نشأة علم العروض
علم العروض
يُطلق مصطلح العروض على العلم الذي يهتمّ بدراسة القواعد التي يتبعها كاتب الشعر للحصول على الأوزان الشعريّة الصحيحة، وذلك من خلال ميزان دقيق يُعرفُ به صحيح أوزان الشعر العربيّ من فاسدها، وقد سميَ بالعروض لأنّ الشعر يُعرض أمامَ هذه القواعد فيقاس على ميزانٍ معيّن، إذ إنّ كلمة "العروض" مشتقة من "العَرْض"، ويعدّ علم العروض شاهداً على إعجاز القرآن والسنّة النبويّة، وذلكَ لأنّهما لا يخضعانِ للأنظمة الشعريّة الواردة في هذا العلم، فهو كلامٌ معجزٌ ذو وحدة إيقاعيّة منتظمة، وتكمن أهميّة هذا العلم بأنه وسيلة لصقل موهبة الشاعر، بحيث تساعده على قول الشعر بعيداً عن الأخطاء، كما تساعده على قول شعر يتصف باتساق الوزن ، وتآلف النغم، وبالتالي كتابة قصيدة تحمل ذوقاً فنيّاً.
كما يمكّن علم العروض قارئ الشعر ودارسه ومنتقده من معرفة الأخطاء في الأبياتِ المنظومة، فيستطيع بذلك إطلاق حكم صائب على الشعر، كما تعطيه القدرة على التفريق بينَ الشعر وبينَ النثر القريب من الطابع الشعريّ، والقدرة على معرفة ما يرد في التراث الشعري من مصطلحات عَروضية تمكّن القارئ من قراءة الشعر بطريقة سليمة، ويربط المختصون علم العروض بالموسيقى من حيث الجانب الصوتيّ، فكلاهما يشتركانِ بتقسيمِ الجملِ إلى مقاطعَ صوتيّةٍ تختلفُ في طولها وقصرها، كما أنَّ كلاهما يكتبان برموزٍ خاصّةٍ تعبّرُ عن هذه المقاطعِ الصوتيّةِ.
نشأة علم العروض
كانَ العرب قديماً على معرفةٍ بأوزانٍ الشعرِ العربيّة، دون إطلاق أسماء الأوزانِ والبحورِ الشعريّةِ عليها، حتى جاءَ علم العروض الذي نشأ على يد الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وهو أحمد عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيديّ، أحد فقهاء النحو في القرن الثاني للهجرة، وأحد أذكى وأعلم النّاس آنذاك، فقد وُلِدَ الفراهيديّ في البصرة عام 100هـ، وتوفيَ سنة 170 هـ، ويعود الفضل له في ولادة علم العروض في الشعر، إذ عملَ على تقسيمه إلى خمس دوائر رئيسيّة، واستخرجَ منها خمسة عشر بحراً، وقد أضيفَ إليهم بحر آخر أطلقَ عليه "بحر الخبب" على يد الأخفش.
استطاعَ الفراهيديّ استنباط علم العروض من معرفته بالإيقاع والنغم، ومن دراسته المتبحرة في اللغة، والأدبِ، والنحوِ، لذلك لم تقف إنجازاته على علم العروض، فقد وضعَ أساس علم النحو، واخترعَ علم الموسيقى العربيّة الذي بيّنَ فيه أصناف النغم، وقد كانَ أوّل من ابتكرَ فكرة المعاجم العربيّة، فظهر أوّل معجم على يده وأطلقَ عليه اسم "معجم العين"، وكانَ هناكَ عدّة دوافع وضعها الباحثونَ كفرضيّاتٍ تفسّر توجه الفراهيديّ لإقامةِ علمٍ متعلّقٍ بالأوزانِ الشعريّة، ومن أهمّ هذه الأسبابِ هو حال الشعراءِ في زمنه، وضعفِ الشعرِ الذي ينظّمونه، وبعده عن الأوزان التي يعرفها العرب، كما أنّه كانَ يعيشُ في مكةَ التي تصخبُ سماؤها بالغناءِ والموسيقى ، ممّا دفعَ الفراهيديّ للتفكير في الأوزانِ الشعريّةِ ووضعِ قواعدَ لها.
نبذة عن علم العروض
إنّ العروض علمٌ واسعٌ يضمّ العديدَ من التفاصيلِ المتعلقةِ بالأبياتِ الشعريّةِ، فإذا أراد المرء تعلّمَه فإنّ عليه معرفة أساسيّاته وأهمّ المصطلحاتِ المتعلّقةِ به، ومنها:
- البيت الشعريّ: هو الوحدة الشعريّة المتكررة التي تتكوّن منه القصيدة ، وهو يتكوّن من جزأين: الشطر الأوّل يدعى "الصدر"، والشطر الثاني يدعى "العجز".
- العروض: هيَ التفعيلة الأخيرة التي تكون في الشطر الأوّل من البيت الشعريّ ، أي في آخر الصدر.
- الضرب: هيَ التفعيلة الأخيرة التي تكون في الشطر الثاني من البيت الشعريّ، أي في آخر العجز.
- الحشو: هيَ تفعيلات البيت الشعريّ المتبقية في الصدر والعجز، دونَ العروض والضرب.
البحور الشعريّة
ينقسم علم العروض إلى عدّة بحور شعريّة يصل عددها إلى ستة عشر بحراً، وفيما يأتي نبذة مختصرة عن بعض هذه البحور:
- بحر الطويل: سميَ بالطويل لأنّ عدد حروفه كثيرة بلغَ عددها 48 حرفاً، وهو أكثر أنواع البحور الشعريّة شيوعاً واستخداماً في القصائد العربيّة، وزن البحر الطويل كالآتي: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن.....فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن.
- البحر البسيط: سميَ بالبسيط لأنّه انبسطَ من مدى الطويل، ويعدّ ثاني بحور الشعر شيوعاً بعد الطويل، ووزنه: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.....مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.
- البحر المديد: هو بحر ثقيلٌ على السمعِ ويعتبرُ من أقدمِ بحور الشعر، حيث استخدمه المهلهل بن ربيعة وطرفة ، لذا قلّ استخدامه وأُهمل، ووزنه كالآتي: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.....فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.
- البحر الوافر: سميَ بالوافر لوفرة حركاته، ويعتبرُ أليَن بحور الشعر العربيّ لأنّه يتشكل كما يريدُ الشاعرُ، فيشتدّ إذا شدّده ويلين إذ ليّنه، ومن أشهرِ ما كتُبَ به هذا البحر معلّقة عمرو بن كلثوم، وزن البحر الوافر كالآتي: مفاعلتن مفاعلتن فعلون (مفاعل) ..... مفاعلتن مفاعلتن فعلون (مفاعل).
- البحر الكامل: يستخدمُ هذا البحرُ للشدّة في الشعر، وهو كاملٌ لأنّ فيه ثلاثين حركة لم تجتمع في غيره من الشعر، ووزنه: متفاعلن متفاعلن متفاعلن..... متفاعلن متفاعلن متفاعلن.
- البحر الهزج: يعدّ هذا البحر أكثر شيوعاً في العصر الحديث، إذ لم يكن يعتبره الشعراء القدامى وزناً ذا شأن، وقد سميَ بالهزج لأنّ العرب كانوا يستخدمونه في أهازيجهم أي أغانيهم، وزن البحر الهزج كالآتي: مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن ..... مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن.
الكتابة العروضيّة
لمعرفة البحرِ الذي تنتمي إليه قصيدة ما فإنه لا بدَ من تقطيع أبياتها، أي وزن كلمات البيت بما يقابلها من تفعيلات بناءً على نظام الحركات، وبعدَ الحصول على التفعيلات يمكن تطبيقها على تفعيلات البحور الشعريّة لتحديد البحر الذي تنتمي إليه القصيدة ، ولتقطيع البيت لا بدّ من كتابته كتابةً عروضيّة، إذ يقصد بها كتابة حروف البيت بناءً على ما ينطق، دونَ التقيّد بالقواعد الإملائيّة. وفي الكتابة العروضيّة قاعدتان رئيسيتان، هما:
- كلّ ما ينطق يكتب:
- زيادة الحروف المنطوقة: فعلى سبيل المثال إذا احتوى البيت على كلمة "هذا"، فإنها تكتب عروضيّاً "هاذا" بزيادة الألف المنطوقة وغير المكتوبة، كما تشبع بعض الكلمات بزيادة حرف "و" أو "ي" في آخرها، مثل "له" فتكتب "لهو"، أو "به" التي تكتب عروضيّاً "بهي".
- تعويض الحركات بالحروف: إذ تعوّض عن الحركات حروفاً، فتكتب الفتحة ألفاً، والضمّةُ واواً، والكسرةُ ياءً، كما ينبغي كتابة التنوين نوناً، مثل "قلمٌ" التي تكتب "قلمُن".
- كلّ ما لا ينطق لا يكتب: إذ ينبغي حذف بعض الحروف التي لا تلفظ، ولكنّها موجودة في الكلمات للضرورة الإملائيّة، فتحذف ألف الوصل في الأسماء والأفعال و "ال" التعريف، وتحذف الياء والألف في الحروف والكلمات المنقوصة إذا تبعها ساكن، مثل: إلى الشمس، فتكتب إلششمس، ومثل: المحامي القدير، تكتب المحاملقدير.