نص إنشائي عن التسامح (لطلاب الإعدادي)
المقدمة: التسامح من خلق المؤمن
لقد جاءت الدّيانات السّماوية والمنظومات الأخلاقية جميعًا لتدعو إلى التّسامح والرِّضا، وقد كان دين الإسلام من أكثر الأديان السّماوية التي تحث على التّسامح، فقد عدّ التّسامح قيمةً إنسانيةً ثمينةً وقيمةً أخلاقيّةً عالية؛ وذلك من خلال التسامح مع الجار والتسامح مع المسيء، فا لنّاظر والمتأمّل في سيرة النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- سيُدرك عظمة الأخلاق التي تحلّى بها النّبي الكريم في حياته ودعوته، ومن تلك الأخلاق خلق التّسامح.
العرض: التسامح تجليات ورؤى
إنّ الأخلاق الفاضلة لا تعود على المجتمع والإنسان إلا بالخير والسلام والرّاحة النّفسية، ومن هنا ستنعكس هذه الأخلاق على كل أشكال العلاقات الاجتماعية بين سائر النّاس، ومن بين تلك الأخلاق يأتي خلق التّسامح، الذي لا يخفى على أحد أثره الواضح على كل فرد من أفراد المجتمع، والأهم من ذلك كله أن يملك كل شخص المبادرة للعفو والصّفح عن الآخرين.
كان -عليه الصّلاة والسّلام- نبراسًا للتسامح والودِّ مع أهل قريش الذين أذاقوه مع أصحابه ويلات العذاب؛ إذ يقول لمن أسر منهم يوم الفتح اذهبوا فأنتم الطُّلقاء، وهو القادر على الاقتصاص منهم، أو إجراء صفقة لإعادتهم إلى أهلهم، وبإحجام النبي الكريم عن ذلك جسّد نموذجًا لما يسمّى "العفو عند المقدرة" أي العفو مع القدرة على الاقتصاص. وقد ظلّت تلك الأخلاق منارةً يهتدي بها كلُّ مؤمنٍ نحو كمال الأخلاق وسموّها، وقد جاءت الكثير من الآيات في القرآن الكريم ومن الأحاديث النّبوية التي تحض على خلق التّسامح؛ وذلك لأنّه نوع من العبادات التي يسعى بها المؤمن لإرضاء الله عزّ وجل.
يعدُّ التّسامح عملًا يُنشر من خلاله الخير في المجتمع، ويجعل جميع الأجناس التي تعيش على وجه الأرض، تعيش بسلام مع بعضها وتسعى إلى المبادرة بالسلام والمصالحة طالما وُجد التّسامح بينهم، ولقد وصانا الرّسول الكريم بالتسامح، وذكره في كثير من الأحاديث النبوية والعديد من المناسبات؛ لذلك يجب على كل المسلمين أن يتّبعوا هذا الخلق، فقال تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} .
على المؤمن أن يكون مُتسامحًا متقبلًا للأفكار والآراء حتّى التي تتعارض مع أفكاره ومصالحه بشكلٍ أو بآخر، فعليه أن يعرف أنّ تقدير الاختلاف والتنوع في الصفات بين البشر ما هو إلا اعترافٌ صريحٌ منه بحقوق الإنسان وحرية الآخرين، وعلى عكس جميع ما ساد بين النّاس أنّ الاعتداد بالفكر والرأي هو من قوة الشّخصية وغيره يعدُّ ضعفًا، فالتسامح لن يقلل من شأن أحدٍ أمام الآخرين، بل وسيجعلك محبوبًا من قبلهم.
ومن التسامح ألّا نقبل أي شكل من أشكال الظُّلم الاجتماعي والذي يتعارض مع قوانين حقوق الإنسان والحقوق التي أقرّها له الدّين الإسلامي، وغيره من الدّيانات، فيجب ألّا ننسى أهميّة التّسامح الدِّيني فقد كان النبي -عليه الصّلاة والسّلام- خيرُ مثالٍ لهذا النّوع من التّسامح.
على الرّغم من أنّه رسول من الله رب العالمين جاء لنشر الإسلام ونسخ بقيّة الدِّيانات، إلا أنه -عليه السّلام- لم يُكرِه أحدًا على اعتناق الدِّين الإسلامي، فقد سمح لليهود والنّصارى بالبقاء على دينهم مع ممارسة كامل طقوس وعبادتهم من غير أن يظلمهم، أمّا من أراد اعتناق الدين الإسلامي برغبته وحريته فقد كان يحترم تلك الرغبة له، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
أكثر الحروب والمظالم التي تحدث الآن ما هي إلّا نتيجة لاغتصاب الحقوق ومصادرتها من أهلها، وستنتفي هذه المظالم يومًا عندما يحلُّ التّسامح العرقي بين البشر، والذي لا يُفرق فيه ما بين أبيض أو أسود شرقيّ أو غربي، وكذلك من أهمّ أنواع التّسامح هو التّسامح الثّقافي فكل مجتمع تسود فيه معتقداته وعاداته وتقاليده الخاصة به، ويجب أن يحترمها المجتمع الآخر من أجل أن يعيشوا بحب تحت مظلّة السّلام.
عندما يحاول كل فرد اكتساب هذه الصفة وجعلها من أخلاقه التي يتخلق عليها، سيكون قادرًا على إحكام السيطرة على نفسه عند الغضب، إضافة إلى نسيان الإساءة التي تسبب فيها الغير، ومع الوقت سيُصبح هذا الإنسان محبًّا قادرًا على الصّفح والعفو، ومن الآثار الطيبة التي يتركها التسامح في المجتمعات التآلف بين القلوب، والعفو عند الزلل وتقبل الآخر.
بالتّالي سيخفف هذا الأمر من الوقوع في المشكلات والفتن بين أفراد المجتمع، وسيمنع من حدوث البغضاء والقطيعة بين الناس، وذلك لأنّ المجتمعات ستصبح مبنيّة على أساس ثابت من التّفاهم والمصالحة، وهو قلب صفحة المشكلة والخطأ الموجه لهم والعفو عنها والصّفح عمن ارتكب الإساءة بحقهم، وحتّى من غير أن ينتظر المرء العفو من الطّرف الآخر
ليس هذا فحسب، بل البدء بصفحة جديدة خالية من العتاب أوالضغينة، فثمار هذا الخلق الطيب كثيرة جدًا ولا يمكن حصرها، سواء على الفرد أم المجتمع وحتّى الإنسانيّة برمتها، وستصبح ثقافة التّسامح هي ثقافة مجتمعٍ برمته، وذلك لأن التسامح سيجعل من صاحبه محط إعجاب من أفراد المجتمع لقدرته الكبيرة على العفو وسيسعى النّاس لتقليده، وكلُّ هذا من أجل أن يعيش الجميع في مجتمعٍ تسوده المحبة
الخاتمة: التسامح ثقافة إنسانية لمجتمعات أفضل
إنّ التّسامح عبارة عن زهرةٍ في بستان الأخلاق الحسنة والفاضلة، فهو كزهرة عطرة الرائحة والأريج تبهج القلب والنفس والروح معًا، فلا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يكون للتسامح أية آثار سلبية، بل على العكس فالتّسامح هو أساسٌ للمعاملات بين النّاس على اختلاف ثقافتهم ودينهم وعرقهم، فلا يوجد علاقة صداقة أو معرفة بدون احترام وتسامح، وإن وجدت هذه الصّفة بين الشّعوب فهي نعمة كبيرة.
لقراءة نموذج آخر لتعبير عن التسامح قد يفيدك ها المقال: تعبير حول التسامح .