أقوال العلماء في الفرق بين النبي والرسول
أقوال العلماء في الفرق بين النبي والرسول
وجد العلماء أن هناك فرقًا بين النبي والرسول، وقال فريق منهم أنه لا فرق بينهما، وتحدثوا في هذا الباب ووضعوا الأدلة والحجج، وفيما يأتي توضيح وبيان الفرق بين النبي والرسول:
من هو النبي؟
النبي مشتق من النبأ أي الخبر، وفي الاصطلاح هو صاحب النبوة المُخبر عن الله، وهو إنسان يصطفيه اللهُ من خلقه ليوحي إليه بدين أو شريعة سواء كُلِّف بالإبلاغ أم لا، وقد ختمت النبوة وانقطع الوحي بخاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-،ربما كانت الكلمة مشتقة من النبأ، لأن صفة العلو قد اتصف بها غير الأنبياء أيضًا.
وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، حيث يقول الله -عز وجل- في تعزية الصحابة -رضي الله عنهم- لما أصابهم في أُحد: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، ووصف به الملائكة والأنبياء أيضًا.
وقال عدد من العلماء في تعريف النبي ما يأتي:
- يقول ابن تيمية: "النبوة مشتقة من الأنباء، والنبي: على وزن فعيل، وفعيل قد يكون بمعنى فاعل، أي: مُنَبِّئ، وبمعنى مفعول، أي: مُنَبَّأ، وهما هنا متلازمان، فالنبي الذي ينبئ بما أبناه الله به، والنبي الذي نبأه الله، وهو منبأ بما أنبأه الله به".
- يقول السفاريني: "النبي إما مشتق من النبأ، أي: الخبر، لأنه ينبئ عن الله -تعالى- أي: يخبر، وإما مشتق من: النبوة، وهي: الشيء المرتفع، لأن النبي مرتفع الرتبة عن سائر الخلق".
- قال الفراء: "وإن أُخذ أي النبي من: النبوة، والنباوة، وهي: الارتفاع عن الأرض، أي إنه أَشرفَ على سائر الخلق".
من هو الرسول؟
كلمة مشتقة من الجذر (رسل)، والرسول هو المرسل، وفي الفقه هو الداعي إلى الحق،يقول أبو بكر الأنباري: "الرسول معناه في اللغة: الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أُخذ من قولهم: جاءت الإبل رسلًا، أي: متتابعة"، ولفظ رسول أيضًا مأخوذٌ من البعث وهو الإرسال والتوجيه.
فالرسول هو المبعوث المُوجَّه برسالة؛ قال -تعالى- عن ملكة سبأ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، وفي الاصطلاح هو الإنسان الذي ينبئه الله بوحيه الشرعي ثم يُوجِّهه إلى مَن خالَف أمرَه، أو على قومٍ لم يأتهم نذيرٌ من قبله.
الفرق بين النبي والرسول
تعددت آراء أهل العلم إلى في حديثهم عن الفرق بين النبي والرسول إلى قسمين، وفيما يأتي توضيح ذلك:
- القسم الأول
فريق قال أنه لا فرق بين النبي والرسول، فكل نبي رسول، وكل رسول نبي في قولهم، حيث قالوا بأن هذين اللفظين مترادفان، وقال بهذا الرأي القاضي عبد الجبار والماوردي، ومن أدلتهم: أن القرآن قد ذكر بعض الأنبياء بلفظ نبي ولفظ رسول كما في حق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
حيث قال الله -عز وجل-: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)، ويرد القائلين بعكس ذلك أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول، والمقصود بالرسول في الآيات هو المعنى اللغوي، إذ لا بُدَّ لكل نبي أن يبلغ، ويقول الشوكاني في الجمع بين لفظة نبي ورسول في مثل قوله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا).
أي: أرسله الله إلى عباده، فأبنأهم عن الله بشرائعه التي شرعها لهم، فهذا وجه ذكر النبي بعد الرسول، مع استلزام الرسالة للنبوة، فكأنه أراد بالرسول معناه اللغوي، لا الشرعي.
- القسم الثاني
من يقول بوجود الفرق بين النبي والرسول، حيث اتفق أهل العلم في هذا الفريق على أن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، وقال الشوكاني: "على جميع الأقوال النبي أعم من الرسل"، ومن آرائهم: أن الرسول من أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وهو رأي مجاهد، وابن جرير، وقطرب، وابن القيم، وغيرهم.
وقد اعترض فريق على القول بأن النبي غير مكلف بالتبليغ، ووضعوا أدلتهم، ومنهم من قال إن أكثر بني إسرائيل هم أنبياء لا رسل، حيث قال الله -عز وجل-: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ).
وقد قالوا أيضًا أن الرسول من أُوحي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث بشرع من قبله، وإلى هذا القول ذهب الجاحظ، وابن عاشور، وقال المعترضون على هذا القول بأن الأدلة تقول إنه ليس شرطًا، فسيدنا يوسف وُصف بأنه رسول مع أنه لم يأتِ برسالة جديدة بل كان على ملة إبراهيم -عليه السلام-.