هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي
تفسير آية (هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي)
قال تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾
- (هذا): المقصود بها هنا خلق السماوات والأرض وما له علاقة بهما.
- (خلق الله): أي المخلوقات التي خلقها الله -سبحانه وتعالى-.
- (فأروني ماذا خلق الذين من دونه): تخاطب هذه الآيه الكفار والمنافقين الذين يعبدون من دون الله ولا تنفعهم ولا تضرهم، والاستفهام هنا للتوبيخ ، فأروني ماذا فعلوا لكم لتعبدوهم ، هل خلقوا شيئاً؟ هل استجابوا لكم؟، وهذا الأمر هنا لبيان عجزهم وعدم قدرتهم على شيء، فالله هو الأحق بالعبادة
- (بل الظالمون في ضلال مبين): يبين الله -سبحانه وتعالى- حال من يتخذ من دون الله أندادًا، إنهم هم الظالمون لأنهم يعبدون من دون الله أصناماً فهؤلاء في ضلال ، فهم في جهل وعمى يتيهون عن طريق الحق فلا يهتدون إلى الطريق الصحيح.
مظاهر خلق الله الواردة في القرآن
إن مظاهر خلق الله في القرآن هي بيان لقدرة الله -عز وجل- ودعوة إلى تنبيه الغافلين عن ذكر الله بتدبر آياته والعمل به، قال -تعالى-: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
ومن مظاهر قدرة الله خلق الليل والنهار ، وتقدير اختلاف الليل المظلم والنهار المتفتح يدل على أن الله -سبحانه- هو الفرد الصمد الذي يتفرد بالعبودية، ولا يشرك به أبدًا، قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ).
خلق الله -سبحانه وتعالى- السماوات ورفعها بغير عمد، والأرض، والنباتات، والطيور التي ترفرف بأجنحتها، وهناك العديد من مظاهر قدرة الله لا تعد ولا تحصى.
قال -تعالى-: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ .
خلق السماوات بغير عمد
السماء هي: مكان هو الفضاء، والفضاء واسع لا نهاية له، اختلف العلماء في السماوات فمنهم من قال أنها مبسوطة كصفيحة مستوية وهذا قول المفسرين، ومنهم من قال أنها مستديرة وهذا قول المهندسين.
وتظهر قدرة الله -تعالى- في خلق السماء بشكل كبير؛ إذ إن السماوات متوازنة مستوية لا خلل فيها، وقول بغير عمد؛ العمد هو الدعائم، أي لا شيء يمنعها من الزوال إلا بقدرة الله -عز وجل-، وفي العمد وجهان كما يأتي:
• الأول: يعود إلى السماوات أي أنها ليست بعمد ونحن نراها كذلك.
• الثاني: يعود إلى العمد الغير مرئيه ،وإن كانت غير مرئيه فهذا يعود لقدرة الله عز وجل فعندما يقول لشيء من فيكون.
ألقى في الأرض رواسي
الرواسي هي: الجبال الثابته في نفسها،وتثبت بها الأرض، والمعنى المراد هنا أن الله -سبحانه- جل في قدرته خلق الجبال الثوابت، فلولا تلك الجبال ما أقرت عليها خلقاً، بعد أن كانت تميد بكم؛ ومعنى تميد هنا أي مضطربة وتتحرك وتمور مورًا.
بث في الأرض من كل دابة
الدابة هي : اسم لكل ما أكل وشرب، وكل ما دب على الأرض؛ أي مشى عليها، وبعث الله في الأرض دواب منه من يمشي على رجلين ومنه من يمشي على أربع ومنهم على بطنه.
وهذه الدواب من كل شكل ونوع لا يحصي عددها إلا الخالق -عز وجل-، وهناك في الأرض حقائق وعجائب لا يعلمها إلا الله -سبحانه وتعالى-.
أنزل من السماء ماء
أي أن الله -سبحانه وتعالى- أنزل من السماء مطرًا غيثًا، أحيا به الأرض وبث فيها من كل زوج، وأنبت الله تعالى من الأزواج الكريم؛ أي النبات الحسن، تجلت قدرة الله في كل شيء ، فقد سخر الله الأرض ومن عليها والجبال، والشمس والقمر والبحار لخدمة الإنسان.
وفي كل يوم يمضي يكتشف العلماء مظاهر من قدرة الله في الكون، وهناك مظاهر كونية عديدة ذُكرت في القرآن لم يكتشفها العلم إلا بعد فترة من الزمن.
ولقد برهن القرآن أن الله -سبحانه وتعالى- هو العالم بأمور الغيب فقد تجلت الحقائق في القرآن قبل اكتشافها، وما زال هناك المزيد لنكتشفه فالله الخالق له حكمة في كل شيء خلقه.