يوهان جوته (كاتب ألماني)
نشأة يوهان غوته
يوهان فولفغانغ فون غوته، شاعر ومسرحي وروائي ألماني متميز، ولد في مدينة فرانكفورت الألمانية بتاريخ 28/ 08/ 1749م لعائلة من الطبقة الوسطى، والده هو يوهان كاسبار جوته الذي كان مستشاراً إمبراطورياً، أمّا أمّه فهي كاثرينا إليزابيث تيكستور جوته وهي ابنة لأحد أكبر المسؤولين في فرانكفورت، وقد كان غوته وأخته كورنيليا هما الطفلين الناجيين من بين أطفالهما.
يُعدّ غوته الابن الأكبر لهذه العائلة، ويُقال أنّه ورث تصرفاته المفعمة بالحيوية وقدراته التخيلية العالية من والدته أمّا أسلوبه المتحفظ وشخصيته المستقرة فقد ورثها من والده، وك ان للحكايا الأدبية والشعبية التي ترويها له والدته وللعبة مسرح العرائس التي أهدتها جدته له أثر في ميل غوته إلى تأليف الحوارات المسرحية واقتباس القصص.
تعليم غوته
تلقى غوته تعليمه في بداية الأمر في المنزل مع أخته كورنيليا على يد مدرسين متخصصين حتى عام 1765م، وقد ظهرت موهبته الأدبية في سن صغيرة جداً، وفي نفس العام غادر غوته منزله لدراسة القانون في لايبزيغ، وبجانب دراسته للقانون تلقى غوته دروسًا في الرسم.
وفي عام 1768م تعرّض غوته إلى وعكة صحية ومرضٍ خطير ألزمه المنزل حتى عام 1770م وكانت هذه الفترة هي فترة التأمل، ويُذكر أنّ والده كان مصممًا على إكمال ابنه دراسة القانون فأرسله إلى ستراسبورغ ليواصل مسيرته الدراسية وقد أنهى غوته دراسته للقانون في عام 1771م.
توجه غوته الأدبي
في عام 1773م ألّف غوته مسرحية بعنوان ( مسرحية غوتس فون برليشنغن) / (Gotz von Berlichingen)، وقد طبَّق غوته في هذا النص المسرحي كل النظريات الجديدة في المسرح فتكللت بنجاح باهر، ويعود موضوع هذه المسرحية إلى الفترة بين عامي 1524-1525م المعروفة بحرب الفلاحين.
وقد استوحى غوته مادة المسرحية من حياة الشخصية الأسطورية غوتس فون برليشينغن، فعرضت الصراع بين الفرسان المتمسكين بروح القانون الطبيعي والأرستقراطية الحاكمة المتمسكة بنصوص القانون الروماني، واحتوت هذه المسرحية على شخصيات من جميع طبقات وشرائح المجتمع وكانت كل شخصية من شخصيات هذه المسرحية تتحدث بلغتها التي تتناسب مع خلفيتها الاجتماعية والثقافية.
أمّا في عام 1774م، فقد ألّف غوته رواية بعنوان (أ حزان يونغ ويرث) ( The Sorrows of Young Werther)، وكانت هذه الرواية قصة حب مدمرة ومؤثرة رسّخت مكانة غوتة الأدبية وتركت أثرًا على الحركة الرومانسية في ألمانيا التي قادها غوته، وقد كانت الفترة بين 1773-1776م هي الفترة الأكثر إنتاجا في حياته.
ومن الأعمال التي رافقت غوته طول حياته مسرحية (فاوست) التراجيدية الشهيرة وكانت على جزئين، نُشر الجزء الأول منها في عام 1808م وأمّا الجزء الثاني نشر في عام 1832م، وقد حققت هذه المسرحية نجاحاً باهراً وصُنفت ضمن أبرز الأعمال في الأدب الألماني.
السياسة في حياة جوته
في عام 1776م أصبح غوته مستشارًا للأمير كارل أوغست الذي دعاه إلى فايمار عام 1775م، وفي عام 1779 م تولى غوته منصب لجنة الحرب بالإضافة إلى لجان المناجم والطرق السريعة، أمّا عام 1782م فقد كان غوته الممثل الرئيسي لفايمار في الشؤون الدبلوماسية المعقدة فتمت ترقيته إلى طبقة النبلاء في هذا العام وأصبح اسمه (فون غوته).
ومع كل هذا فلم يكن غوته مرتاحًا تمامًا لدوره كمسؤول حكومي في فايمار، وفي عام 1785م انسحب غوته من مجلس الملكة الخاص، أمّا في عام 1808م التقى غوته نابليون خلال مؤتمر إرفورت وحصل على وسام جوقة الشرف، وبذلك أصبح غوته متصالحًا مع حكم نابليون حيث اعتبرَ نابليون خليفة شرعيًا للإمبراطورية الرومانية القديمة.
العلوم في حياة غوته
كان غوته يشعر بالفضول تجاه العلم في شبابه فلا تقل إسهاماته العلمية عن إسهاماته الأدبية، إذ أثرت إسهاماته وحدسه إيجابيا في العديد من جوانب الخطاب العلمي، وأثناء إجازته التي أمضاها في البيت بسبب مرضه درس الكيمياء بجدية، ثمّ في الفترات اللاحقة اهتم بعلم التشريح وقد أمده البروفيسور يوستوس كريستيان لودر بالكتب اللازمة لهذا العلم.
وفي عام 1784م اكتشف غوته ويوستوس لودر عظمة الفك الوسطى في الجمجة البشرية في معهد التشريح في جينا، وقد كان شائعًا قبل ذلك أنّ هذه العظمة لا توجد إلّا في جماجم الحيوانات فقط، وبذلك فقد اكتسب الاكتشاف الجديد أهمية لدى الأوساط العلمية، وبحكم عمله كمسؤول عن مناجم الفضة ف قد اتصل لأول مرة بخبراء خارج النطاق الأدبي من أكاديمية فرايبورغ للتعدين.
دعا جوته إلى دراسة تكوين الكائنات الحية وتحولها من وجهة نظر فلسفية طبيعية إلى علم التشكل، إذ اكتشف من خلال دراساته في علم النبات وعلم المعادن وعلم التشريح أنماطاً معينة شائعة في تطوير وتعديل الأشكال الطبيعية، وقد تمت تسمية علم التشكل لأول مرة على هذا النحو في ملاحظات جوته لعام 1796م، ويرى غ وته هنا أنَّ كل كائن حي يخضع للتغيير وفقًا لديناميكية تعويضية بين المراحل.
خرج غوته بنظرية تدرس الطريقة التي نرى فيها الألوان وتنص نظريته على أنّ اللون ناتج عن التفاعل بين الضوء والظلام وأنّ اللون ظاهرة أولية في الطبيعة تتكيف مع حاسة البصر، وأشار فيها إلى أنّ الظلام جزء لا يتجزأ من اللون، وقد جاء هذا مخالفًا لما كان يقول به نيوتن ومعظم النظريين المعاصرين، وقد تمّ تجاهل نظرية غوته في وقتها إلّا أنّها حظيت بالإشادة بعدئذ.
فلسفة غوته
كان غوته مهتمًا بالفلسفة إلى جانب اهتمامه بالأدب والعلوم وغيرها وقد كان له تأثير على الثقافة الأوروبية في الجانب الفلسفي أيضًا، وب حلول أوائل القرن التاسع عشر، كان جوته مقتنعًا جدًا بقيمة أفكاره الخاصة بحيث إذ لم يتأثر كثيرًا بما وصفه بالموضات الفلسفية، وقد اتصل غوته بالعديد من الفلاسفة ، منهم: يوهان غوتليب فيشته وفريدريش فيلهلم شيلينج ونيتشه وهيجل.
وقد ارتبط غوته بهيجل بعلاقة مباشرة وأكثر تأثيرًا فإن منطق هيجل يعتمد على مفهوم غوته عن التحول فالشيء الطبيعي عند هيجل يحقق أقصى درجات الكمال عندما يُقدم محتواه الضمني في تمثيل مفاهيمي واضح، كما تعرف غوته على ذكاء شوبنهاور باكرا وانخرط معه في محادثة فلسفية مكثفة تتعلق بإحدى نظريات نيوتن، أمّا موقفه تجاه شيلينج فقد كان متأرجحًا بين الموافقة والنفور.
في عام 1770م عندما انتقل غوته إلى ستراسبورغ التقى بالفيلسوف يوهان جوتفريد هيردر وأصبح الاثنان صديقين مقربين وظهر أثر هيردر بصفة دائمة على التطور الأدبي لجوته، كما عرّف هيردر غوته على الفلسفة المتطورة التي مفادها أن اللغة والأدب هما في الواقع تعبيران عن ثقافة وطنية محددة للغاية.
وبهذا فإن فلسفة هيردر تقف على النقيض من تأكيد هيوم "أن الجنس البشري متماثل إلى حد كبير في جميع الأوقات والأماكن التي لا يخبرنا بها التاريخ بأي شيء جديد أو غريب"، وقد ألهمت هذه الفكرة غوته للسفر في وادي الراين لجمع الأغاني الشعبية من النساء المحليات وذلك لمحاولة فهم الثقافة الألمانية بالكامل في أنقى صورها.
مؤلفات غوته
ترك الأديب والشاعر والفيلسوف الألماني غوته العديد من المؤلفات، منها ما يأتي:
- رواية أحزان يونغ ويرث
ألفها غوته عام 1774 وكانت هذه الرواية قصة حب مدمرة ومؤثرة، يصف غوته فيها الحياة النفسية للشباب على اختلاف الأزمنة والأمكنة وعلى تباين الأحوال والظروف.
- مسرحية فاوست
هي مسرحية تراجيدية تتكون من جزأين، اكتمل الجزء الأول منها عام 1808م أمّا الجزء الثاني فقد اكتمل عام 1832م، وكان الساحر يوهان جورج فاوست بطل الحكاية الألمانية الشعبية الذي يُبرم عقدًا مع الشيطان هو بطل هذه المسرحية، وكان مفادها أنّه لا يوجد نظام فلسفي يمكنه تفسير العالم.
- مسرحية غوتس فون برليشينغن
ألفها غوته عام 1773م، وعرضت هذه المسرحية الصراع بين الفرسان المتمسكين بروح القانون الطبيعي والأرستقراطية الحاكمة المتمسكة بنصوص القانون الروماني، واندلعت معركة دموية بين الفريقين فأُلقي القبض على غوتس ثمّ تمّ إطلاق سراحه، وانتخبه الفلاحون ليكون قائدًا لحركتهم عندما ثاروا ضد الظلم فتمّ القبض عليه ولازم السجن حتى حان أجله.
- كتاب رحلة إيطالية
وهو من كتب أدب الرحلات ، وهذا الكتاب يضمّ يوميات غوته التي دونها في رحلتيه إلى إيطاليا وكانت رحلته الأولى عام 1786م أمّا الثانية فقد كانت عام 1787م، وتعد هذه اليوميات من أعظم النصوص الأوروبية التي وضعت في هذا المجال.
- كتاب من حياتي شعر وحقيقة
كتاب ضخم يتكون من أكثر من ألف صفحة تنقسم إلى عشرين فصلًا ، وهو كتاب سيرةٍ ذاتيةٍ كتبها غوته وتضمنت 26 سنةً من حياته وهي الفترة الممتدة من طفولته وحتى عام 1775م عندما كان على وشك مغادرة فايمار.
آراء الأدباء والفلاسفة حول غوته
أثّر غوته على الأدباء الأمريكيين، وكان الشاعر الأمريكي والت ويلتمان يرى في غوته مصدرًا للنظرية الشعرية القومية، وقد قال عنه بأنه أول ناقد عظيم، وترى الباحثة الألمانية مومزن في كتابها جوته والعالم العربي أنّ غوته والنهضة الألمانية ما كانا ليكونا لولا عالم المشرق، ويُظهر رأي كاترينا مدى اهتمام غوته بدراسة الأدب العربي وهذا يعني أنّ المشرق والعالم العربي أصبحا مكونًا من مكونات الهوية الثقافية الألمانية.
أما أحمد أمين في كتابه النقد الأدبي فيقول: "إنني معجب أشد الإعجاب بجوته مؤلف فاوست، وبجوته الشاعر الغنائي، وبجوته في مواطن أخرى متعددة، وأنا أستطيع أن أعتقد أنّه كان ذا نفع عظيم للإنجليز في السبعين أو الثمانين أو المائة سنة الماضية" [11]، ومن أقوال الفيلسوف نيتشه عن غوته أنّه "آخر ألماني أشعر بالوقار تجاهه".
وفاة غوته
فارق غوته الحياة في 22/ 3/ 1832م، وكان قد وصل إلى مكانة غير مسبوقة من التقدير في الأوساط الأدبية والفكرية، كما تركت أعماله وآراؤه انطباعًا عميقًا لدى معظم الكتّاب والشعراء في أوائل القرن التاسع عشر، وقد اعتبر الكثيرون غوته الشاعر البارز للعالم الحديث وذلك لاتساع نطاق تفكيره وفهمه للطبيعة البشرية وإيمانه المتفائل بالروح البشرية وإدراكه الحدسي للحقائق العالمية.
أقوال غوته
ترك غوته كثيرًا من المؤلفات، ويمكن أن نقتبس من هذه المؤلفات العديد من الأقوال، ومن أقواله ما يأتي:
- لا أحد مستعبد بشكل ميؤوس منه أكثر من أولئك الذين يعتقدون خطأً أنهم أحرار.
- إنّ تراجع الأدبيات يشير إلى تراجع الأمة.
- المعرفة وحدها لا تكفي، لا بد أن يصاحبها التطبيق.
- يسمع الإنسان ما يفهمه فقط.
- الأشياء الأكثر أهمية يجب ألّا تكون أبدًا تحت رحمة الأشياء الأقل أهمية.
- الحياة ملك للأحياء، ومن يحيا يجب أن يكون مستعدًا للتغيير.