أهمية النقد الذاتي في إصلاح الفرد والمجتمع

أهمية النقد الذاتي في إصلاح الفرد والمجتمع

النقد الذاتيّ

تختلف أنواع النَّقد، وتتعدَّد؛ وفقاً للميدان الذي يكون محلّاً للنقد، والتمحيص؛ فهناك النقد الأدبي ، والفنّي، والسياسيّ، والاستراتيجيّ، ولاسيّما النقد الذاتيّ، حيث كان يُقال قديماً: (فلان نقدَ الدراهم)؛ أي ميَّزَ بين الحسن منها، والرديء، وفلان نقدَ الناس؛ أي بيَّنَ عيوبَهم، ومن خلال هذه المعاني، يتَّضح لنا معنى النقد الذاتيّ لغويّاً؛ إذ إنّه يعني: معرفة محاسن الإنسان، وعيوبه لنفسه؛ بهدف تحسين قبيحها، وتفعيل الحَسَن منها. ويعرّف النقد الذاتيّ عموماً بأنّه: نشاط إنسانيّ يتمكَّن فيه الإنسان من النظر إلى ذاته بحِكمة وعقلانيّة، فيبحث عن العيوب الظاهرة، والخفيّة في سماته، وسلوكه، ومُعتقَداته، وعواطفه، وأفكاره، على أن يبقى مُرشِداً لنفسه، ومستمِرّاً في محاولات فَهم ذاته، واكتشاف عيوبه؛ لتصحيحها، واستثمار طاقاته كلِّها.

أهمّية النقد الذاتيّ وأثره

في إصلاح الفرد

تتنامى أهمّية النقد الذاتيّ، وفاعليّته بمدى توظيف نتائجه في الحياة العمليّة، واستدراك الأخطاء بتصحيحها، والمباشرة في المُضيِّ بخطوات واثقة نحو مسارٍ ناضج، وقويم، وكما ينطبق هذا الأمر على الفرد، فإنّه ينطبق على المجتمع، وهنا يأتي تفصيل الخطوات التي يجدر بنا الإشارة إليها في حديثنا عن النقد الذاتيّ، وأهمّيته في إصلاح الفرد، والمجتمع؛ فالنقد الذاتيّ للفرد يبدأ بمراقبة النفس في حاضرها، وماضيها، مُنشغِلاً بأخطائها عن تتبُّع أخطاء الناس؛ ليتمكَّن من محاسبتها، وتقويم مسارها، وذلك بالإنصاف، والتعقُّل، والمُلاطَفة، فليس لنا غاية في المحاسبة، والتوبيخ؛ لأنّ الغاية هي تقويم السلوك، والفِكر، والارتقاء بمستوى الشخصيّة الإنسانيّة بكلّ أبعادها.

ومن الجدير بالذكر أنّه لا مَفرّ من وجود التحدّيات والصعاب في طريق المَهمّات العظيمة؛ إذ تكمن صعوبة النقد الذاتيّ الفرديّ في كونه أحد أشكال مواجهة الفشل ، وهنا قد يقع الإنسان في فخّ اليأس والاسستسلام، ولكي يجنيَ ثمار تجربة نقده لذاته، فإنّ عليه أوّلاً أن يَقِيَ نفسه من الوقوع في اليأس؛ حتى يواصل المسير نحو إصلاح ذاته، وتنميتها. علماً بأنّ في النقد الذاتيّ فرصة للمصارحة، وتجربة لمدى صدق المرء مع ذاته؛ فمواجهة رغبات الإنسان، وشهواته، ونقاط ضعفه، ولحظات خذلانه، ليس بالأمر الهَيِّن، وهذا يقوده إلى اكتساب الشجاعة، والإصرار في تحمُّل مسؤوليّته الذاتيّة، مُغلِقاً الطرق أمام الإحباط ، والمماطلة، ولذلك لا بُدّ قَبل البدء بالنقد الذاتيّ من تقدير الظروف المحيطة بك جيّداً، ومعرفة مدى تأثيرها في القرارات الشخصيّة، كما لا بُدّ من الاتّصاف بالرأفة واللين في التعامل مع الذات في لحظات الغضب، وفي لحظات اللوم؛ حتى لا يُفقَد الأمل من المحاولات، فيصبح الإنسان ممّن ظَلَم نفسه!

في إصلاح المجتمع

لا يختلف اثنان على مدى صعوبة النقد الذاتيّ وتأثيره في الفرد، ممّا قد يمنعه من خَوض هذه التجربة، وعلى الرغم من النتائج المُبشِّرة، والتجارب الشاهدة على أنّها صفقة رابحة مع الذات، إلّا أنّ تجربة النقد الذاتيّ للمجتمع تبدو أكثر صعوبة، وتعقيداً؛ وذلك لارتباطها بعدّة عوامل رئيسيّة يتشاركها أفراد المجتمع، ومُثقَّفيه، وقادته المُؤثِّرين فيه؛ فالثقافة، والخطاب الإعلاميّ المُوجَّه للشعوب كلّها عوامل مُؤثِّرة بقوّة في طريقة نظرة المجتمع لواجباته، وحقوقه ، وأسلوب تعامله مع ما يعترض طريقه من تحدّيات، ومواقف؛ فتزايُد الوعي، وثقافة المجتمع، وتحضُّره، يساهم مباشرة في فَهم المُتغيِّرات الطارئة عليه، ممّا يساهم في مقدرته على التعامُل معها بمستوىً حضاريّ يتناسب مع مستواه الثقافيّ.

وهنا يتركَّز المجهود على النُّخبة الثقافيّة، وقادة الرأي العامل في المجتمع، وأسلوب الخطاب المُوجَّه إليه من قِبَل وسائل الإعلام ، فإذا كان الخطاب شعبويّاً تغلبُ عليه نبرة التحشيد، والشَّحن العاطفيّ، والتحريض الطائفيّ، أو القَبَليّ، دون مُسوِّغات منطقيّة، أو براهين مُثبَتة، فإنّ هذا الحال يُنبِئ عن مستوىً مُتواضع من الثقافة؛ إذ إنّ التوجيه للمجتمع الذي يبدو مُبرّراً لوسائل الإعلام، وقادة رأيه يبدو جَلَيّاً حينها، وهذا الحال يُعطِّل فاعليّة المجتمع، وقدراته الفِكريّة، والإنتاجيّة، والإبداعيّة، ممّا يُضيف إلى مَهمّة النقد الذاتيّ عِبئاً يحمله المُثقَّفون في استقلالهم عن موجة التحشيد السطحيّ، والتوجيه الغوغائيّ، وتَصدِّيهم لها، كما يضيف عِبئاً آخر إلى المجتمع، حيث يتمثّل هذا العبء في استعادة إيمانه بكيانه، وإمكانيّاته (المُعطَّلة)، فيتحلّى بمسؤوليّة المبادرة؛ لصناعة حاضره، والكفاح؛ لتشكيل مستقبله، وذلك على الضدّ ممّا كان يُملى عليه.

ومن الجدير بالذكر أنّ المجتمعات النرجسيّة تأبى أن تتقبَّل النقد الذاتيّ؛ فهي تعتقد أنّها أعلى من التقييم، والمحاسبة، وكأنّ لها نصيباً من العصمة، والعجيب أنّ المجتمعات الأقلّ مكانةً، وثقافةً، وتحضُّراً، تشتركُ مع هذه المجتمعات في عدم تقبُّلها للنقد الذاتيّ، مع فارق الدوافع؛ فالأخيرة لا تتقبَّل النقد الذاتيّ عَجزاً منها وتثاقُلاً عن الفعل، ومواجهة الذات، وفَقْد الإمكانيّات لاسترداد المكانة المنشودة لها، علماً بأنّ تقبُّل النقد الذاتيّ، والمبادرة نحوه، إنّما هو علامة من علامات تحضُّر المجتمع، ومُؤشِّرٌ على استعداده لترميم ماضيه، وصيانة حاضره، والنهوض بمستقبله ، كما أنّ النقد الذاتيّ للمجتمع هو أولى علامات التعافي التي لا تخلو من بعض الآلام، وهو علامة على سلامة قلب المجتمع النابض بشبابه ، ورُوّاده، ووسائل إعلامه الواعية الحُرّة.

ويبدو ما سبق واضحاً، حيث يشهد التاريخ بذلك؛ فألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالَميّة الثانية ، انكفأَت على نفسها مُنعزِلة عن التنافُس في قطار التقدُّم الحضاريّ، إلّا أنّها سرعان ما استفادت من هذه العُزلة لتصحوَ من غفوتها، وقد استفادت من ذلك الدرس الذي دفعت ثمنَه الباهظ، وكذلك اليابان التي حقَّقَت مُعجزة حضاريّة في علاج جراحها، والتعافي من آثار الدمار الشامل الذي خَلَّفته القنابل النوويّة في ناغاساكي، وهيروشيما، علماً بأنّ الشعبَين: اليابانيّ، والألمانيّ كان بمقدورهما أن يندبا حَظَّهما لعقود من الزمن، وأن يتباكيا، ويستدِرّا عَطف العالَم، وأن يبقيا مُطأطِئَي الرأس، مُنكَبَّين على التحديق بماضيهما، ومُستغرِقَين في التفاصيل المُؤلِمة، إلّا أنّ تلك الشعوب أثبتَت للعالَم، ولنفسها أوّلاً، أنّها لا تزال تتنفَّس الأمل، وتحيا على مُواصلة المسير دون كَلَل، مُعلِنةً عن ما انتابها من أزمات، وحروب، وخسائر فادحة، ومُوقِنة بمقدرتها على التعافي، واسترداد دورها الحضاريّ، وقد أصبحت بذلك نِدّاً شَرِساً لأعتى الأُمَم في السياسة، والاقتصاد، والتسليح، والثقافة.

دور النَّقد البنّاء في بناء الفرد والمجتمع

ينضبطُ النَّقد البنّاء بالإنصاف، ونحن كأفراد، ومجتمعات، علينا أن نتحلَّى به، مُبتعِدين عن المبالغة في المدح، والإطراء، أو حتى في الذمّ، وجَلد الذات؛ فالنَّقد البنّاء يعتمد على قياس نطاق موضوعيّ، بذكر إيجابيّاته، وسلبيّاته فيما يظهر منه، دون الحُكم على النيّات، والمقاصد؛ لأنّ التعصُّب، والحُكم المُسبَق، وعشوائيّة التقييم، عوامل تُدمّر الناقد أوّلاً، وموضوع النَّقد ثانياً، وهي أبعد ما تكون عن اتّباع المنهج العِلميّ المُنصف في التحليل، والتقييم، والنَّقد، وممّا يُنمّي مَلَكة النَّقد البنّاء: دقّة الملاحظة، ومعها فيضٌ من التروّي، وتهذيب النفس الذي يتمثّل بالبُعد عن اتّباع الأهواء، والمُكابَرة، والتعنُّت للرأي، أو الإحجام عن قبول الحقّ، بالإضافة إلى أنّ الإخلاص، والموضوعيّة يساعدان على تحقيق حُسن القَصد، وطيب النيّة، والغاية النبيلة في رحلة النَّقد الذاتيّ نحو إصلاح ذواتنا، ومجتمعاتنا، بكلّ ما أُوتينا من طاقات، وقدرات، تُلهمُنا نحن، والأجيال القادمة.

مزيد من المشاركات
كيفية عمل الشيرة

كيفية عمل الشيرة

الشيرة الشيرة هي عبارة عن سائل محلّى يكون غليظ القوام، أو مائلاً إلى السيولة، ويمكن صنعها بطرق متعددة، ويتم إضافتها إلى العديد من الحلويات الشرقية، وبعض من الحلويات الغربية، حيث يسمونه في العالم الغربي بشراب العسل، ويتم إضافته إلى الكنافة النابلسية، والهريسة، والبسبوسة، والعوامة، وغيرها الكثير، وسنتعرف في هذا المقال على كيفية عمل الشيرة. طريقة عمل الشيرة المكونات كوب من الماء. كوبان من السكر. ملعقة صغيرة من عصير الليمون الحامض. طريقة التحضير نحضر وعاء كبير الحجم، ونضع بداخله السكر والماء،
أول من آمن بالرسول

أول من آمن بالرسول

أوّل من آمن بالرسول أوّل من آمن بالرسول من النساء كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- على الإطلاق؛ فهي أول من آمن من النساء والرِّجال، فلما نزل على النبيّ الوحي جبريل -عليه السلام- بالرِّسالة؛ قامت بمواساته، والتخفيف عنه. وكانت السيدة خديجة أول زوجات النبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وقال عنها رسول الله: (قد آمَنَتْ بي إذ كفَرَ بي الناسُ، وصدَّقَتْني إذ كذَّبَني الناسُ، وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَني الناسُ، ورزَقَني اللهُ عزَّ وجلَّ ولَدَها إذ حرَمَني أولادَ
موضوع عن برج إيفل

موضوع عن برج إيفل

برج إيفل برج إيفل هو رمز العاصمة الفرنسيّة، ومن أهمّ المعالم السّياحية على مستوى العالم؛ حيث يتوافد السّياح من جميع بقاع الأرض لزيارته، والتقاط الصّور التّذكاريّة أمامه، وقضاء أوقاتٍ مميّزة داخل طوابقه المُتعدّدة، ومطاعمه المختلفة. يقع برج إيفل في العاصمة الفرنسيّة باريس، وتحديداً في أقصى الشّمال الغربي لحديقة شامب دي مارس الواقعة بقرب من نهر السين، وقد اتّخذت منه مدينة باريس رمزاً لها كونه المعلم الأبرز الذي يُشكّل أكبر نسبةٍ من الزوّار في فرنسا. صُمِّم برج إيفل ليكون كمدخلٍ مميّزٍ للمعرض
كيفية التخلص من آثار حب الشباب

كيفية التخلص من آثار حب الشباب

آثار حب الشباب من الأمراض الجلديّة الشائعة، والتي تسبّب الإحراج والإزعاج لما تتسبّب به من ترك الآثار والندوب مشوهة المظهر الخارجيّ للوجه، أغلب هذه الحبوب والندوب تتلاشى بعد مرور عدة أشهر على ظهورها، ومن أجل تسريع ذهابها والتخلص منها هناك مجموعة متنوّعة من الطرق التي ستسرّع إزالتها، وستحدّ من انتشار الصبغة على مناطق أوسع من الجلد، غير أنه يجب إدراك حقيقة أن هذه العلامات والآثار لن تختفي بليلة وضحاها، وأنك ستحتاج لبعض الوقت حتى تتمكّن الوصفات من أخذ مفعولها. طرق طبيعية للتخلص من آثار حب الشباب
أضرار رش العطر على الشعر

أضرار رش العطر على الشعر

مكونات كيميائية تحتوي العطور على مكوناتٍ كيميائية يتم إضافتها سراً، وأغلبها قد يكون ضاراً، وقد تُسبب المكونات الكيميائية المضافة للعطور في حدوث بعض المشاكل والأضراروفقاً لما بينته "جين هوليهان" المشاركة في حملة من أجل مستحضرات تجميلٍ آمنة، وتبين بأن أغلب المكونات الكيميائية التي تحتويها العطور قد تكون خطراً على الصحة، إلا أنّ الشركات المصنعة، تُبقي تلك المكونات سريةً ولا يتم الإفصاح عنها، وتحتوي العطور على مئات المواد الكيميائية التي لا يتم الإعلان عنها، وقد تضمّن التقرير المُعد دراساتٍ أجريت
التخلص من نفشة الشعر بعد الاستحمام

التخلص من نفشة الشعر بعد الاستحمام

استخدام مُنتجات الشّعر المُناسبة يُعدّ استخدام الشّامبو والبلسم، ومُنتجات الشّعر الأخرى المناسبة للشّعر من أفضل الإجراءات للتخلّص من نفشة الشّعر، ومن المُنتجات المناسبة للشّعر هي: استخدام مُنتجات الشّعر المحتوية على السيليكون، والبوليمرات (بالإنجليزية: Polymers)، إذ يُمكنها التّقليل من النّفشة الناتجة عن الرّطوبة في الهواء. استخدام مُنتجات الشّعر المُصنّفة للشعر الجاف، أو الشّعر التّالف، أو لترطيب الشّعر. تجنّب مُنتجات الشّعر المحتوية على الكبريتات والكحول، إذ أنها تجرد الشّعر من الزّيوت
كم مرة استخدم التونر

كم مرة استخدم التونر

عدد مرات استعمال التونر يُستخدَم التونر مرتين يومياً؛ في الصباح والمساء، وإذا كانت البشرة جافة يُستخدَم مساءً فقط؛ لأنّ استعماله المُتكرِّر والمُفرط يُسبب الجفاف بشكلٍ أكبر، ويُنصَح باستعمال مُنتجات خاصة بالبشرة الجافة للتقليل من شدّة جفافها. طريقة استخدام التونر يُمكن اتباع الطريقة الآتية لاستعمال التونر على البشرة: تُنظَّف البشرة من خلال: يُدلَّك الوجه بالغسول والماء الفاتر برفق؛ للتخلص من الشوائب والمكياج. تُغسَل البشرة بالماء الفاتر، ثمّ تُرَشُّ بالماء البارد. تُجفَّف البشرة بمِنشفة نظيفة.
اتفاقية شنغن

اتفاقية شنغن

اتِّفاقيةُ شنغن اتِّفاقيةُ شنغن (بالإنجليزيّة: The Schengen Agreement) هي اتِّفاقيّةٌ حكوميّةٌ دوليّةٌ تمّ التوقيعُ عليها في مدينةِ شنغن الواقعةِ في دولةِ لوكسمبورغ، وكان ذلك في الرابع عشر من شهرِ حزيران/يونيو من عامِ ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسةٍ وثمانين، حيث تؤكّد بشكلٍ أساسيّ على السماحِ بالتنقُّلِ الحُرِّ عبرَ الحدودِ الدوليّةِ للدُّولِ المُوقِّعةِ على الاتِّفاقيةِ، ولحاملي تأشيرةِ أيٍّ من هذه الدُّولِ؛ أي أن تتمَّ إزالةُ الحواجزِ الداخليّةِ بين الدُّولِ الأعضاءِ، وقد تمّ تحديدُ الآليّاتِ