نشأة مدرسة البعث والإحياء
تاريخ نشوء مدرسة البعث والإحياء
أطلق على هذه المدرسة مجموعة من التّسميات منها مدرسة البعث والإحياء، ومدرسة الاتباعية، ومدرسة الكلاسيكية الجديدة، والمقصود من اسم مدرسة البعث والإحياء أي أنّ روّاد هذه المدرسة حاولوا أن يجعلوا الشعر العربي مرآة للواقع، وقد ظهرت هذه المدرسة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان الرائد الأول لمدرسة البعث والإحياء الشاعر المعروف محمود سامي البارودي .
أسباب ظهور مدرسة البعث والإحياء
إنّ أي حركة أدبية أو سياسية لا بدّ من أسباب تقوم عليها، فالسبب هو الأصل في كل شيء وقد كثُرت الأسباب التي هيّأت الأجواء لظهور هذه المدرسة، ومن بينها:
حركة النهضة السياسيّة
ظهرت مجموعة من الأحزاب السياسية التي حاولت أن تضع حدًّا لجشع الدول الاستعمارية وخنقها للدول العربية، فظهر الحزب الوطني في مصر عام 1907م، وحزب الوفد عام 1918م، فكانت مهمة تلك الأحزاب نشر الوعي بين الجيل الناشئ والدفاع عن اللغة العربية والوقوف في وجه جعل لغة المستعمر اللغة الرسمية في البلاد.
ضعف اللغة العربية والشعر العربي
بدأ الضعف يتسرب إلى اللغة العربية سبب قلة الوعي واضمحلال التعليم الذي كان يقتصر على الكتاتيب وقلة الأشخاص الأكفاء القادرين على نشر اللغة الصحيحة، فصار المرض يفتك بالشعر العربي وكان لا بدّ من حركة أدبية تعيد للأدب رونقه.
الغزو الثقافي والسياسي الأجنبي
كانت معظم الدّول العربية في تلك الآونة خاضعة للاحتلال الغربي ومقسمة ما بين الاحتلال الفرنسي والاحتلال البريطاني، الأمر الذي أدى إلى اضمحلال اللغة العربية خاصّة بعد محاربة المستعمر للغة ومحاولته المتكررة لأجنبة الأماكن الرسمية.
فكان لا بدّ من الوقوف في وجه المستعمر ونشر المقالات باللغة العربية والعودة لإحياء التراث العربي من خلال الشعر الأدبي.
ازدهار الطباعة والنشر
إنّ ظهور المطابع في الأوساط العربية قد سهّل من وصول المعلومات للنّاس كافة، فصار من السهل أن تصل قصيدة الشاعر إلى يد العامة، وقد أسهمت المطابع في تلك الفترة بازدياد وعي الشباب حيث سهّلت من طباعة الكتب وتداولها، وارتفاع نسبة الثقافة عند الجيل الناشئ.
ظهور حركات الإصلاح الإسلاميّة
بعد عدة قرون ولمّا وصل النّاس إلى القرن التاسع عشر الميلادي كانت يد الجهل قد امتدت على ثوابت الشريعة الإسلامية، فظهر مجموعة من الدعاة الإسلاميين الذي يُحاولون إصلاح المجتمع ونفض الغبار عن المفاهيم الصحيحة والتعمق في الدين ونبذ الأفكار القديمة البالية.
الثورة الوطنية
لمّا أصبحت الدول العربية قاب قوسين أو أدنى من الموت على يد المستعمر ظهرت مجموعة الحركات الوطنية التي حاولت أن تكون الفتيل الأول الذي أشعله العرب من أجل طرد المستعمر من بلادهم والتهيؤ لأمر جديد، فكانت ثورة سلطان باشا الأطرش في سورية وفي فلسطين.
سمات مدرسة البعث والإحياء
ظهرت مجموعة من السمات امتازت بها مدرسة البعث والإحياء من أهمها:
- بدء القصيدة بالتغزل والنسيب.
- تعدد الأغراض في القصيدة الشعرية الواحدة.
- العناية بالتراكيب والصور والبلاغة.
- اقتباس معاني الشعراء القدامى ومحاولة تقليد الصورة الأدبية في ذلك العصر.
- علاج المشكلات التي يُعاني منها العصر الحالي ثقافيًا أو غير ذلك.
- بث مشاعر الشاعر في القصيدة التي يكتبها.
- السير على غرار أغراض القدماء.
رواد مدرسة البعث والإحياء
لقد كان لمدرسة البعث والإحياء مجموعة من الأعلام ساهمت في تجديد الشعر العربي ، ومن أهمهم:
- محمود سامي البارودي
عاش ما بين (1839م - 1904م) استطاع أن يحيي الشعر العربي من مرقده الذي كاد أن يموت فيه، وهو سيد القلم العربي في تلك الآونة، وهو أول من طرق الشعر السياسي في الأدب الحديث.
- أحمد شوقي
عاش ما بين عامي (1868م - 1932م) لقب بأمير الشعراء بعد أن استطاع إنهاض الأدب، وعاد بالشعر العربي إلى زهوته القديمة من خلال قصائد نسجها فجمع ما بين منوالي العصر القديم والحديث.
- حافظ إبراهيم
عاش بين عامي (1871 - 1932) وهو ثالث ثلاثة من أعلام مدرسة البعث والإحياء، كان يجل البارودي كثيرًا ويخاطبه بأمير القوافي، وقد تأثر واضحًا بكتابات أحمد شوقي وزاد عليها.
نماذج من شعر مدرسة البعث والإحياء
من أشهر القصائد التي ولدت على أيدي شعراء مدرسة البعث والإحياء:
- قال أحمد شوقي في قصيدة همت الفلك واحتواها الماء:
هَمَّتِ الفُلكُ وَاِحتَواها الماءُ
وَحَداها بِمَن تُقِلُّ الرَجاءُ
ضَرَبَ البَحرُ ذو العُبابِ حَوالَي
ها سَماءً قَد أَكبَرَتها السَماءُ
وَرَأى المارِقونَ مِن شَرَكِ الأَر
ضِ شِباكًا تَمُدُّها الدَأماءُ
وَجِبالاً مَوائِجاً في جِبالٍ
تَتَدَجّى كَأَنَّها الظَلماءُ
وَدَوِيّاً كَما تَأَهَّبَتِ الخَي
لُ وَهاجَت حُماتَها الهَيجاءُ
لُجَّةٌ عِندَ لُجَّةٍ عِندَ أُخرى
كَهِضابٍ ماجَت بِها البَيداءُ
وَسَفينٌ طَوراً تَلوحُ وَحيناً
يَتَوَلّى أَشباحَهُنَّ الخَفاءُ
نازِلاتٌ في سَيرِها صاعِداتٌ
كَالهَوادي يَهُزُّهُنَّ الحُداءُ
رَبِّ إِن شِئتَ فَالفَضاءُ مَضيقٌ
وَإِذا شِئتَ فَالمَضيقُ فَضاءُ
فَاِجعَلِ البَحرَ عِصمَةً وَاِبعَثِ الرَح
مَةَ فيها الرِياحُ وَالأَنواءُ
أَنتَ أُنسٌ لَنا إِذا بَعُدَ الإِن
سُ وَأَنتَ الحَياةُ وَالإِحياءُ
- قال الشاعر محمود سامي البارودي في قصيدة عباس يا خير الملوك عدالة:
عَبَّاسُ يا خَيْرَ المُلُوكِ عَدَالَةً
وَأَجَلَّ مَنْ نَطَقَ امْرُؤٌ بِثَنَائِهِ
أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ الرِّضَا وجَلَوْتَ لِي
وَجْهاً قَرَأْتُ البِشْرَ في أَثْنَائِهِ
فاسْلَمْ لِمُلْكٍ أَنْتَ بَدْرُ سَرِيرِهِ
وَعِمَادُ قُوَّتِهِ ونَصْرُ لِوائِهِ
يأَيُّها الصَّادِي إِلى نَيْلِ الْمُنَى
رِدْ بَحْرَ سُدَّتِهِ تَفُزْ بِوَلائِهِ
- قال الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته حال بين الجفن والوسن:
حالَ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ
حائِلٌ لَو شِئتَ لَم يَكُنِ
أَنا وَالأَيّامُ تَقذِفُ بي
بَينَ مُشتاقٍ وَمُفتَتِنِ
لي فُؤادٌ فيكَ تُنكِرُهُ
أَضلُعي مِن شِدَّةِ الوَهَنِ
وَزَفيرٌ لَو عَلِمتَ بِهِ
خِلتَ نارَ الفُرسِ في بَدَني
يا لَقَومي إِنَّني رَجُلٌ
حِرتُ في أَمري وَفي زَمَني
أَجَفاءً أَشتَكي وَشَقًا
أنَّ هَذا مُنتَهى المِحَنِ