نبذة عن فرانسيس بيكون
مولد ونشأة فرانسيس بيكون
فرانسيس نيكولاس بيكون هو سياسي ومفكر وفيلسوف وكاتب ورجل دولة بريطاني، ولد في العاصمة البريطانية لندن في 22 من شهر يناير عام 1561م، والده السير نيكولاس بيكون، اهتمَّ والده بتعليمه في المنزل بسبب الحالة الصحية السيئة الخاصة به، فتلقى تعليمه على أحد الخريجين من جامعة أكسفورد يدعى الأستاذ جون والسال، وفي عمر 12 عامًا حصل فرانسيس على قبول في جامعة كامبريدج، ليدرس فيها بعض المقررات المطروحة في ذلك الوقت، وانتقل بعدها إلى جامعة بواتييه في فرنسا ليتابع تحصيله العلمي.
حياة فرانسيس بيكون
كانت حياة فرانسيس بيكون حافلة بالعلم والعمل في الفلسفة والفكر والسياسة، وعلى الرغم من عمله في السياسة والفلسفة إلا أنه كان مؤمنًا مسيحيًا إنجليكانيًا، وبعد طرده من البلاط الملكي بمؤامرة دُبّرت له، تفرغ للعلوم والتجارب الخاصة به، وهذا ما أتاح له التفوق في هذا المجال، وفيما يأتي تفصيل في حياة فرانسيس بيكون:
الحياة الشخصية لفرانسيس بيكون
لم يكمل فرانسيس دراسته في بواتييه في فرنسا بسبب وفاة والده في تلك الفترة، فاضطر للعودة إلى بريطانيا، وكان والده قد خصص له مبلغًا من المال من أجل مساعدته لكنه مات قبل ذلك، وغرق بعدها فرانسيس في الديون رغم مساعدة والدته له، وبقيت حالته المادية متردية لعدة سنوات، حاول فرانسيس أن يتزوج وهو في سن 36 من فتاة تدعى إليزابيث هاتون ولكنه قطعت علاقتها به وفضلت رجلًا أكثر ثراء وقتها، وفي عمر 45 تزوج من أليس بارنهام، ولم يكن له أولاد.
عمل فرانسيس بيكون
عمل فرانسيس بيكون في القصر الملكي البريطاني لفترة طويلة، فقد عمل خلال تجربته في السفر إلى فرنسا في السفارة البريطانية في باريس، وبعد عودته حاول أن يتولى وظيفة مرموقة في البلاد، وبمساعدة عمه تم قبوله كمُحامٍ خارجي، ثمَّ انتخب نائبًا في البرلمان عن بوسيني في كورنال، ثمَّ أصبح عضوًا في نقابة المحامين.
انتخب نائبًا عن ليفربول ثم عن مقاطعة ميدلسكس، ومع ترقيه تولى منصب مستشار الملكة في بريطانيا، وكان أول مستشار قانوني للملكة إليزابيث، وفي زمن الملك جيمس الأول حصل على لقب فارس وتم تعيينه نائبًا عامًا، لكنه بعد ذلك بسبب الديون ومنافسه إدوارد كوك تم التحريض عليه وتم عزله وسجن لبعض الوقت ثمَّ سرِّح من جميع مناصبه.
فلسفة فرانسيس بيكون
قادَ فرانسيس بيكون في مرحلة الثورة العلمية في القرن السادس عشر من خلال أفكاره الفلسفية واعتماده فيها على التجريب والملاحظة، بعد أن رفض فكر أرسطو القائم على القياس، لذلك أطلق عليه لقب أبو التجريبية، فقد جادل في حقيقة إمكانية الحصول على العلم من خلال الاستدلال الاستقرائي والمراقبة، وكان يعتقد أن العمل يمكن الحصول عليه من استخدام منهج التشكيك بشكل منهجي لكي لا يضلل العلماء أنفسهم، ولكن أفكاره تلك لم يكن لها تأثير طويل، لكنها جعلته يقود المنهج العلمي في ذلك العصر.
منهج فرانسيس بيكون
اتخذ بيكون منهج التجربة، وهي أنه من خلال التجربة يمكن اكتشاف الصورة أو الحقيقة، وقد وضع لمنهجه العديد من القواعد من أجل ضمان الحصول على المعلومة الصحيحة وعدم الوقوع في الخطأ، وهي تنويع التجارب وتكرارها، ومد التجربة من خلال إعادتها مع بعض التغييرات في المواد المستخدمة فيها، ويطبَّق منهج بيكون من خلال ثلاثة خطوات هي:
- وصف الحقائق التي تظهر في التجربة.
- جدولة وتصنيف النتائج التي خلفتها تلك الحقائق.
- رفض ما يظهر من ذلك الجدول وعدم الارتباط بظاهرة ما تزال قيد البحث وتحديد ما يرتبط بها.
العلم وأهميته لفرانسيس بيكون
كان فرانسيس بيكون من أكثر المهتمين بالمهن والفنون والعلوم جميعها، مع احتفاظه بإيمانه بالفكر المجرد، وكان على يقين بأنَّ الفلسفة تستطيع أن تساعد مختلف الفنون الأخرى التي يمكن أن توفر الاحتياجات اليومية للناس، كما عرف أنَّ الفنون والمهن الأخرى لها تأثير كبير في مجال الفلسفة، ولذلك اعتبر الفلسفة هي جذع شجرة المعرفة وهي أم المعارف، كما المعدة بالنسبة لجميع أجزاء جسم الإنسان، ومن هذا الاهتمام قسَّم بيكون العلوم وصنفها إلى العديد من التصنيفات.
أهم إنجازات فرانسيس بيكون
لم تقتصر إنجازات بيكون على تدرجه في مناصب عديدة في القصر الملكي، ولم تشغله السياسة عن العلوم، فقام بالتركيز على طرح منهج التجريب، وانتقد العقل والطرق التقليدية في التفكير، كما صنَف العلوم وفق نظام خاص ابتكره حسب تصوراته في ذلك الوقت، وفيما يأتي التفصيل في إنجازاته:
نقد العقل
يعتقد فرانسيس بيكون أنَّه يجب إيجاد منطق جديد من خلاله توضع أصول للاستكشاف وفي النهاية الوصول إلى تكوين العقل الجديد، ورأى أنَّ العقل البشري يكون مجرد أداة للتجريد والتصنيف والمساواة والتمثيل إذا تركَ على هواه، ولذلك وضع فكرة أوهام العقل أو أصنام العقل ومعبوداته، وهي أربعة سيتم الحديث عنها فيما يأتي:
أصنام القبيلة
كان بيكون يرى أنَّ أصنام القبيلة نابعة من طبيعة الإنسان نفسه، وهي خاصية مشتركة بين جميع أفراد البشر، لأنَّ جميع الناس بطبعهم ميالون إلى التعميم في معظم الحالات، بينما يقومون بإهمال الحالات الأخرى المختلفة والنقيضة، وهذا ما ظنَّ أنَّه يضفي على الطبيعة شيئًا من النظام أكثر مما هو في الحقيقة موجود فيها.
أصنام الكهف
وتنشأ تلك الأصنام أو الأوهام من طبيعة الفرد نفسه، لأنَّ شخصية أي فرد تكون بمثابة كهف أفلاطوني، ومن خلاله ينظر الشخص إلى العالم الخارجي من حوله، وعلى هذا الكهف تنعكس الأضواء من الطبيعة، وينشأ هذا النوع من الأصنام من خلال التربية والمجتمع والعلاقات الاجتماعية، فقد يركز بعض الناس على نقط الاختلاف بين شيئين بينما يركز الآخرون على نقاط التشابه.
أصنام السوق
وهي الأصنام أو الأوهام التي تنشأ من اللغة أو الألفاظ التي تنشأ وتتكون تبعًا للحاجات والتصورات العامية، وذلك يجعلها تفرض سيطرتها على تصورات البشر عن الأشياء، فيبدأ الناس عندها بوضع ألفاظ وصفات لأشياء غير موجودة أصلًا أو غامضة أو متناقضة وغير ذلك.
أصنام المسرح
تأتي أوهام وأصنام المسرح حسب بيكون من المقام الرفيع والنفوذ الكبير التي تتحلى به النظريات القديمة المتوارثة، ولذلك في هذه الفكرة تحديدًا عارض فرانسيس بيكون جميع الذين كانوا يفسرون الظواهر والأشياء بألفاظ مجردة فقط وعلى رأسهم أرسطو وأفلاطون وغيرهم من الفلاسفة والعلماء.
تصنيف العلوم
قام بيكون بتصنيف العلوم ضمن قائمة، ويشمل هذا بعض الأمور التي دلَّت على علوم لم تكن موجودة آنذاك، وقد صنفها بيكون حسب قدرات الإدراك التي يتّصف بها الإنسان، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر تلك التصنيفات التي ذكرَها بيكون بالتفصيل:
التاريخ
وقد اعتمد في هذا التصنيف على أنَّ الذاكرة البشرية هي المكون الأساسي للتاريخ، والتاريخ هو موضوع الذاكرة وهو العلم الوصفي بمفهوم أوسع، ويقسم التاريخ عنده إلى قسمين: تاريخ مدني خاص بالإنسان، وتاريخ طبيعي مرتبط بالطبيعة نفسها ويشمل وصف الظواهر الطبيعية الكونية في الأرض والسماء، ووصف الفنون التي تعدُّ أهم طريقة للتعبير عن أفكار الإنسان ورسائله للطبيعة.
الفلسفة
وهو ثاني تصنيف في تصنيف العلوم عند بيكون، حيث أن قدرة العقل هي التي أنتجت الفلسفة، وهذا ما كان يعتقده فرانسيس بيكون فعمل على تصنيف المواضيع التي ينتجها العقل والتي تكون من مواضيعه ضمن تصنيف الفلسفة.
الشعر
يعتقد فرانسيس بيكون أنَّ المخيلة البشرية هي التي أنتجت الشعر، وقد تكون الفنون الأخرى المتعلقة بالتعبير ملتحقة بهذا التصينف، أو بمعنى آخر إنَّ المخلية البشرية هي الأداة التي صنعت الشعر وكان أحد موضوعاتها ومنتجاتها.
أهم مؤلفات فرانسيس بيكون
كتب بيكون عددًا من الكتب والمؤلفات خلال حياته، تنوعت بين الفلسفة والسياسة والتاريخ وغير ذلك، وكان أسلوبه فيها كثيف الأفكار مع المحافظة على أسلوب الحكيم المتبصر في طرحها، ومن أهم المؤلفات التي كتبها ما يأتي:
- عناصر القانون العام لإنجلترا.
- أتلانتس الجديدة.
- البروفة والنهوض بالتعلُّم.
- حكمة القدماء.
- فاليريوس تيرمينوس لتفسير الطبيعة.
- تاريخ عهد الملك هنري السابع.
- نوفوم أورغانوم.
أشهر الأقوال لفرانسيس بيكون
فيما يأتي سيتمُّ طرح بعض أقوال فرانسيس بيكون والتي لا تخلو من الحكمة:
- أفضل جزء في الجمال هو ما لا تستطيع أي صورة التعبير عنه.
- الجمال بحد ذاته ما هو إلا الصورة الحسّاسة للّانهائي.
- ولكي يسطع الضوء بهذه السطوع، يجب أن يكون الظلام حاضرًا.
- لا يوجد جمال عظيم يخلو من بعض الغرابة.
- صحيحٌ أن القليل من الفلسفة تقنع عقل الإنسان بالإلحاد، ولكن التعمق في الفلسفة يجلب عقول البشر للدين.
- الموت صديقنا، ومن ليس مستعدًا لاستضافته لن يرتاح أبدًا.
- عادة ما يفكر الناس وفقًا لميولهم، ويتحدثون وفقًا لتعلمهم وآرائهم الراسخة، لكنهم يتصرفون عمومًا وفقًا للعادات.
وفاة فرانسيس بيكون
توفي فرانسيس بيكون في 9 من شهر إبريل عام 1629م، نتيجة إصابته بالتهاب رئوي حاد، وذلك خلال قيامه بإحدى التجارب العلمية التي حاول فيها استخدام الثلج من أجل حفظ اللحوم، حيث توفي في مدينة هايغيت، فقد نزل هو وصديقه لدى سيدة فقيرة وقاما بحشو بعض الطيور بالثلج بعد تنظيفها، وبعد ذلك مباشرة مرض بيكون ولم يستطع العودة إلى منزله، وإثر ذلك توفي في هايغيت.