أم المؤمنين أم سلمة (صحابية)
اسم أم سلمة ونسبها
الصّحابيةُ أمُّ سلمة -رضي الله عنها- هي من زوجاتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وهي امرأةٌ فاضلةُ ولها مكانةٌ رفيعة بينَ نساءِ المُسلمين، ونبدأ الحديثَ عنها بذكرِ اسمها، ونسبها، والمعلومات التعريفية عنها فيما يأتي:
- لقبها: أمُّ سلمة.
- اسمها: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، وقد كانَ أبوها من سادةِ قريشٍ المعروفينَ بالجودِ والكرمِ. أمّا أمّها فهي عاتكة بنت عامر بن ربيعة.
- زوجها الأول: تزوجت من أبي سلمة -رضي الله عنه- قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقد كانَ من النفرِ القليل الّذينَ أسلموا فورَ بعثةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- أولادها: لأمِّ سلمةَ من الأولادِ أربعة، اثنتانِ من البناتِ والأولى منهنّ اسمها زينب، قد ولدتها في الحبشة بعد هجرتها مع زوجها الأسبق إلى هناك، أمّا الثانية فاسمها رقيّة، وولدانِ اثنانِ هُما سلمةَ وعُمر.
- من روى عنها من الصّحابة: روى عنها الحديثَ جمعٌ من الصّحابةِ والتّابعين، منهم: ابنُ عبَّاس -رضي الله عنه-، وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وزَينب بنتُها وعُمر ابنُها، وابن المُسَيّب، وغيرهم.
- وفاتها: تُوفّيت أم سلمة -رضي الله عنها- في أصحِ الأقوالِ في السنة التاسعة والخمسون للهجرة، عن عمرٍ يُناهز الرابعةَ والثمانين عاماً، وقد دُفِنت في مقبرة البقيع.
إسلام أم سلمة
أسلمت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- مع زوجها فور بعثةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكانت من أوائل من أسلمن من النّساءِ ، وقد ترتب على إسلامها وزوجها مُعاداةُ قومهما لهما، فتعرّضا لأشكالٍ من الأذى والعدوان حتى يتركا الإسلام، فما كانَ منهما إلّا الصّمودَ في وجه ذلكَ كلّه وابتغاءُ ما عندَ الله -عز وجل- من أجرٍ وثواب، حتّى أَذِنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابهِ بالهجرةِ إلى الحبشة، فامتثلت هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشةِ معاً في أوائلِ المُهاجرين.
ولبثا في الحبشةِ شيئاً من الوقتِ ثمّ عادا إلى مكّة، وكانَ هذا قبيلَ الهجرةِ إلى المدينة بقليل، فلّما قُضيَ أمرُ المسلمينَ بالهجرةِ إلى المدينة، خرجت مع زوجها ومعها ولدها سلمة في حجرها، فتلقّاها قومها وقومُ زوجها المُشرِكونَ في طريقِ الهجرةِ، ففرّقوا بينهم، واختطفوا الغُلامَ وذهبوا، فهذا زوجها أكملَ مسيرهُ إلى المدينة فراراً بدينه وهذا ولدها الرضيعُ مُختطّفٌ لدى قومِ زوجها، فبقيت على هذه الحال حتّى رقَّ لحالها بعضُ أولادِ عمومتها فأعادوا لها ولدها، ثمّ باشرت طريقها إلى المدينة المنورة وحدها، مُتحمَّلةً حرَّ النّهارِ وبردَ الليلِ.
زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة
تزوجَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمِّ سلمة -رضي الله عنها- في شهرِ شوال من العامِ الرابعِ للهجرة، أمّا قصةِ زواجه بها -صلى الله عليه وسلم-، فتروي أمّ سلمةَ القصةَ فتقول إنّها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ يومٍ يقول:(ما مِن عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فيَقولُ: {إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي في مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لي خَيْرًا منها، إلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ في مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ له خَيْرًا منها، قالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلتُ: كما أَمَرَنِي رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فأخْلَفَ اللَّهُ لي خَيْرًا منه، رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-).
والّذي يظهرُ من الحديثِ أنّ أم سلمة -رضي الله عنها- لم تتخيل أن يأتيها الخيرُ بعد وفاة زوجها أبا سلمة -رضي الله عنه-، فجاءَ الخيرُ من عند الله -عز وجل-، فأبدلها زوجاً خيراً من زوجها، بل أبدلها بالخيرِ كله؛ لتصبِحَ زوجةَ خيرِ البرية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتعيشَ تحت كنفهِ معززة مكرمّة، إذ اعتنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها وبأبنائها الأيتام الأربعة بفيضٍ من الحبِّ، والحنانِ، والعطاءِ.
مواقف بارزة في حياتها
يشهدُ التاريخُ الإسلاميُ لأم سلمة -رضي الله عنها- بمواقف عدّةٍ، نذكرُ أبرزها فيما يأتي:
- قصةُ هجرتها ولمّ شملها مع زوجها: ذُكر فيما تقدمَ شيئاً يسيراً من قصةِ هجرةِ أمّ سلمة -رضي الله عنها-، ونُسَلِّطُ عليه الضوء في هذا الباب، إذ لمّا كانت أم سلمة وزوجها -رضي الله عنهما- في طريق الهجرةِ، لقيهما في بادئ الأمر رجالٌ من قومها فأبوا أن يتركوها مع زوجها، فاعتدوا عليه وأخذوها منه، ومعها ابنها الرضيع سلمة، فما لَبِثَ أن رآهم قومُ زوجها حتّى غضبوا على أخذهمُ الولدَ لأنّ نسبه يمتدُ إليهم، فتنازعوا عليه حتّى أخذه قومُ زوجها وذهبوا، فتفرقّ جمعهم، وبقيت هي محبوسةٌ عندَ قومها لا يسمحونَ لها بالمغادرة، ولم يكن لها من قوةٍ عليهم ولا حيلة.
- فكانت تُمضي أيامها في المكانِ الّذي تفرّقت فيه عن زوجها وولدها تبكي وتشتكي أمرَ حالها بضعاً من الزّمان، فاستعطف أبناء عمومتها قومهم حتّى أذِنوا لها باللحاق بزوجها، فلحقت به وحيدةً بعدَ أن ردّوا إليها ولدها، فلّما وصلت إلى التنعيمِ لقيها الصّحابيُ عثمان بن طلحة -رضي الله عنه- وأخذته الحميّة على أن يتركها تُكملُ طريقها الطويل وحدها، فصاحبها وولدها حتّى وصلا المدينةَ والتمَّ شملها أخيراً بزوجها.
- موقفها يومَ صًلحِ الحديبية: يُعدُّ صلحُ الحديبيةِ أولَ صُلحٍ بينَ المسلمينَ والمشركينُ منذُ انتشارِ الإسلامِ، وقد كانَ المسلمون حينها في أوجِ قوتهم، ولم يكونوا يُريدونَ الصّلح مع قريشٍ بعد الّذي جرى بينهم، ولكنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في الصّلح خيراً فأتمّه، وكانوا قد خرجوا مُحرمينَ بِعمرة، فخرجَ إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمرهم أن يتحللوا من الإحرامِ فأبوا، وما أبوا إلّا لأنهم أرادوا القتالَ بدلَ الصُلح.
- فدخلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة -رضي الله عنه- وهو مهمومٌ ممّا فعلوا، فأشارت إليه أن يخرج إليهم فلا يأمرهم بشيءٍ ولكن يجلسُ بينهم ويتحللُ من إحرامهِ أمامهم فيحلقُ رأسه ويذبحَ هديه، ففعل -صلى الله عليه وسلم-، فما كان منهم إلّا اتباعه دونَ توانٍ، وهذا إنّ دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُ على حكمةِ أمِّ سلمة -رضي الله عنه- وكمالِ عقلها.
مناقب أم سلمة
تتعددُ مناقبُ أم سلمة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، نذكر منها ما يأتي:
- أولاً: تُعدُّ أمُ سلمة -رضي الله عنها- فقيهةً، وراوية للحديث، إذ روت المئاتَ من الأحاديثِ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما جاءَ في كتبِ الصِّحاحِ.
- ثانياً: كانت أم سلمة -رضي الله عنها- أولُ امرأةٍ تُهاجرُ إلى المدينة المنورة.
- ثالثاً: كانت أم سلمة -رضي الله عنها- قويةً في علمِ البلاغة، وكانت حكيمةً عاقلة، سديدةُ الرأي ودقيقةُ الفهمِ، وقد أشارت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومَ صُلحِ الحديبية خيرَ مشورة كما تقدم.
وفاة أم سلمة
تعدّدت آراء العلماءُ في تحديدِ السّنة الّتي تُوفّيت فيها أم سلمة -رضي الله عنها- على رأيينِ اثنين، الرأي الأول: فقيل إنّها تُوفّيت في العام التاسعِ والخمسين للهجرة، أمّا الرأيُ الثاني: فقيل إنّها توفيت في العام الثاني والستين للهجرة، وقد كانتَ آخر من توفي من أمّهاتِ المؤمنينَ -رضوان الله عليهن-، وكانَ عُمُرها آنذاك أربعةً وثمانين سنة، ودُفنت في مقبرة البقيع، أمّا عن آخر حياتها فلا نعلم الكثير ولكن العلماءَ قد دوَّنوا أنّ أم سلمة -رضي الله عنها- عاصرت حادثةَ قتل الحسين بن علي -رضي الله عنه-، وقد أصابها جرّاء ذلكَ من الحزنِ الشّديد ما أصابها، حتّى لحقت بالدّار الآخرة بعده بشيءٍ يسيرٍ.