نظرية المدرسة الطبيعية
نظرية المدرسة الطبيعية
إن المدرسة الطبيعية هي أول مدرسة فلسفية تشكلت كتيار يدعو إلى دراسة أصل الوجود، ولكن هذه الدراسة تستند على أسس مادية، فعلى الرغم من أن الفلاسفة الطبيعيين تأثروا بالمعتقدات الدينية إلا أن بحثهم تمحور حول أصل الأشياء، وانقسم الفلاسفة الطبيعيون إلى مدرستين رئيسيتين، وهما الطبيعيون الأولون، والطبيعيون المتأخرون، ومن خلال نظرياتهم تأسس المذهب الطبيعي.
الطبيعيون الأوليون
وهم فلاسفة يونانيون عُرفوا بأنهم من أول الفلاسفة، بالإضافة إلى كونهم علماء، وأسماء هؤلاء الفلاسفة هي كالتالي:
طاليس الملطي
وهو فيلسوف يوناني، وعالم رياضيات، وعالم فلك، بحث في العنصر الأولي الذي تتكون منه الأشياء، وتوصّل إلى ضرورة وجود عنصر بسيط، غير معقد، وتوصل إلى أن الماء هو هذا العنصر، وقد ذكرت المراجع أن طاليس تأثر بالعلوم البابلية، والمصرية، إلا أنه من الجدير بالذكر أن طاليس عاش في جزيرة تحيط بها الماء، وتأثر بالعامل الجغرافي الذي يحيط به.
أنكسيمندريس
وهو تلميذ طاليس، وتوصل إلى نتيجة مفادها أنه من المستحيل رد الوجود والأشياء إلى عنصر واحد، فاستنتج أن هناك مادة أولية تدعى الأبيرون، أو اللامتناهي، ويقصد بكونها لا متناهية أي أنها من حيث الكيف لا يمكن تعيينها، ومن حيث الكم لا محدودة، فهي تتشكل من أضداد، مثل الحار والبارد، الرطب واليابس، وتتميز هذه الصفات بأنها متساوية، أي لا تتقدم صفة على أخرى، وما يجمع هذه الصفات ويفرقها هما الحب والكراهية، ولذلك، تتشكل باقي الأشياء كنتيجة لاجتماعها أو انفصالها.
أنكسيمانس
وهو تلميذ أنكسيمندروس، لم يتأثر كثيرًا بأفكار أستاذه، ولكنه رجع إلى أفكار طاليس، واعتقد أنه من الممكن أن يتم رد الوجود إلى عنصر أولي واحد، ولكن هذا العنصر ليس الماء، فقد اقترح أن يكون الهواء، وذلك للعديد من الأسباب، أهمها:
- الهواء عنصر خفيف، وأقل ثقلًا من العناصر الأخرى.
- يتميز الهواء ببساطة تركيبه.
- الهواء أكثر انتشارًا من الماء، ويحيط بالكرة الأرضية من خلال ما يُعرف بالغلاف الجوي.
هيراقليطس
وهو فيلسوف يوناني ينتمي إلى أسرة عريقة، قامت نظريته الطبيعية على أساس أن الأشياء في تغير مستمر، وله مقولة مشهورة: "إنك لا تنزل في ذات ماء النهر مرتين" كنتيجة عن الحركة المستمرة، أما من حيث العنصر الأول للوجود، فقد ذهب إلى أن النار هي العنصر الأولي.
الطبيعيون المتأخرون
وهم مجموعة من الفلاسفة تأثروا بالطبيعيين الأوليين، و الفلسفة الفيثاغورية والإيلية، واستكملوا بحث الفلاسفة الطبيعيين الأوليين حول العنصر الأولي الذي ترد إليه الأشياء، ومن أهمهم:
أنبادوقليس
نشأ في إحدى مدن صقلية، وترجع أصوله إلى عائلة ثرية، وذات نفوذ، لم يقتنع أنبادوقليس بفكرة رد الأشياء إلى عنصر أول، وذكر أن الوجود يتكون من أربعة عناصر طبيعية، وأن كل عنصر له كيفية خاصة به، وهذه العناصر هي:
- الماء، وخاصيتها الرطوبة.
- الهواء، وخاصيته البرودة.
- النار، وخاصيتها الحرارة.
- التراب، وخاصيته اليُبْس.
وتجدر الإشارة إلى أن التراب كان مستبعدًا كعنصر أولي؛ بسبب ثقل وزنه، واعتقد الفلاسفة أنه عنصر مركب، ويتكون من عناصر أخرى.
النظرية الطبيعية في العصور الحديثة
استندت النظرية الطبيعية في العصور الحديثة على أفكار العديد من الفلاسفة، أهمها فكرة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو ، الذي اهتم بالفلسفة السياسية، وتحديدًا مفهوم الحرية والتربية، وحدد روسو ثلاثة مفاهيم للطبيعة، يرتكز المفهوم الأول على العالم الخارجي، أو الكون الذي تنظر له الذات الإنسانية، فالطبيعة هي تقاطعات تخضع لمقولات الزمان والمكان، ويتأثر الإنسان بها.
أما المفهوم الثاني للطبيعة، فيقصد به العالم الداخلي للإنسان، وهو طبيعته التي تشمل على غرائزه وميوله، وما فُطِر عليه، وهذا ما أسس عليه نظريته في العقد الاجتماعي ، وذكر روسو أن هذه الطبيعة خيرة، وهذه المرحلة، تسمى بمرحلة ما قبل العقد، أي قبل الاتفاق على ضرورة وجود سلطة، وأكد على أن هذه الفترة هي هبة من الله، وليست نتيجة لضبط السلوك الإنساني.
أما المفهوم الثالث للطبيعة، فيرتبط بالبعد الاجتماعي، فالإنسان في مرحلة ما قبل العقد كان كائنًا اجتماعيًا، ولم يألف أن يعيش وحيدًا، وكان الناس يعملون سويًا، دون أي حقد، ونتيجة لتملك الإنسان، بدأ يحرص على صيانة ممتلكاته، وحفظ الحقوق، لذلك اتفق الناس على ضرورة وجود سلطة تحمي هذه الحقوق وتصون حرية الأفراد وتفض النزاعات، ومن هنا يظهر أن روسو اعتمد في نظريته على دراسة الطبيعة البشرية.