أبيات للمتنبي عن الفراق
فراق ومن فارقت غير مذمم
فراق ومن فارقت غير مذمم
- وأم ومن يمّمت خير ميمم
وما منزل اللذات عندي بمنزل
- إذا لم أبجل عنده وأكرم
سجية نفس ما تزال مليحة
- من الضيم مرمياً بها كل مخرم
رحلت فكم باكٍ بأجفان شادن
- علي وكم باكٍ بأجفان ضيغم
وما ربة القرط المليح مكانه
- بأجزع من رب الحسام المصمم
فلو كان ما بي من حبيب مقنع
- عذرت ولكن من حبيب معمم
رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى
- هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
- وصدق ما يعتاده من توهم
وعادى محبيه بقول عداته
- وأصبح في ليل من الشك مظلم
أصادق نفس المرء من قبل جسمه
- وأعرفها في فعله والتكلم
وأحلم عن خلي وأعلم أنه
- متى أجزه حلما على الجهل يندم
وإن بذل الإنسان لي جود عابس
- جزيت بجود التارك المتبسم
وأهوى من الفتيان كل سميذع
- نجيب كصدر السمهري المقوم
خطت تحته العيس الفلاة وخالطت
- به الخيل كبات الخميس العرمرم
ولا عفة في سيفه وسنانه
- ولكنها في الكف والطَّرفِ والفم
وما كل هاوٍ للجميل بفاعل
- ولا كل فعال له بمتمم
فدى لأبي المسك الكرام فإنها
- سوابق خيل يهتدين بأدهم
أغر بمجد قد شخصن وراءه
- إلى خلق رحب وخلق مطهم
إذا منعت منك السياسة نفسها
- فقف وقفة قدامه تتعلم
يضيق على من راءه العذر أن يرى
- ضعيف المساعي أو قليل التكرم
ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت
- وكان قليلا من يقول لها اقدمي
شديد ثبات الطرف والنقع واصل
- إلى لهوات الفارس المتلثم
أبا المسك أرجو منك نصرا على العدا
- وآمل عزا يخضب البيض بالدم
ويوما يغيظ الحاسدين وحالة
- أقيم الشقا فيها مقام التنعم
ولم أرج إلا أهل ذاك ومن يرد
- مواطر من غير السحائب يظلم
فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها
- بقلب المشوق المستهام المتيم
ولا نبحت خيلي كلاب قبائل
- كأن بها في الليل حملات ديلم
ولا اتبعت آثارنا عين قائف
- فلم تر إلا حافرا فوق منسم
وسمنا بها البيداء حتى تغمرت
- من النيل واستذرت بظل المقطم
وأبلج يعصي باختصاصي مشيره
- عصيت بقصديه مشيري ولومي
فساق إلي العرف غير مكدر
- وسقت إليه الشكر غير مجمجم
قد اخترتك الأملاك فاختر لهم بنا
- حديثا وقد حكمت رأيك فاحكم
فأحسن وجه في الورى وجه محسن
- وأيمن كف فيهم كف منعم
وأشرفهم من كان أشرف همة
- وأكبر إقداما على كل معظم
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
- سرور محب أو إساءة مجرم
وقد وصل المهر الذي فوق فخذه
- من اسمك ما في كل عنق ومعصم
لك الحيوان الراكب الخيل كله
- وإن كان بالنيران غير موسم
ولو كنت أدري كم حياتي قسمتها
- وصيرت ثلثيها انتظارك فاعلم
ولكن ما يمضي من العمر فائت
- فجد لي بخَطّ البادر المتغنم
رضيت بما ترضى به لي محبة
- وقدت إليك النفس قود المسلم
ومثلك من كان الوسيط فؤاده
- فكلمه عني ولم أتكلم
أرق على أرق ومثلي يأرق
أَرق على أَرق ومثلي يأرق
- وجوى يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى
- عين مسهدة وقَلب يخفق
ما لاح برق أو ترنم طائر
- إلا انثنيت ولي فؤاد شيق
جربت من نار الهوى ما تنطفي
- نار الغضى وتكل عما تحرق
وعذلت أَهل العشق حتى ذقته
- فعجبت كيف يموت من لا يعشق
وعذرتهم وعرفت ذنبي أنني
- عيرتهم فلقيت فيه ما لقوا
أبني أبينا نحن أهل منازل
- أبدا غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر
- جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى
- كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه
- حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرس إذا نودوا كأن لم يعلموا
- أن الكلام لهم حلال مطلق
والموت آت والنفوس نفائس
- والمستغر بما لديه الأحمق
والمرء يأمل والحياة شهية
- والشيب أوقَر والشبيبة أنزق
ولقَد بكيت على الشباب ولمتي
- مسودة ولماء وجهي رونق
حذرا عليه قَبل يوم فراقه
- حتى لكدت بماء جفني أشرق
أما بنو أوس بن معن بن الرضا
- فأعز من تحدى إليه الأينق
كبرت حول ديارِهم لما بدت
- منها الشموس وليس فيها المشرق
وعجبت من أرض سحاب أكفهم
- من فوقها وصخورها لا تورق
وتفوح من طيب الثناء روائح
- لهم بكل مكانة تستنشق
مسكية النفحات إلا أنها
- وحشية بسواهم لا تعبق
أمريد مثلِ محمد في عصرنا
- لا تبلنا بطلاب ما لا يلحق
لم يخلق الرحمن مثل محمد
- أبدا وظني أنه لا يخلق
يا ذا الذي يهب الجزيل وعنده
- أني عليه بأخذه أتصدَق
أمطر علي سحاب جودك ثرة
- وانظر إلي برحمة لا أغرق
كذب ابن فاعلة يقول بجهله
- مات الكرام وأنت حي ترزق
أما الفراق فإنه ما أعهد
أما الفراق فإنه ما أعهد
- هو توأمي لو أن بينا يولد
ولقد علمنا أننا سنطيعه
- لما علمنا أننا لا نخلد
وإذا الجياد أبا البهي نقلننا
- عنكم فأردأ ما ركبت الأجود
من خص بالذم الفراق فإنني
- من لا يرى في الدهر شيئا يحمد
بقائي شاء ليس هم ارتحالا
كأن الحزن مشغوف بقلبي
- فساعة هجرها يجد الوصالا
كذا الدنيا على من كان قبلي
- صروف لم يدمن عليه حالا
أشد الغم عندي في سرور
- تيقن عنه صاحبه انتقالا
ألفت ترحلي وجعلت أرضي
- قتودي والغريري الجلالا