وخلق منها زوجها
تفسير آية (وخلق منها زوجها)
قال تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، لقد افتتح الله -تعالى- سورة النساء بهذه الآية، وأمر النّاس بتقوى الله عزّ وجلّ الذي أنعم عليهم بنعم عظيمة، ومن هذه النّعم العظيمة أنْ خلقهم من نفس واحدة؛ أي من آدم -عليه السلام-، وبثّهم في جميع أقطار الأرض ولكن يبقى أصلهم واحد؛ ليعطف بعضهم على بعض ويرقّ بعضهم على بعض.
وعندما سكن آدم -عليه السّلام- الجنّة استوحش فيها، فخلق الله -سبحانه وتعالى- له حواء من ضلع من أضلاعه؛ ليسكن إليها، ولقد ذهب الإمام الزمخشري في تفسيره إلى أنّ تأويل قوله تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، له وجهان في ما يأتي:
- الوجه الأوّل: إنّ هذه الجملة عُطِفتْ على محذوف، أيْ كأنّه قيل: اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وأنشأها وابتدأها، والمعنى: أنّ النفس الواحدة هي آدم -عليه السلام-، أنشأها الله تعالى من تراب، وخلق من هذه النّفس زوجها حواء من ضلعه، وبثّ منهما الذكور والإناث.
- الوجه الثاني: إنّها عُطفت على خَلَقَكم، فأصبح الخطاب في: (يا أَيُّهَا النَّاسُ)، أي للذين بُعث إليهم رسول الله، والمعنى: اتّقوا الله الذي خلقكم من نفس آدم -عليه السلام-، وخلق منها أمّكم حوّاء، وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً.
وفي قوله تعالى في سورة الرّوم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، خلق الله -سبحانه وتعالى- حوّاء من آدم عليه السّلام-، أو خلق من أمثالكم أزواجًا لكم؛ لتأنسوا بها، وجعل بينكم المودّة والرحمة؛ أي الحبّ والعطف، وقد يصل الزوجان من الحبّ والعطف ما لا يصل إليه الأقارب، أي إنّ هذا التشابه في الخلْق للتآلف.
خلق حوّاء من ضلع آدم
عندما قال الله تعالى: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، فقيل إنّ حرف الجرّ (مِنْ) يفيد التبعيض، ويعني أنّ الله عزّ وجل أخرج حوّاء من ضلع من أضلاع آدم -عليه السّلام-، وعندما أطلق الله عزّ وجل لفظ (الزوج) في الآية الكريمة أراد به حواءّ وليس آدم -عليه السّلام-.
وسبب تسميتها بالزّوج؛ أنّ آدم -عليه السلام- كان رجلًا مُنفردًا لوحده، وعندما خلق الله تعالى له حوّاء أصبحت حوّاء زوجًا لآدم -عليه السّلام-، أي إنّ كل واحد منهما يُعدُّ زوجًا للآخر.
وفي قوله تعالى في سورة الزمر : (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ، يُستخدم حرف العطف (ثمَّ) ليفيد الترتيب مع التراخي، أي إنّ الله عزّ وجل عندما خلق آدم وأسكنه الجنّة واستوحش فيها ثمّ بعدها بمدّة زمنيّة خلق الله له حوّاء من ضلعه، وهذا يدلّ على الترتيب في الخَلْق.
الحكمة من خلق حوّاء من ضلع آدم
ذكر بعض أهل التفسير في أنّ الحكمة من خلق حوّاء من ضلع آدم -عليه السلام-؛ ليأنس بها ويألفها وتحصل بينهم السكن والمودّة والرحمة كما ذُكر في الآية الكريمة؛ لأنّ الأشكال المتشابهة تميل إلى بعضها وتألف لها.
ويدل أيضًا على مدى ارتباط الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، ولا يستطيع أحدهما أنْ يستغني عن الآخر، ويدل على أنّ الرجل يبقى هو السند والستر والمأمن لزوجته، وهي كذلك له، كما قال الله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ).