كيف أحفظ جزء من القران
كيفيّة حِفظ جزء من القرآن الكريم
يتفاوت الناس في طريقتهم المُتَّبعة في حِفظ القرآن الكريم ؛ فمنهم من يُقسّم ما يريد حِفظه إلى عدّة أقسام، يتضمّن كلٌّ منها خمسة أسطر يقرؤها، ثمّ يحفظها، ويُكرّرها إلى أن يُثبّت حِفظها، ويسير على ذلك في الأسطر جميعها إلى أن يُنهيَ ما أراد حِفظه، ومنهم من يُقسّم ما يريد حِفظه إلى صفحات؛ فيقرأ الصفحة، ويُكرّرها حتى يحفظَها، ومنهم من يُقسّم حِفظه إلى أكثر من صفحة، ويختلف ذلك باختلاف الشخص؛ فكلّ إنسان يسير وِفق ما يُناسبه، ووِفق ما يكون يسيراً عليه.
الطريقة الأولى
تبدأ هذه الطريقة بالاستعانة بالله -تعالى- أوّلاً، وحِفظ صفحة في كلّ يوم، وعند إتمام حِفظ الصفحة، يُقرَأ الجزء الذي يلي جزء الصفحة التي تمّ حِفظها؛ بالنَّظَر فيه كلّه؛ فمثلاً إن أراد أن يحفظَ (جزء عمّ)، فإنّه يحفظ كلّ يوم صفحة منه، وبعد أن يحفظ الصفحة، يقرأ جزء تبارك كاملاً بالنظر إليه، وهو بهذا سيكون قد قرأ (جزء تبارك) عشرين مرّة عندما ينتهي من حِفظ جزء عمّ، وعندما يبدأ بحِفظ جزء تبارك ، فإنّه يكون قد قرَأه عشرين مرّة، ممّا يعني أنّه سيكون سهلاً ومألوفاً لديه، وهكذا في الأجزاء جميعها، ويأخذ الجزء الواحد عند قراءته بالنَّظَر ما يقارب نصف ساعة، ويمكن ذلك على مرحلتَين، كما يمكن أن تُستبدَل القراءة بالسماع، والأفضل أن يعتمد الشخص يوماً على النَّظَر، ويوماً على السَّماع، وإن كان من الصعب حِفظ صفحة، وقراءة جزء كلّ يوم لسببٍ ما، كالكبر في السنّ، أو وجود صعوبة في الحِفظ، أو ما إلى ذلك، فإنّه يحفظ نصف صفحة، ويقرأ نصف جزء، ويُنصَح في هذه الطريقة بأخذ استراحة كلّ أسبوع مدّة يوم أو يومَين؛ بهدف مراجعة ما تمّ حِفظه في باقي الأيّام، وأفضل طريقة للحِفظ سماعُ القرآن من القُرّاء، وتلقّيه عنهم، وأن يُسمّع الشخص ما حَفِظه لقارئ؛ كي يُصحِّح له ما يقرَأ.
الطريقة الثانية
تمتاز هذه الطريقة بسرعتها، والحِفظ الناتج عنها يكون ثابتاً وراسخاً في الذاكرة، وتسير هذه الطريقة وِفق تقسيم المُراد حِفظه إلى آيات، والبَدء بهذه الآيات آية آية، ثمّ قراءة كلّ آية عشرين مرّة، وعند الانتهاء ينتقل إلى الآية التي تليها، ويقرؤها عشرين مرّة، وهكذا إلى أن ينتهي من الآيات جميعها، ولا يزيد الحافظ في هذه الطريقة عن حِفظ ثُمُنٍ من القرآن الكريم؛ كي لا يكون ما يحفظه كثيراً فينساه سريعاً، وقبل أن ينتقل إلى ما يُريد حِفظه في اليوم التالي، يقرأ ما حَفِظه في اليوم السابق كاملاً عشرين مرّة؛ ليضمنَ ثباته، ورسوخه، ثمّ ينتقل إلى ما يُريد حِفظه، ويسير بالطريقة ذاتها.
الطريقة الثالثة
يتمّ تقسيم الصفحة من القرآن في هذه الطريقة إلى خمسة أقسام، كلّ قسم يتضمّن ثلاثة أسطر -ولا يُنصَح بأن يزيد القسم إلى أن يصل إلى أربعة أسطر أو يقلّ إلى سطرَين-، ثمّ تُقرَأ الأسطر الثلاثة بالنَّظَر إليها من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة، ولا يرفع بصرَه عنها حتى لو حَفِظها من المرّة الأولى؛ لأنّ الهدف هنا أن تنطبع صورة الآيات في الذِّهن، فيكون سهلاً عليه أن يتذكّرها في المستقبل، وبعد الانتهاء من القراءة يُعيدها من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة غَيباً، وفي حال وقع منه خطأ في حَرف أو في كلمة مُعيَّنة، فإنّه يُكرِّرها مع الكلمة التي قبلها، والكلمة التي بعدها، بنفس عدد تكرار القسم كاملاً؛ أي من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة، ويتّبع ذلك أيضاً في رَبط آخر الصفحة مع أوّل الصفحة التي تَليها، وبعد أن يحفظ ثلاثة أسطر، ينتقل إلى الأسطر الثلاثة التي تَليها، ويُكرّرها بالطريقة نفسها، وبعد أن ينتهي منها يُعيدُ القسمَين معاً ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة يُكرّر القسمَ مع الذي قبله ثلاث مرّات إلى أن ينتهي من الصفحة كلّها، وتُسمّى هذه الطريقة ب(طريقة الحِفظ التراكميّة).
الحِرص على حِفظ القرآن
يقول الله -تعالى- في كتابه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)؛ فالقرآن الكريم سهلٌ مُيسَّر على مَن أراد أن يحفظَه، ويقول القرطبيّ -رحمه الله- في معنى هذه الآية إنّ الله -تعالى- سَهَّلَ حِفظ القرآن وأعان عليه مَن يريد أن يحفظَه، كما أنّ علوم القرآن تُعَدّ من أرفع العلوم، وأعظمها؛ فهو النور، والشفاء، والحكمة ، وقد قدّم شيخ الإسلام ابن تيمية تعلُّم القرآن الكريم على ما سواه من العلوم؛ سواءً العلوم الدنيويّة، أو العلوم الدينيّة بفروعها وأصولها؛ فالأصل في ذلك كلّه البَدء بحِفظ القرآن الكريم، وفَهمه، والعمل به وِفق مَنهج السَّلَف الصالح ، وفي ذلك اقتداء بهم -رضوان الله عليهم-؛ فقد كان حِرصهم على القرآن الكريم لا مثيل له؛ فمنهم من أتمّ حِفظه وهو في السابعة من عمره، ومنهم من حَفِظه كاملاً في أقلّ من شهر، ولعلّ أكبر ما يرتكبه طالب العلم من الأخطاء في مَنهج طلبه العلم عدم حِفظ القرآن، أو عدم إجادة قراءته.
أثر التمسّك بالقرآن الكريم
القرآن الكريم هو روح الهداية ، ومَن تمسّكَ به فقد وُهِب من هذه الروح، وفتح الله -تعالى- له أبوابَ التوفيق إلى كلّ خير، وأخرجه من ظلمات الجهل إلى أنوار الطريق المستقيم؛ قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، والروح المذكورة في الآية الكريمة إنّما هو القرآن الكريم؛ فمَن سار على النَّهْج القرآنيّ في حياته كلّها فقد هداه الله -تعالى-، وذلك هو طريق الفوز في الدُّنيا والآخرة ، وفي ذلك بُعدٌ عن الضلال في كليهما، ومن آثار التمسُّك بالقرآن الكريم التمكين في الأرض، والأمن، والاستقرار، والبُعد عن الخوف والقلق.