أنواع الإجماع وشروطه
الإجماع من حيث القطع به
إنّ للإجماع عدّة أنواع، وتختلف أنواعه باختلاف الاعتبار الذي يُقسم لأجله، وأول أقسام الإجماع: من حيث القطع به، ويقسم إلى قسمين وهما كما يأتي:
الإجماع القطعي
يُعرف الإجماع القطعي بأنّه ما أجمعت عليه أمّة محمّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالضرورة، ومثال الإجماع القطعي إجماع الأمة على أنّ الصّلاة حكمها واجب، وأنّ الزّنا والسرقة أفعال محرّمة، فهذه الأمور قطعيّة لا جدل فيها، وفهمها لا يحتاج إلى استقراء للأدلّة، وقال الفقهاء بتكفير المنكر للإجماع القطعي.
الإجماع الظني
يُعرف الإجماع الظنّي بأنّه ما يتطلّب اجتهاد وتتبّع ل لأدلّة الشرعيّة ، ولا يكون عند عامّة النّاس، ومثاله إجماع الأمّة على أنّ الجدّ له سدس الميراث، ومنكر هذا الإجماع لا يعدّ كافرًا، وإنّما فاسقًا، وقال آخرون بعدم فسوق منكره. ويكون الإجماع ظنيًّا إذا اختلّ به شرط من شروط الإجماع القطعي، وشروط الإجماع القطعي نذكرها فيما يأتي:
- أن يكون الإجماع قد اشتمل على جميع الشروط المتّفق عليها والمختلف فيها، وإن وُجد خلل في أحد الشروط بات الإجماع ظنيًّا، حتى وإن كان من الشروط المختلف فيها.
- أن يكون الإجماع منقولاً بالتواتر، فإن كان قد نُقل بطريق الآحاد كان الإجماع ظنيّاً.
- أن يكون الإجماع قد صرّح به المجتهدون، فإن كان الإجماع سكوتيًّا كانت دلالته ظنيّة.
- أن يكون الإجماع قد نُقل على أحد أصول الفرائض، وهي ممّا عُلم بالدين بالضرورة؛ أي الفرائض التي يعرفها عامّة المسلمين، فإن كانت في غير ذلك كان الإجماع ظنيًّا.
- أن يكون الإجماع قد استند إلى دليلٍ قطعيّ الدلالة واجتمع المسلمون على قطعيته، فإن كان الدليل ظنّي الدلالة كان الإجماع ظنيًّا.
الإجماع من حيث أهله
وأمّا الإجماع من حيث الجهة التي أجمعت عليه فينقسم إلى عدّة أنواع كما يأتي:
إجماع الأمة
يُعرف إجماع الأمة بأنّه ما اتّفق عليه علماؤها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء وعلماء في مسألة معيّنة على رأيٍ موحّد، أي إنّه مطلق ولم يُقيّد بطبقةٍ واحدةٍ أو بلدٍ واحد، ولم يُذكر اختلاف للعلماء في إمكان وقوع الإجماع وتصوّره.
إجماع الصحابة
هو اتّفاق الصّحابة -رضيَ الله عنهم- على مسألة معيّنة، ويعدّ إجماع الصحابة حجّة باتّفاق القائلين بأن الإجماع حجّة، وهم أهلٌ لذلك وأحقّ الخلق به، وقال بعض العلماء إنّ إجماع الصحابة حجّة دون غيرهم، وإجماع الصّحابة أَوْلى بالاعتبار من إجماع غيرهم؛ فهم من عاصروا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وكانوا شاهدين على نزول الوحي ، كما أنّهم أعلم النّاس بما حرّم الله وأحلّ لعباده.
ويقول الإمام الزركشي-رحمه الله- : "إجماع الصّحابة حجة بلا خلاف بين القائلين بحجيّة الإجماع، وهم أحق الناس بذلك"، ويقول الإمام الشوكاني: "إجماع الصّحابة حجّة بلا خلاف"، وقد وقع خلاف بين أهل العلم في حجيّة إجماع من جاء بعد الصّحابة على قولين، وهما ما يأتي:
- إنّ إجماع الصّحابة حجّةٌ، ولا اعتبار لإجماع من جاء بعدهم، وهذا أحد القولين للإمام أحمد ، والظاهريّة، وبعض الحنابلة.
- إنّ الإجماع حجّةٌ في جميع العصور، وهو قول جمهور أهل العلم، وهي الرواية الثانية للإمام أحمد.
إجماع أهل المدينة
يُعرف إجماع أهل المدينة بأنّه اتّفاق أهل المدينة المنورة في العصور التي عقبت عصر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على مسألةٍ معيّنة في حال كان هناك مخالفة تستند إلى الاجتهاد ، والذي عُرف بكثرة احتجاجه بهذا الإجماع في الفروع الفقهيّة هو الإمام مالك -رحمه الله-، وبلغ عدد المسائل التي استدلّ فيها الإمام مالك بإجماع أهل المدينة أكثر من أربعين مسألة، وقد قسّم ابن القيم -رحمه الله- عمل أهل المدينة إلى عدّة أقسام، وهي كما يأتي:
- أن يكون الإجماع من أهل المدينة مشهورًا، دون وجود مخالفةٍ من غيرهم، وهو حجّة من غير خلاف.
- أن يكون الإجماع من أهل المدينة مخالفًا لغيرهم، وهو حجّة عند المالكيّة، وخالفهم في ذلك الجمهور.
- أن يكون الإجماع بين جزء من أهل المدينة دون غيرهم؛ أي قد وجد خلاف فيما بينهم، وهذا الإجماع لا اعتبار له، فلا حجّة لقول الصحابي على قول غيره من الصحابة.
الإجماع من حيث النطق به
يقسم الإجماع من حيث النطق به إلى قسمين، وتفصيلهما فيما يأتي:
الإجماع الصريح
يُعرف أيضًا بالإجماع البياني، والأصل في الإجماع أن يكون صريحًا، وهو حجّة من غير خلاف، ويقسم إلى قسمين:
- الإجماع بالقول
وهو تصريح كل فردٍ من مجموعة من الفقهاء والمجتهدين بموافقته لرأي كان قد أُعلن الاتّفاق عليه، ومثاله: لو أفتى بعض الفقهاء في الوقت الحالي بأنّ عقود التأمين حلال، وصرّح كل فقيه ومجتهد معاصر بموافقته على ذلك، لكان إجماعهم إجماعًا قوليًّا وحُجّة يحتجّ بها شرعًا.
- الإجماع بالعمل
وهو أن يصدر الفعل من جميع المجتهدين؛ كأخذهم بالاستصناع والعمل به، وكذلك عملهم بالمضاربة، ففعل جميع المجتهدين لذلك يجعله إجماعًا عمليًّا وحُجّة يُحتجّ بها شرعًا.
الإجماع السكوتي
يكون الإجماع السكوتي بتصريح أحد المجتهدين أو بعضهم برأيٍ في مسألةٍ فقهيّة معيّنة، أو أن يقوم المجتهد بفعلٍ معيّن، ويشتهر هذا القول أو الفعل بين أهل الاجتهاد في عصره من غير أن ينكر عليه أحد ما قال أو فعل، وقد اختلف الفقهاء في حُجيّته على آراء ثلاثة، وهي كما يأتي:
- إنّه حجّة شرعيّة، وإجماعٌ معتبر
وهذا ما قاله أحمد بن حنبل وأغلب الحنفيّة، وأبي إسحاق الإسفراييني من الشافعيّة.
- إنّه لا يحتج به شرعًا ولا يعدّ إجماعًا
وهو قول الإمام الشافعي ومن مَعَه، والمالكيّة.
- إنّه حجة شرعية إلّا أنّه لا يعدّ إجماعًا
وهذا القول قد ذهب إليه بعض المعتزلة.