واجبنا نحو الفقراء في العيد
ما يجب تِجاه الفقراء في الأعياد
يجب على المسلمين إسعاد الفقراء والمحتاجين في الأيام جميعها بشكل عام، وفي الأعياد بشكل خاصّ، وإدخال الطمأنينة إلى قلوبهم، علماً أنّ الأعياد عند المسلمين عيدان؛ عيدُ الفِطْر، وتُخرَج صدقته قبل صلاة العيد ، وعيدُ الأضحى، وتُذبح فيه الأضاحِي، وبذلك يفرحُ المسلمون، ويُسعِد بعضهم بعضاً؛ فيعطي الغنيّ الفقير الصدقات، ويُوزّع المسلم على أخيه المسلم الأُضحيات، ولا ينشغلون بالقوت والمشكلات، فينعم الجميع بالخيرات والبركات، ويحيَونَ في سعادةٍ وبِشاراتٍ؛ من أغنياء، وفقراء.
صدقة الفِطْر
شرع الله -عزّ وجلّ- صدقةَ الفِطْر على الأغنياء من المسلمين، بحيث تُعطى لفقرائهم؛ لحكمتَينِ بيّنهما رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وهما:
- الأولى: أنّ صدقةِ الفِطْر مُطهِّرةٌ للقلب.
- الثانية: أنّ فيصدقة الفِطر إغناءٌ لفقراء المسلمين عن السؤال يوم العيد.
وزكاة الفِطر التي أوجبها الله -تعالى- على أغنياء المسلمين لها أهميّةٌ عظيمةٌ في المجتمع المسلم؛ فهي تنشر المحبّة والمسرّات في المجتمعات، وخاصّةً تلك الفرحة التي تغمر قلوب المساكين والمحتاجين؛ فالعيد فرحٌ وسرورٌ تنتشرُ البهجة فيه لتشمل الفئات المجتمعيّة جميعها، ولن تكون هذه الفرحة مكتملةً في القلوب إلّا إن أعطى الأغنياءُ الفقراءَ زكاة الفِطْر، وأسعدوهم بها؛ فالمجتمع كالجسد الواحد؛ إن اشتكى منه بعضه، تألّم بعضه الآخر، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى)، وقد بيّنت السنّة المُطهَّرةُ كيفيّة إخراج صدقة الفِطْر ؛ وذلك بإخراجها من الأطعمة الغالبة في البلد؛ حتى يحصل الاقتياتُ وتتحقّق الكفايةُ اللازمة للفقراء عن السؤال، وكان للعلماء آراء في حُكم إخراج القيمة في زكاة الفِطْر، وذهبوا في ذلك إلى قولَيْن، بيانهما آتياً:
- القول الأوّل: ذهب جمهور العلماء من المالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة إلى القول بجواز دفع القيمة في زكاة أو صدقة الفِطْر؛ لعدم ورود نصٍّ يُجيز ذلك، ولأنّ صدقة الفِطْر ليس لها مالكٌ مُعيّنٌ؛ لجواز إرضائه، أو إبرائه؛ إذ إنّ القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلّا بتحقُّق الرضى فيما بينهم.
- القول الثاني: ذهب الحنفيّة إلى القول بجواز إخراج القيمة في زكاة الفِطْر؛ وذلك لكونها أصلح للفقير، وأدفع لحاجته؛ ممّا يمكّن الفقير من شراء ما يحتاج إليه ويناسبه من طعامٍ، وغيره.
الأُضحية
شُرِعَت الأضاحي، وشُرع توزيعها على الفقراء، والأهل، والأقارب؛ لتحقيق التوسعة، والبركة، والخير الذي يرجع إلى كِلا الطرفين، بالإضافة إلى المَحبّة والأُلفة فيما بينهم، وشُكراً لله -تعالى- بما مَنّ عليهم من العبادة ، وغير ذلك من النِّعم التي لا تُحصى، وللعلماء آاراء في حُكم التصدُّق من الأُضحية، وذهبوا في ذلك إلى قوليْن، بيانهما كما يأتي:
- القول الأوّل: ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة ، والحنابلة إلى القول باستحباب التصدُّق بثُلث الأُضحية، قال الله -عزّ وجلّ-: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، وتُستحَبّ أن تكون الصدقة بأفضلها؛ إذ يقول الله -عزّ وجلّ- في كتابه: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)، ويُطعم من الصدقة الفقراء والأغنياء على حَدٍّ سواءٍ.
- القول الثاني: ذهب الشافعيّة، والشنقيطي من المالكيّة إلى القول بوجوب التصدُّق من الأُضحية ؛ فإن أكل المُضحّي جميع الأضحية لم يُجزئه ذلك، وإن تصدّق بجميعها أجزأه؛ إذ قال الله -تعالى-: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)، وقال -تعالى- أيضاً: (فَكُلُوا مِنْهَا)، ولأنّ كُلّاً من الشرع واللغة يُشيران إلى أنّ صيغة الفعل دالّةٌ على الوجوب ما لم يأتِ دليلٌ يصرفها عن الوجوب إلى الاستحباب، قال الله -تعالى-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ولأنّ قول الله -تعالى- في الأضاحي: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا)، يأخذ حُكم قَوْله -تعالى- في الزكاة: (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)؛ فالزكاة أكلُها مُباحٌ، وإيتاؤها واجبٌ، وكذلك الأكل من الأُضحِية، فهو مُباحٌ، والإطعام منها واجبٌ.
طرقٌ لمساعدة الفقراء يوم العيد
تجدر بالمسلمين مساعدة الفقراء والمساكِين في أيّام العيد، وإشعارهم بفرحته، ويُمكن تحقيق ذلك بالعديد من الطُّرق، بيان البعض منها فيما يأتي:
- تحديد مبلغٍ مُعيَّنٍ من المال ولو كان بسيطاً، ومَنْحه للفقراء، والمحتاجين، وغيرهم.
- المساعدة في توصيل الأطعمة، والصدقات إلى المُستحِقّين من المساكين، ومَنْحهم الهدايا، والنقود كذلك.
- اختيار الملابس الجيّدة، وتوزيعها على صِغار الفقراء، وكِبارهم، بشرط أن يتمّ إخراجها عن طِيب نَفسٍ من كُلّ مسلمٍ لأخيه المسلم.
- تعويد الأبناء على الخير والبِرّ، كأن تصطحب الأمّ أطفالها إلى المَحالّ، وتشتري أحسن الثياب لصغار الفقراء؛ حتى تُعلّم أطفالها أهميّة الحبّ والعطف بين كُلّ مسلمٍ وأخيه، والأب يصطحب أطفاله إلى التوصيل، أو الشراء كذلك؛ مُعلِّماً ومُربيّاً لذُرّيته على الرحمة، والتكافُل الاجتماعيّ الذي يُقوّي المجتمع.
- توعية المجتمع على أهميّة الحرص على البذل والتضحية؛ في سبيل إسعاد المسلمين جميعهم؛ فالعيد فرحةٌ للجميع -كما سبق الذِّكر-، وعلى كُلّ مسلمٍ أن يبذل ما تجود به نفسه من الخير؛ فيَسعد، ويُسعِد، وينال الثواب من ربّه -تبارك وتعالى-.
نَشْر البهجة في العيد
تُعَدّ البهجة التي تنزل على قلوب المسلمين في حلول الأعياد بهجة عظيمة تزداد فيها الأرواح جمالاً أخلاقيّاً، وحُبّاً ربّانياً، فيفرح المسلمون بعد إتمام العبادات، كعيد الفِطر الذي يكون بعد صيام شهر رمضان المبارك الذي أتمّه ربّهم -سبحانه وتعالى- عليهم بالرحمة والغفران بعد أن بلّغهم إيّاه في سعادةٍ، واطمئنانٍ؛ فالعيد فرحةُ قلب للمسلم بعد أن أدّى فرضه، وعبد ربّه حقّ عبادته، كما أنّ الخيرات من الله -تعالى- تعمّ البشريّة؛ ولذلك فإنّ على المسلمين أن يتخلّقَ بالأخلاق والآداب في موسم الأعياد؛ بأن يتواصَوا على الخير، والتسامُح، والبِرّ، والإحسان، وصِلة الأرحام ، وإكرام الفقراء، والعَفو، والصَّفح، وبلك تكتمل فرحتهم بطاعتهم لله -تعالى-، قال الله -عزّ وجلّ- في كتابه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ومن أهمّ الآداب التي يُستحسَن للمسلم أن يتحلّى بها في العيد:
- تفقُّد الفقراء والمحتاجين من المسلمين، وإكرامهم بما فتح الله، فلا يشعرون بالنقص، أو الحرمان.
- تبادل عبارات التهنئة بين المسلمين؛ إذ إنّ ذلك ممّا يزيد المَحبّة والأُلفة بينهم.
- صِلة الأرحام، والتواصي بالزيارة والإحسان للأقارب، والجِيران.