها، وأعجزت من جاء بعدها عن مثلها، وتتلخص أهمية مقامات الحريري فيما يأتي:
القيمة الأدبية العالية
تُعتبر مقامات الحريري أيقونة أدبية من فنٍ، وإبداعٍ، وسحرٍ في الكلام، كما تأتي أهميتها من الغرض الأخلاقي التّي تضمنته، وحملته كرسالةٍ ضمنية داخل سطورها، والذي جاء في إطارٍ بديعٍ من السّجع الذي يدخل القارئ في متعةٍ فريدة، ويبعده عن الملل، فالحريري أديبٌ محنك، فقد أظهر في مقاماته دليلاً على كثرة اطلاعه، وغزارة معرفته بالقرآن الكريم، وكلام العرب، وحكمها، وأمثالها، فضلًا عن أشعارها.
الطول والسبك اللغوي
اتسمت مقامات الحريري بطولها لاحتوائها على الكثير من الشّعر، ولاشتمالها على خبرين في غالب الأمر، كما تأتي أهمية مقامات الحريري من السّبك اللّغوي المتقن الذي تفردت به، فهي تأتي بجملٍ قصيرةٍ مسجوعةٍ، لا تتجاوز الخمس كلمات في غالب الأوقات، ولا ننسى أنَّ الحريري تعمدَّ إغراقها بالمفردات الغريبة، وألوان التّزيين الأدبية، واللّفظية، بالإضافة إلى الكثير من المجاز.
المزج بين عدة فنون
اشتركت عدة أساليب نصية في تكوين المقامة؛ كالنّصوص السّردية ، والحوارية، والحكائية، والوصفية، وغيرها، إلى جانب الغنى بالأنواع الأدبية، فعلى الرّغم من كون المقامة نصًا نثريًا، إلّا أنَّ الشّعر كان حاضرًا في كثيرٍ من جوانبها.
التناص
ظهر بوضوح عنصر التّناص في المقامة الحريرية، وتنوعه بين التّناص القرآني، والتّناص مع الحديث النّبوي وعلومه، ومع الأمثال، والذي برع الحريري في تشكيله في قالب من التّناص الشّكلي، والمضموني.
الاهتمام بالزمن
اهتم الحريري بالزمن لسهولة العملية الوصفية عن طريق وجود الوقفات الزّمنية، بالإضافة إلى الدّيمومة الزّمنية، وساعده ذلك بإيجاد طريقة لتقديم العملية السّردية، ومساعدتها لأصحاب الشّخصيات المحورية كالرّاوي، والبطل.
الاهتمام بالمكان
اهتم الحريري بالمكان بشكل لافت على الرغم من طابعها السّردي، وجعل المكان ركنًا مهمًا في المقامة يصل إلى أهمية تسميتها به، وظهوره في عناوين المقامات.
الاعتماد على البنية الوصفية
اعتمد الحريري على البنية الوصفية كبنية أساسية في المقامة، بالرّغم من الطّابع السّردي، والحواري، فجعل الوصف يظهر بشكلٍ كبيرٍ، وبوظائف متعددةٍ، وأنماطٍ مختلفةٍ.
الحجاج اللغوي
ظهر الحجاج اللغوي في مقامات الحريري بشكل واضح وبصور مختلفة ومتنوعة، مع عدم إغفال الحجاج الجدلي، والمنطقي، ولو أنَّه كان بتواجد أقل من الحجاج اللّغوي.
نماذج من مقامات الحريري
نماذج من مقامات الحريري فيما يأتي:
المقامة البغدادية
"رَوى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: ندَوْتُ بضَواحي الزّوْراء. معَ مشيخَةٍ منَ الشّعراء. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ بغُبارٍ. ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ في مِضْمارٍ. فأفَضْنا في حديثٍ يفضَحُ الأزهارَ. الى أنْ نصَفْنا النّهارَ. فلمّا غاضَ دَرُّ الأفْكارِ. وصبَتِ النّفوسُ الى الأوْكارِ. لمحْنا عجوزًا تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ إحْضارَ الجُرْدِ. وقدِ استَتْلَتْ صِبيَةً أنحَفَ منَ المَغازِلِ. وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ. فما كذّبَتْ إذ رأتْنا. أن عرَتْنا. حتى إذا ما حضرَتْنا...".
المقامة الرملية
"حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: كنتُ في عُنفُوانِ الشّبابِ. ورَيْعانِ العيْشِ اللُّبابِ. أقْلي الاكتِنانَ بالغابِ. وأهْوى الانْدِلاقَ منَ القِرابِ. لعِلْمي أنّ السّفَرَ ينفِجُ السُّفَرَ. ويُنتِجُ الظّفَرَ. ومُعاقَرَةَ الوطَنِ. تَعْقِرُ الفِطَنَ. وتحْقِرُ مَنْ قطَنَ...".