نقص الغدة الدرقية للحامل
نقص الغدة الدرقية عند الحامل
يُعدّ نقص الغدة الدرقية أو خمول الغدّة الدرقية أو قصور الدرقيّة (بالإنجليزية: Hypothyroidism) أكثر اضطرابات الغدّة الدرقية شيوعًا، وفيه لا تتمكّن الغدّة من إنتاج كميّات كافية من هرموناتها، وتُمثّل الغدّة الدرقية التي تُشبه الفراشة في شكلها الخارجي أحد أجزاء جهاز الغدد الصمّاء، وتقع أسفل تفاحة آدم، وتجدر الإشارة إلى أنّ عمل الغدّة الدرقية يُنظَّم بفعل الهرمون المُنبّه للدرقية (بالإنجليزية: Thyroid-stimulating hormone)، واختصارًا TSH الذي تُفرزه الغدّة النخامية (بالإنجليزية: Pituitary Gland) الموجودة في الدّماغ، إذ تُنتج الغدّة الدرقية هرمونين أساسيين للجسم؛ هما: الثايروكسين (بالإنجليزية: Thyroxine) أو ما يُعرف ب T4، وثلاثي يودوثيرونين (بالإنجليزية: Triiodothyronine) أو ما يُعرف ب T3، وتلعب هذه الهرمونات دورًا مهمًّا في عملية الأيض (بالإنجليزية: Metabolism)، وهي العملية التي يُحوّل فيها الجسم الطعام إلى طاقة.
ولفهم أهمية علاج نقص الدرقية أثناء الحمل يجدر بيان أنّ الجنين خلال أول 18-20 أسبوعًا من الحمل يعتمد اعتمادًا كليًا على أمّه للحصول على هرمونات الغدة الدرقية، ثمّ في منتصف الحمل يبدأ جسم الجنين تصنيع هرمونات الدرقية، إلا أنّه يعتمد على الأم في امتصاص وأخذ اليود اللازم لتصنيع هذه الهرمونات، فكما هو معلوم أنّ اليود عنصر مهم لتصنيع الدرقية لهرموناتها. ومن المهمّ توضيحه أنّ بعض الحالات يتطور فيها نقص الدرقية أثناء الحمل، بينما في حالات أخرى تكون المرأة مصابة بنقص الدرقية ثمّ تحمل، وهنا نهيب بأهمية السيطرة على مستويات الدرقية والهرمون المنبه للدرقية قبل حدوث الحمل، ثمّ مراجعة الطبيب فور معرفة وجود حمل، وذلك لتعديل جرعة الدواء بما يتناسب مع حاجة الأمّ وجنينها.
أعراض نقص الدرقية للحامل
قد لا يُعاني بعض المُصابين بنقص الدرقية البسيط أو المُبكّر من ظهور أي أعراض متعلّقة بهذا الاضطراب، أمّا بالنسبة للسيدات الحوامل ففي الواقع توجد العديد من الأعراض التي قد تظهر عليهنّ في حال المعاناة من اضطراب نقص الدرقية، ولكن لا يمكن ربط هذه الأعراض مع هذا الاضطراب بشكل قاطع؛ نظرًا لكونها تشبه أعراض الحمل في الوضع الطبيعي، لذلك يمكن اللجوء إلى إجراء فحص الدّم لبيان ما إذا كانت هذه الأعراض متعلقة بنقص الدرقية أم لا؛ ومع هذا تُعدّ كل من هشاشة الأظافر، وتضخّم الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Goiter)، وتساقط الشعر أعراضًا متعلّقة بنقص الدرقية فقط، في حين قد تتضمّن الأعراض المتشابهة مع أعراض الحمل ما يأتي:
- زيادة الوزن.
- احتباس السوائل في الجسم (بالإنجليزية: Fluid Retention).
- الإمساك.
- جفاف الجلد والشعر.
- التعب العام.
- الشعور بالبرد.
- اضطراب دورة الحيض لدى النساء.
أسباب نقص الدرقية للحامل
تتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى نقص هرمونات الغدة الدرقية لدى النساء الحوامل، وفيما يأتي بيان أهمّها:
التهاب الدرقية المناعي الذاتي
يُعتبر داء هاشيموتو (بالإنجليزية: Hashimoto's Disease) السبب الأكثر شيوعًا لنقص الدرقية في حال كان مستوى اليود الذي يتم الحصول عليه من الغذاء كافيًا، ويُمكن تعريف داء هاشيموتو على أنّه مرض مناعي ذاتي (بالإنجليزية: Autoimmune Disease) يُهاجم فيه الجهاز المناعي في الجسم أنسجة الغدة الدرقية السليمة عن طريق الخطأ، وفي الواقع إنّ السبب الدقيق الكامن وراء الإصابة بداء هاشيموتو غير معروف، إلّا أنّ العديد من العوامل قد تلعب دورًا في ذلك؛ حيث يُعتَقد أنّ الجينات أحد هذه العوامل؛ نظرًا لأنّ المصابين بداء هاشيموتو غالبًا ما ينتمون لعائلات فيها أفراد آخرون يُعانون من أمراض الدرقية أو أمراض مناعية ذاتية أخرى، وهذا يُفسّر إمكانية أن يكون للجينات دور في التسبّب بداء هاشيموتو.
نقص اليود
يُعدّ عنصر اليود الركيزة الأساسية التي يحتاجها الجسم لمُساعدة الغدة الدرقية على تصنيع هرموناتها، وتجدر الإشارة إلى أنّ نقص اليود (بالإنجليزية: Iodine Deficiency) الشديد قد يؤدي إلى قصور الدرقية، ويُرافق ذلك مُضاعفات صحيّة تتضمّن تأخر النمو (بالإنجليزية: Growth Retardation) ومتلازمة نقص اليود الخلقي (بالإنجليزية: Cretinism) للأجنة، بالإضافة إلى مُضاعفات متعلّقة بالأعصاب والنمو المعرفي للطفل؛ وذلك لأنّ نمو الدّماغ السليم يعتمد على وجود كميّات كافية من هرمونات الدرقية.
علاجات فرط الغدة الدرقية
قد تتسبب إزالة أورام الغدة الدرقية والعلاجات الأخرى المُستخدمة للسيطرة على فرط نشاط الغدّة الدرقية (بالإنجليزية: Hyperthyroidsim) بالمعاناة من خمول الغدة الدرقية، وفي الواقع إنّ استئصال الغدة (بالإنجليزية: Thyroidectomy) كاملةً سيؤدي حتمًا إلى ذلك، وبحسب الجمعية الأمريكية للغدة الدرقية فإنّ احتمالية المعاناة من خمول الغدة الدرقية بعد استئصال جزء منها تصل إلى 15%.ولمعرفة المزيد عن استئصال الغدة الدرقية يمكن قراءة المقال الآتي: ( استئصال الغدة الدرقية ).
ومن الأسباب الأخرى لنقص الغدّة الدرقية الأدوية المُضادة التي تمنع الدرقية من إنتاج هرموناتها والتي قد تُستخدم في بعض حالات فرط نشاط الغدة الدرقية، وكذلك الاستئصال باليود المُشعّ (بالإنجليزية: Radioactive Iodine Ablation) المُستخدم لعلاج داء جريفز (بالإنجليزية: Graves' Disease) المُسبب لفرط النشاط أيضًا.
عوامل خطر نقص الدرقية عند الحامل
توجد العديد من عوامل خطر الإصابة باضطرابات الغدة الدرقية أثناء الحمل، نذكر منها ما يأتي:
- تضخّم الغدة الدرقية.
- اختلال الغدة الدرقية؛ ووجود علامات وأعراض دالّة على الإصابة بأمراض الغدة الدرقيّة.
- التعرّض المُسبق للعلاج الإشعاعي في منطقة الرقبة.
- وجود إجهاضات سابقة أو ولادات مبكّرة.
- وجود تاريخ مرضي شخصي للمعاناة من داء السكري من النوع الأول (بالإنجليزية: Type 1 Diabetes Mellitus) أو أيّة أمراض مناعة ذاتية أخرى؛ وفي مثل هذه الأمراض يُهاجم الجهاز المناعي خلايا وأعضاء الجسم السليمة كما بيّنّا.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض الدرقية الناتجة عن أمراض المناعة الذاتية.
تأثير نقص الدرقية في صحة الأم والجنين
يعتمد نمو الجنين خلال الأشهر الأولى من الحمل على هرمونات الغدة الدرقية الخاصة بالأم، وفي الواقع إنّ لهذه الهرمونات دورًا حيويًا في نمو جسم ودماغ الجنين، وقد وُجِدَ أنّ حصول المرأة الحامل على العلاج المناسب لنقص هرمونات الغدة الدرقية أثناء الحمل يُجنّب الحامل والجنين التعرّض للمُضاعفات التي قد تؤثر فيهما أثناء هذه الفترة، إذ يمكن تفادي بعض مُضاعفات نقص الدرقية باستخدام مكمّلات اليود قبل الحمل أو أثناء المراحل الأولى منه إن كان نقص هرمونات الدرقية ناتجًا عن نقص اليود ؛ لما لذلك من أهميّة لكلّ من الأم والجنين؛ فاستخدام هذه المكمّلات يساهم في الحدّ من إصابة الجنين بمتلازمة نقص اليود الخَلقي، إضافة إلى أنّه يُقلل من معدّلات الوفاة المبكّرة في مراحل ما قبل الولادة أو حينها، كما يزيد من وزن الجنين عند الولادة، ومن المُضاعفات التي قد تُصاحب نقص الغدّة الدرقية الشديد أو تظهر في حال عدم مُعالجة هذا النقص بالطريقة الصحيحة ما يأتي:
- فقر الدّم (بالإنجليزية: Anemia).
- انخفاض وزن الطفل عند الولادة.
- ولادة جنين ميّت (بالإنجليزية: Stillbirth).
- الإجهاض .
- الإصابة بما قبل تسمّم الحمل (بالإنجليزية: Preeclampsia)؛ وهي حالة طبية يرتفع فيها ضغط دم الحامل بصورة كبيرة في المراحل الأخيرة من الحمل، ويكون مصحوبًا في العادة بارتفاع مستوى البروتين في البول.
تشخيص نقص الدرقية للحامل
تجدر الإشارة إلى أهمية تشخيص نقص الغدّة الدرقية أثناء الحمل والبدء الفوريّ بعلاجه، وحقيقةً عادة ما تُشخّص مشكلة قصور الدرقية من خلال قياس مستوى الهرمون المُنبّه للدرقية في الدم؛ إذ يجدر بيان أنّ ارتفاع مستوى هذا الهرمون يشير إلى عدم إنتاج الغدّة الدرقية لكميّات كافية من هرموناتها، واستجابة لهذا النّقص فإنّ الغدة النخامية تُفرِز كميّات أكبر من الهرمون المُنبّه للدرقية لتحفيز الغدّة الدرقية على إنتاج هرموناتها بشكلٍ كافٍ، ومن الفحوصات الأخرى التي يُلجأ إليها لتشخيص القصور: قياس مستوى هرمون الثايروكسين T4 الذي يُفرَز مباشرة في الدم؛ إذ إنّ مستوى هذا الهرمون يكون منخفضًا لدى الذين يُعانون من قصور الغدة الدرقية، كما يمكن قياس مستوى العديد من الأجسام المضادّة التي تُهاجم خلايا وأعضاء الجسم السليمة والتي يتم إنتاجها في حال الإصابة بأمراض المناعة الذاتية؛ كما هو الحال عند الإصابة بداء هاشيموتو.
علاج نقص الدرقية للحامل
إنّ الهدف من علاج نقص الدرقية لدى الحامل هو الوصول بمستوى هرمونات الغدّة الدرقيّة إلى المستويات الطبيعية لها، وذلك لأنّ فوائد العلاج لا تقتصر على الأم فقط، بل تشمل الجنين كذلك، وتجدر الإشارة إلى أنّه في حال تمّ إجراء فحص هرمونات الدرقية أثناء الحمل وكانت النتائج غير مثالية فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة معاناة الحامل من مشاكل صحيّة أثناء الحمل نتيجة لذلك، وعلى الرغم من أنّ نسبة حدوث المُضاعفات قد ترتفع قليلًا في هذه الحالة، إلّا أنّه يُتوقّع إتمام مراحل الحمل بشكل طبيعي، وتجدر الإشارة إلى أنّ رعاية ما قبل الحمل وتثقيف المصابة تُعتبر من الأمور الأساسية عند النساء المصابات باضطرابات الغدة الدرقية من أجل منع مضاعفات الحمل.
يمكن علاج نقص الغدة الدرقية من قِبل طبيب مُختصّ باستخدام هرمون مصنّع يسمّى الليفوثاروكسين (بالإنجليزية: Levothyroxine) الذي يُشبه في تركيبته هرمون الثايروكسين T4 الذي تُنتجه الغدّة الدّرقيّة، وفي حالات الحمل يجري الطبيب تعديلًا على جرعة الدواء بشكل يتناسب مع ارتفاع حاجة الجسم لهرمون الدرقية خلال هذه الفترة، ويُتابع الطبيب بعد ذلك نتائج العلاج كل 4-6 أسابيع من خلال إجراء فحوصات وظائف الدرقية أثناء مراحل الحمل المختلفة، ويجدر التنويه إلى أنّ مكمّلات الحديد والكالسيوم قد تُعيق امتصاص هرمون الليفوثاروكسين في الجسم، لذلك يجب الفصل بينهما بفترة زمنية تتراوح بين 3-4 ساعات من تناول الليفوثاروكسين، أمّا بالنّسبة لنقص اليود، فلا توجد فحوصات فردية تُفيد في الكشف عن مستوى اليود في الجسم، لذلك تُنصح النساء الحوامل والمُرضعات وحتّى المُقبلات على الحمل بتناول مُكمّلات الفيتامينات المتعدّدة (بالإنجليزية: Multivitamins) المحتوية على اليود، وذلك بشكل يوميّ.
الوقاية من نقص الدرقية
في الواقع، لا توجد آلية محددة أو إجراء مُعيّن يمكن اتّباعه للوقاية من نقص الدرقية؛ ويمكن استخدام الملح المُعالَج باليود (بالإنجليزية: Iodized Salt) في البلدان التي يشيع فيها نقص اليود، أمّا بالنّسبة للمناطق التي لا يشيع فيها استخدام الملح فتكون مُكمّلات اليود هي الحل المُساعد لمنع الإصابة بقصور الغدة الدرقية، وعلى النقيض تماماً، تحتوي الأنظمة الغذائية في الدول المتقدّمة على مصادر متعددة لليود، ويمكن القول إنّه ولحسن الحظ من الممكن السيطرة على اضطراب نقص الدرقية من خلال التشخيص الصحيح المُبكّر مع الفهم الكامل لعوامل خطر الإصابة بهكذا اضطراب، إضافة إلى التعرّف على أعراضه والمُضاعفات الناتجة عنه، ويُنصح دائمًا بإجراء فحوصات وظائف الدرقية للنساء الحوامل المُعرّضات لأمراض الدرقية أكثر من غيرهن أي اللاتي يُوجد لديهنّ عامل خطر أو أكثر للإصابة بمشاكل الدرقية، حتّى وإن لم تظهر عليهنّ أيّ أعراض لنقص الغدة الدرقية، ويُجرى هذا الفحص إمّا خلال الأسبوع التاسع من الحمل أو مع أول مراجعة للحمل، ويجب كذلك أن تستشير الحامل طبيبها في مراحل حملها المبكرة إن كانت بحاجة لإجراء فحوصات الدم اللازمة للدرقية، هذا ويجدر التنبيه إلى أهمية قياس مستوى الهرمون المنبه للغدة الدرقية قبل حدوث الحمل (أي أثناء التخطيط له) لدى النساء اللاتي يُعانين من مشاكل الدرقية وخاصة اللاتي ترتفع لديهن الأجسام المضادة للدرقية؛ إذ يكنّ عرضة للإصابة بقصور الغدة الدرقية أثناء الحمل، وتُنصح هذه الفئة من النساء كذلك بفحص الهرمون المنبه للدرقية خلال الثلث الأول والثاني من الحمل، مع الالتزام بتعليمات الطبيب عامة، مع التنبيه على أنّ مستوى الهرمون المنبّه للدرقية يختلف خلال الفترتين قبل وبعد الحمل؛ خاصّة خلال الثلاثة أشهر الأولى منه.