نشأة الخطابة وتطورها
نشأة الخطابة
إن أول من عرف هذا العلم هم اليونان، إذ قاموا باستنباط قواعده وتأسيس أركانه، وذلك يرجع إلى أن أهل أثينا في عصر بيركليس قويت فيهم رغبة القول، فصار يأسرهم القول البليغ، وامتازت أثينا بخطبائها، فكانوا يعتمدون على الخطب في مجلس الأمة، ليقرروا شهر الحروب، وعقد السلام، ووضع الضرائب وكل الشؤون العظيمة.
كما أن الخطباء كانوا يتقاضون ما يرضيهم من المال فقد أخذ إشيل المال من الملك مقدونيا ، وأخذ ديموستين دنانير من ملك الفرس، ووصل التسابق البياني في هذه المرحلة إلى درجة اتجاه الناس لتعلم الخطابة والتمرين على فنون القول والإلقاء، وتعويد ألسنتهم على النطق السليم، والبيان الصحيح، مما جعل العلماء يستنبطون قواعد الخطابة وقوانينها.
ويظهر أن أول من اتجه لاستنباط هذه القواعد هم السوفسطائيون، ومنهم: (برويكوس، وبروتاغوراس، وجورجيلس). وبعد ذلك جاء أرسطو فجمع قواعد الخطابة، ونوادرها في كتاب أسماه الخطابة، ليكون هذا الكتاب أصلًا للعلم، ومرجعًا للخطباء والمؤلفين.
تطور الخطابة
مرت الخطابة بمراحل مختلفة على مرّ العصور واختلفت أهميتها من عصر لآخر، وفيما يلي توضيح لذلك:
الخطابة في العصر الجاهلي
ظهر الميل للخطابة في العصر الجاهلي ، والحث عليها، ونبذ العادات السيئة بخطب رائعة تدعو إلى الفضيلة، ونظرًا لقوة إحساس العربي وشدة اندفاعه، ومعيشته في الصحراء كانت حياة العربي حياة فروسية وقوة، وهذا ما جعل من عاطفته دافعًا إلى البيان، ومن أبرز الخطباء في العصر الجاهلي: (أكثم بن صيفي، وقس بن ساعدة الإيادي).
الخطابة في عصر صدر الإسلام
في عصر صدر الإسلام جاءت الدعوة الإسلامية ونزل القرآن بلسان عربي، حتى إن العرب اختلفوا فيما وصل إلينا من نثر جاهلي مما زاد من دواعي الحجج والكلام والخطابة، فأخذ هذا الفن يزدهر وينمو، وأخذ العرب ينهلون من معاني، وألفاظ، وأساليب الأحاديث الشريفة، وأخذوا يصوغونها في أدبهم فشغلت موضوعات الخطابة الأمور الجامعة، والحوادث المفاجئة، والمناسبات الكثيرة، فكانت الخطابة صوت الحق، وحجة النبي صلى الله عليه وسلم لدعوته.
الخطابة في العصر الأموي
أما عن الخطابة في العصر الأموي فقد كثرت دواعيها، واتسعت موضوعاتها، وذلك بسبب الفتن التي قامت في صداها الدولة الأموية ، فقد انقسم المسلمون إلى أحزاب: شيعة، وأمويين، وخوارج، وزبيريين، وكان كل منهم يدعو إلى طائفته ودعوته، وأيضًا كان الخلفاء وولاتهم في أشد الحاجة إلى أن يبينوا سياستهم لناس، فبينوا إحسانهم وحكمهم.
كما أن الفتوحات الإسلامية لم تنقطع فوجد الأمويين فيها شغلهم الشاغل فكانت حروبهم تحتاج إلى الخطابة والبيان، وزادت الوفادة في ذلك العصر، الأمر الذي قد يدعوا الخليفة لإعلان النصرة والتأييد أو عقد حبل مودتهم، فعادةً ما يكون الوفود من أرباب البيان وكبار المتكلمين؛ لذلك كثرة الوفادة في هذا العصر، وكانت عاملًا من عوامل انتشار الخطابة.
وفي هذا العصر تفجرت ينابيع الحكمة، وفاضت بدائع الناس ويرجع هذا إلى المجادلات التي كانت تقوم بين الفرق السياسية، كما إنّ دعوة الخلفاء للخطابة والترويج لها كان سبباً للنهضة فيها، فكانت دُورهم منتديات لها، ليتبارى فيها أبلغ الخطباء، مما أدى إلى التفاخر بقدرة كل منهم على الخطابة وإجادتهم للبيان، فعرف ذلك العصر بأنه عصر نمو ورفعة للخطابة.
الخطابة في العصر العباسي
ظهرت الخطابة أيضًا في العصر العباسي الذي كان بينه وبين العصر الأموي تشابه واضح، نظرًا لكون الدولتين عاشتا وسط فتنة صاخبة، وكانت موضوعات الخطابة في الدولتين متقاربة.
ومن دواعي الخطابة في هذا العصر، الدعوة العباسية فقد قامت على إثبات حق آل البيت في الخلافة وإظهار سياستهم، فكانت الخطابة ببيان رائع وخطب قيمة، بالإضافة إلى المجالس التي كانت تعقد للتشجيع على الخطابة، وتسابق أهل اللسان والبيان من أجل الإجادة، ومحاولة التأثير والاجتذاب إلى الفكرة.