وصف الخيل في الشعر الجاهلي
وصف الخيل في الشَّعر الجاهلي
لا نجد في التَّاريخ أمةً من الأمم اهتمت بالخيل اهتمام العرب بها، ولا فارسٍ اعتنى بفرسه عناية الفارس العربي به، ولمَّا كان الشِّعر ديوان العرب في الجاهليَّة وحافظ تاريخها انعكست أهمية الخيل عند العرب على الشِّعر الجاهلي وظهرت في صور عديدة، ومن هذه الصور ما يأتي:
تصوير العلاقة القوية بين الفارس وفرسه
يحتوي الشِّعر الجاهلي على العديد من الصُّور الشِّعريَّة الَّتي تصف العلاقة بين الفارس وفرسه، ومن أقوى الأبيات في وصف هذه العلاقة ما قاله خالد بن جعفر في وصف علاقته بفرسه (حذقة):
أَريغوني إِراغَتَكُم فَإِنّي
:::وَحَذفَةَ كَالشَجا بَينَ الوَريدِ
نرى أنَّ بعض الشُّعراء الجاهليين تعاطف مع فرسه في المعركة، وشعر الألم والأسى عند إصابته، وتمنَّى لو كان يستطيع أنْ يتكلم معه ويواسيه، ومن ذلك قول عنترة بن شداد في معلقته:
فَاِزوَرَّ مِن وَقعِ القَنا بِلَبانِهِ
:::وَشَكا إِلَيَّ بِعَبرَةٍ وَتَحَمحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى
:::وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
كما كانت قوة الفرس وقدرته على المراوغة في المعركة، ومطاوعته للفارس في حركته السَّريعة مدعاةً للفخر لدى العرب في الجاهلية، ومن ذلك قول امرئ القيس في معلقته واصفاً فرسه وقوته وقدرته العالية على المراوغة:
وَقَد أَغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِها
:::بِمُنجَرِدٍ قَيدِ الأَوابِدِ هَيكَلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍٍ مُدبِرٍ مَعاً
:::كَجُلمودِ صَخرٍٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
الخيل مصدر فخر القبائل العربية
لقد كان الخيل والمال والسِّلاح الدِّرع الحامي لحمى القبيلة، فافتخرت القبائل العربيَّة بكثرة الفرسان فيها دلالة على عظمتها وقوتها وثرائها، نظراً لغلاء ثمن الفرس ودورها في قلب موازين المعركة وإنهائها لصالح من يكون لديه عدد فرسان أكثر.
لذلك دعا الشُّعراء الجاهليون قبائلهم إلى الاعتناء بالخيل لأنَّها سبيلهم للمحافظة على مكانتهم بين القبائل في حال حدوث المعارك ويقول الشَّاعر مخاطباً قومه داعياً إياهم للاهتمام بالخيل:
بني عامرٍ إنَّ الخيول وقاية
- لأنفسكم والموت وقتٌ مؤجلُ
أهينو لها ما تكرمون وباشروا
- صيانتها والصَّونُ للخيل أجملُ
افتخر الشُّعراء الجاهليون بنسب الخيل واستعاروا هذا النَّسب والنَّجابة للافتخار بقبائلهم، فكانوا يُشبهون القبيلة الحرة الشَّريفة بالفرس النَّجيبة، ولذلك نرى حسان بن ثابت يهجو رجال مزينة فيقول:
رِجالٌ تَهلِكُ الحَسَناتُ فيهِم
:::يَرَونَ التَيسَ كَالفَرَسِ النَجيبُ
نراهم أيضاً استعاروا صهيل الخيل للنسب الرَّفيع ونواصي الخيل للعزة والرِّفعة والمجد والانتصار، ولذلك نجد عمرو ابن كلثوم في معلقته يُذكر عمرو ابن هند بوقائعهم المشهورة فيقول:
وَأَيّامٍ لَنا غُرٍّ طِوالٍ
:::عَصَينا المَلكَ فيها أَن نَدينا
تفضيل الخيل على العيال عند الجاهليين
تحدث الشُّعراء في الجاهليَّة عن اهتمامهم بالخيل وإيثارها بالطَّعام على عيالهم، فقد أشبعت العرب خيلها، ولم تفرط بها أبدًا.ومن ذلك قول عبيدة بن ربيعة رداً على من أراد أنْ يشتري فرسه سكاب:
أبيت اللعن إنَّ سكاب علق
- نفيس لا يُعار ولا يُباع
مُفدَّاةٌ مُكرمةٌ علينا
- يجوع العيال ولا تُجاع
كثيراً ما تظهر صورة المرأة العاذلة الَّتي تلوم زوجها على إيثاره الِشَّديد لفرسه وتفضيله عليها في بعض الأحيان، ومن ذلك عنترة مخاطباً زوجته الَّتي كانت تلومه على إيثاره لفرسه:
لا تَذكُري مُهري وَما أَطعَمتُهُ
:::فَيَكونَ جِلدِكِ مِثلَ جِلدِ الأَجرَبِ
إِنَّ الغَبوقَ لَهُ وَأَنتِ مَسوأَةٌ
:::فَتَأَوَّهي ما شِئتِ ثُمَّ تَحَوَّبي