نشأة الماتريدية
نشأة الماتريدية
ظهرت فرقة الماتريدية في أواخر القرن الثالث، على يد مؤسسها أبي منصور الماتريدي، وقد اشتهرت فرقة الماتريدية بشدة الجدال في مناظراتها، مع خصومها من الفرق الأخرى، وعلى رأس تلك الفرق فرقة المعتزلة، كما ويعد أبو منصور الماتريدي نداً قوياً؛ حيث كانت له صولات وجولات ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهج غير منهج فرقة الأشاعرة .
ولم يوثق التاريخ أي لقاء أو جلسات، أو تواصل فيما بينهما، وإن توافقت النتائج والمعتقدات والأفكار، ولم يلاحظ أنهم كانوا على معرفة بمصنفات بعضهما البعض، وقد جلس إلى أبي منصور الماتريدي تلاميذ، وطلاب يلتمسون علمه ومعتقداته وأفكاره، فتأثروا به واقتدوا به.
ثم بعد ذلك أصبحبوا دعاة لهذه الأفكار والمعتقدات؛ بل أصبحوا ينشرونها في كل مكان وزمان، ويدافعون عنها، وألّفوا مؤلفاتهم وفق منهج شيخهم، وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان في فروع الفقه ومسائله وأحكامه؛ وهذا سبب انتشار العقيدة في سمرقند وما حولها.
أشهر المصنّفين في العقيدة الماتريدية
إن رواج العقيدة الماتريدية كان عاملاً مشجعاً لأتباع هذه العقيدة بالبدء والانطلاق؛ نحو التأليف والتصنيف في إيضاح العقيدة، وبيانها والتأسيس لها، ومن أشهر المصنفين في ذلك:
- أبو المعين النسفي
وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، ويعد من أبرز شيوخ وعلماء الماتريدية، وهو من أكثر من قام بالمدافعة عن العقيدة الماتريدية، وهو بمنزلة الباقلاني و الغزالي في مذهب الأشاعرة بين أتباع الماتريدية، ومن أكثر الكتب والمراجع أهمية في بيان والتعريف بالمذهب الماتريدي مصنف "تبصرة الأدلة".
بعد مصنف "التوحيد" للإمام أبي منصور الماتريدي، بل هو أشمل وأعم مرجع في توضيح أسس وقواعد عقيدة الماتريدية، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً مصنف "بحر الكلام"، وهو من المراجع المختصرة التي حوت فيها أهم المواضيع والقضايا الكلامية.
- نجم الدين عمر النسفي
كان من كبار علمائهم وشيوخهم، وأخذ من علمه أناس كثر، وله مصنفات وصلت المئة، منها: "مجمع العلوم، التيسير في تفسير القرآن، النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري، ومصنف العقائد الأبرز بالعقائد النسفية"، ويعتبر من أكثر المتون أهمية في العقيدة الماتريدية، وهو مختصر من مصنف "تبصرة الأدلة" لأبي المعين النسفي.
- نور الدين الصابوني
أحمد بن أبي بكر الصابوني البخاري أبو محمد، ولقبه نور الدين، ولا أحد يعلم عن يوم مولده وتاريخه، وقد وافته المنية في ليلة الثلاثاء السادس عشر من شهر صفر سنة (580) للهجرة، ومن مصنفاته: "البداية في أصول الدين، والمغني في أصول الدين، والهداية في علم الكلام والكفاية في الهداية"، وهناك كتب ومؤلفات كثيرة لا يتسع المقام لذكرها.
- الكوثري
محمد زاهد بن الحسن التركي الجركسي، ويعزى إلى جد من أجداده واسم جده كوثر، أو إلى بلدة الكواثرة بضفة نهر شبز ببلاد القوقاز، والراجح والأظهر أنه اشتهر باسم جده، ولد ونشأ في قرية من ولايات دوزجة بشرق الأستانة، وأخذ علم الفقه وأصوله في جامع الفاتح بالأستانة، وظلمه وتجبّر عليه أعداؤه من الاتحاديين أثناء الحرب العالمية الأولى، فارتحل إلى مصر الإسكندرية عام (1341) للهجرة، وقد وافته المنية بالقاهرة سنة (1371) للهجرة.
وكان من أبرز متأخري مذهب العقيدة الماتريدية، ومن أشدهم على أهل السنة والجماعة وأكثرهم مناوأة لهم، وقد أكثر من التمجيد والمدح والثناء على العقيدة الماتريدية وأتباعها ومريديها، وله مصنفات ومؤلفات كثيرة، منها: "تأنيب الخطيب، وكتاب مقالات الكوثري، وتعليق على كتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرسالة، وكتاب الفقه الأبسط المنسوب إلى أبي حنيفة، وكتاب تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم"، وله كتب وتعليقات أخرى كثيرة.
أسباب انتشار الماتريدية
انتشرت الماتريدية في أماكن كثيرة؛ لأسباب كثيرة، نذكر أهمها فيما يأتي:
- اتّباع الحكام والقادة والملوك للمذهب الحنفي
فبسبب ذلك عم وانتشر المذهب الحنفي في مشارق الأرض ومغاربها، والعرب وغيرهم، وبانتشار المذهب الحنفي وقوة حكمهم انتشرت الماتريدية، لأن الماتريدية كانوا يعتقدون ويعتنقون المذهب الحنفي.
- وضع الأتباع والعلماء من أصحاب المذهب في الوظائف العامة
ومن المشهور عبر القرون والتاريخ؛ أن البلدان والدول التي تعتنق إحدى الفرق العقائدية؛ فإنها تنصب أتباع وعلماء هذه الفرقة والمذهب في مواقع سيادية، ووظائف عامة مثل القضاء والإفتاء، والرئاسة والإمامة، والتصنيف والتأليف والتعليم؛ فإنه بذلك يسهل عليهم أن ينشروا أفكار مذهبهم، وعقيدة فرقتهم على عامة الناس، ولربما بنوا لذلك المساجد والمعاهد والمدارس.
ومن أبرز وأشهر المدارس التي تدعو وتنشرالدعوة للماتريدية، وخاصة في شبه القارة الهندية: المدرسة الديوبندية، والمدرسة البريلوية وغيرهما.