من هي خطيبة النساء
المرأة في الإسلام
عُني الإسلام بالمرأة وكرّمها حقّ التكريم؛ فكرّمها وليدةً، وكرّمها بنتاً، وزوجة، وأمّاً، وأختاً، وقد ذكر القرآن الكريم في آياته عدداً من النّساء ممّا كان لهنّ الدور البارز في تاريخ البشريّة؛ كحوّاء ، وأمّ موسى، ومريم بنت عمران وغيرهنّ، كما أنّ القرآن ذكر إجابات عن أسئلة النّساء، أو حلّاً لمشاكلهنّ، وقد نزلت آيات في عدد من النساء كما نزلت آيات أخرى في عدد من الرّجال، وقد تمّ تخصيص سور من القرآن الكريم في النّساء؛ منها سورة النّساء ، وسورة الطّلاق، وقد أقرّ الإسلام للمرأة حقوقاً لم تكن تعرفها من قبل، كما أنّه احترم رأيها واستمع إليه، وفي التاريخ الإسلاميّ هناك نماذج لنساء كنّ خير قدوة حَسَنة، وخير أُسوة طيّبة لغيرهنّ من النّساء، فكان منهنّ خطيبة النّساء، فمن هي خطيبة النّساء؟
أسماء بنت يزيد خطيبة النّساء
إنّ خطيبة النّساء هي الصحابيّة الجليلة أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث الأنصاريّة الأوسيّة ثمّ الأشهليّة، وتُكنّى بأمّ سلمة، وقيل: بأمّ عامر، ابنة عمّ الصحابيّ الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، أمّا أبوها يزيد بن السكن فقد استشهد في غزوة أُحد ، واستُشهد أيضاً أخوها عامر بن يزيد الذي جعل جسمه ترساً يدافع به عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في الغزوة نفسها، فلما بلغها استشهادهم خرجت تسأل عن حال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأته سالماً قالت: (كلّ مصيبة بعدك يا رسول الله هيّنة)، وعُرفت بحُسْن نُطقها، وبفصاحتها، وقوّة البيان والحُجّة والخِطابة لديها، وكانت ذات عقل ودين؛ فقد كانت تذهب إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأسئلة النّساء ليجيب عنها.
إسلام أسماء بنت يزيد
أسلمت أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاريّة على يد الصحابي الجليل مصعب بن عُمير رضي الله عنه، وهي أوّل من بايع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعها كبشة بنت رافع أمّ سعد بن معاذ، وأختها حوّاء بنت يزيد بن السكن، وقد كانت أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- تعتزّ بأنّها كانت من اللاتي سبقن إلى مبايعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فكانت تقول: (أنا أوّل من بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).
رواية أسماء بنت يزيد للأحاديث
روت الصحابيّة أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- 81 حديثاً، وقد روى عنها ثلّة من كبار التابعين رضي الله عنهم، كما روى عنها أصحاب السُّنن الأربعة؛ وهم: أبو داود، والنّسائيّ، والترمذيّ، وابن ماجه، والإمام البخاريّ في الأدب المُفرد، ومن الأحاديث التي روتها أسماء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ما يأتي:
- روت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إياكنَّ وكفرانَ المُنَعَّمِينَ، إيّاكنّ وكفرانَ المُنَعَّمِينَ قالت إحداهنَّ: نعوذُ باللهِ يا نبيَّ اللهِ من كفرانِ نِعَمِ اللهِ، قال: بلى إنَّ إحداكنَّ تطولُ أيمتُهَا ثمّ تغضبُ الغضبةَ فتقول: واللهِ ما رأيتُ منه ساعةً خيراً قطّ، وذلك كفرانُ نِعَمِ اللهِ، وذلك كفرانُ المُنَعَّمِينَ إياكنَّ وكفرانَ المُنعَّمِينَ لعلَّ إحداكنَّ تطولُ أيمتُها من أبويها، ثمّ يرزقُها اللهُ زوجَها ويرزقُها منه ولداً، فتغضبُ الغضبةَ فتكفرُ، فتقول: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ).
- روت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (العقيقةُ حقٌّ، عنِ الغلامِ شاتانِ متكافِئتانِ، وعنِ الجاريَةِ شاةٌ).
- روت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من بنى للَّهِ مسجداً فإنَّ اللهَ يبني لهُ بيتاً أوسعَ منهُ في الجنَّة).
- روت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (توفِّيَ ودرعُهُ مرْهونةٌ عندَ يَهوديٍّ بطعامٍ).
جهاد أسماء بنت يزيد
شهدت أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كلاً من غزوتي الخندق وغزوة خيبر ، وخرجت معه في غزوة الحديبية ، وبايعت بيعة الرضوان ، وفي السنة الثالثة عشرة من الهجرة النبويّة خرجت إلى بلاد الشّام؛ لتشارك في معركة اليرموك في الشّام، وكانت مشاركتها مع النّساء من خلال سِقاية الجرحى وتضميدهم، وفي ضرب مَن يَفِرّ من المعركة من جنود الإسلام ، ومن القصص التي تُروى في شجاعتها أنّها اقتلعت عمود الخيمة وأخذت تضرب به رؤوس الروم حتى قتلت يومها تسعة من جنودهم.
ما نزل في أسماء من القرآن
تعدّ أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أوّل من نزل فيها عِدّة المطلقات ، فقد أخرج الإمام أبو داود في سُننه عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: (أنّها طُلِّقتْ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ولم يكن للمُطلَّقةِ عِدَّةٌ فأنزل اللهُ -عزَّ وجلَّ- حين طُلِّقتْ أسماءُ بالعدَّةِ للطلاقِ فكانت أولَ من أُنزلتْ فيها العِدَّةُ للمُطلَّقاتِ)؛ أي أنّ قول الله سبحانه وتعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ)؛ قد نزل في أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.
وفاة أسماء بنت يزيد
كانت الصحابيّة الجليلة أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- غير معروفة لجميع الناس، والكثير من المسلمين في هذا العصر لم يسمعوا بها، إلّا أنّ حياتها كانت حافلةً بالعطاء والتميّز، وقد توفّيت أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها في سنة سبعين من الهجرة النبويّة الشريفة، بعد أن عاشت في كنف الدولة الإسلامية مدةً طويلةً من الزمن، وقد عاصرت العديد من الخلفاء، وتمّ دفنها بعد وفاتها في مدينة دمشق بمنطقة تسمّى بالباب الصغير.