أنواع الإعجاز في القرآن الكريم
الإعجاز البياني في القرآن الكريم
الإعجاز في بلاغة القرآن وفصاحته
يُعدُّ هذا النوع من الإعجاز من أهم أنواع الإعجاز وأولها ظهوراً في القرآن الكريم؛ وتنبع أهميته من كونه يتعلق في بُنية الأفعال التي تعتبر جزءاً لا يتجزَّأ عنها، وممَّن تحدَّث فيه وأطنب في الحديث عنه الباقلّاني في كتاب "إعجاز القرآن"، والجُرجاني في كتاب "دلائل الإعجاز".
والمقصود بهذا النوع من الإعجاز هو مقدار ما جاء به القرآن الكريم من الكلام الفصيح والبليغ ولم يستطع أحداً من البشر أن يأتي بمثله، مهما بلغ شعره أو نثره من قوة الفصاحة والبلاغة، فقد كان القرآن الكريم بليغاً لحد درجة الإعجاز؛ فلا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثل هذا القرآن أو آيةٍ من آياته.
الإعجاز في أسلوب القرآن وطريقة نظمه
كان تنظيم الأحداث والمواقف في القرآن الكريم وفق نُظُمٍ بديعةٍ متفرّدة، أعجز البشر عن الإتيان بمثله، ومن أشكال هذه النظم ما يأتي:
- الجمع بين أسلوب الموعظة والتشريع.
- التنويع في أشكال البلاغيات الموجودة في اللغة العربية.
- الابتعاد عن التكرار في الصياغة فيما لا يقتضي التكرار بقصد التهويل ونحوه، كما في المثال: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)، فقد بدأ بصيغة المثنى ثم انتهى بالجمع.
- التفنُّن بأشكال الخطاب في القرآن الكريم مع الناس
سواء في النهي، أو الأمر، أو الإباحة، فعلى سبيل المثال: صيغة الأمر وأسلوب الطلب صراحةً مثل: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وطريقة الإخبار بأنّه مكتوب على المُكلّفين، مثل قوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ).
- أسلوب التصرّف في حكاية الأقوال بطريقة إعجازه، لا بحسبِ ما صدرت عن أصحابها.
الإعجاز البياني في القصص القرآني
يأتي الإعجاز البياني في القصص القرآني بطريقة السرد البديعة؛ إذ بيّنت هذه القصص القرآنية بطريقة باعدت فيها بين القصة الحقيقية التي حدثت بالواقع والشواهد دون الحاجة إلى التخيُّلات أو التأويلات، وبين فن السّرد القصصي القائم على الوهم والخيال، فقد جاءت طريقة ذكر هذه القصص القرآنية بصياغةٍ موضوعيةٍ ومتنوعة بعيدةً كلّ البعد عن طريقة القصص أو الروايات التي تكون في الإبداعات الأدبية.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
هو الإخبار عن ظواهر كونية لم تكن معروفة في زمن نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأثبتها العلم التجريبي في العصر الحديث، ممّا يعني صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلِّغ عن الله -تعالى-، ومن أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ما يأتي:
- قول الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ،
حيث يرى المنظور العلمي الحديث أنّ السماء معلّقة بواسطة قُوى المجال في الفضاء، ولا يمكن رؤيتها بالعين المجرَّدة.
- قول الله -تعالى-: (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ)، فهذه الآية بيّنت وجود صدوع في الأرض ينجم عنه تغيرات على السطح.
الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم
هي الأحداث والوقائع التي كانت غائبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لم يكن حاضراً وقت حدوث هذه الأحداث أو الوقائع، وهي تشمل ثلاثة أنواع، نذكرها فيما يأتي:
- غيب الماضي
هي الأحداث الواقعة في الماضي قبل رسالة الإسلام، ولم يكن للنّبي -عليه الصلاة والسلام- العلم بها، ولكن الله تعالى أوحى إليه بذلك؛ مثل قصة مريم وكفالة زكريا -عليه السلام- لها، وفي هذا جاء قول الله -تعالى-: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
- غيب الحاضر
هي الأحداث التي وقعت في زمن رسول -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن شاهداً عليها، كما جاء في وصف المنافقين وفضح ما في نفوسهم من التناقض بين ظاهر أفعالهم، وباطن قلوبهم.
حيث قال -تعالى-: (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ).
- غيب المستقبل
هي الآيات التي تحدّثت عن حوادث مستقبلية ستقع، ولم تكن حاصلة عند نزول الآية ثم حصلت، سواءً كانت في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بعد وفاته، كإخبار القرآن عن موت بعض المكذبين على الكفر، وقد ماتوا عليه بالفعل؛ ومثاله: الإخبار عن موت أبي لهب على الكفر، فقال -تعالى-: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* في جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ).