مهنة الخياطة في الإسلام
العمل والكسب
جعل الله -تعالى- الحياة الدنيا سبيلًا للآخرة، وبيّن في كتابه أنّه إنّما جعل هذه الأرض وما عليها من مكاسب للإنسان ينتفع بها كيفما شاء وفق الضوابط الشرعية، فقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً)، وقال أيضاً: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث الدّالة على ضرورة السعي في الكسب الحلال والتأكيد على ذلك؛ ليستعين به على طاعة ربّه فيما أُحلّ له.
الخياطة في الإسلام
الخياطة في اللغة هي: اسم الحرفة التي تُطلق على صناعة الملابس، والمهن اليدوية ومنها الخياطة أعمال سُنّية وفروض كفايةٍ، وذكرت بعض الآيات تلك المهنة إشارةً ودلالةً عليها، فأُشير إلى إحدى أدواتها بذكرالإبرة في قوله: (حتَى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ)، وسَمّ الخياط هو: ثقب الإبرة، وكذلك قوله -تعالى-: (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يرفع من شأن أصحاب الحِرف ومنهم الخياطين ويُجيب دعوتهم، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (إنَّ خيَّاطًا دعا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لطعامٍ صنَعه قال أنسٌ: فذهَبْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقرَّب إليه خبزًا مِن شعيرٍ ومرَقًا فيه دبَّاءٌ وقَديدٌ قال أنسٌ: فرأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتَّبَّعُ الدُّبَّاءَ مِن حَوالَيِ القصعةِ قال: فلم أزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بعدَ ذلك اليومِ)، وقد انتشرت حرفة الخياطة بشكلٍ كبيرٍ مع نشوء الدولة النبويّة وهجرة المسلمين إلى المدينة المنوّرة، وكان من الخياطين المعروفين في العهد النبويّ: عثمان بن طلحة الذي جعل عنده النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مفتاح الكعبة.
عناية الإسلام بالمهن والحرف
ظهرت عناية واهتمام الشريعة الإسلامية بالمهن والحِرف من عدّة جوانب، منها:
- اعتنى الإسلام بالمهن والحرف بتنّوعها، فجعل للعمل منزلةً عظيمةً شرط أن يكون مباحاً ليس فيه مضرّةً، قال الله -تعالى- في كتابه مادحاً العمل والعاملين: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، بل إنّ الله قدّم مَن يضرب في الأرض يبتغي المال الحلال على المجاهدين في سبيل الله، فقال -تعالى-: (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ).
- حثّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على العمل ورغّب به، وكان قدوةً في ذلك، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يخصف نعلَه، ويخيطُ ثوبَه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدُكم في بيته)،، ومارس -عليه الصلاة والسلام- رعي الأغنام والتجارة في مال خديجة -رضي الله عنها-، وكذلك عظّم العمل والصناعة باليد، كما دلّت على ذلك عدّة أحاديث نبويةٍ، فعن كعب بن عجرة -رضي الله عنه-: (مرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ).