من هو فاتح الأندلس
الفتوحات الإسلاميّة
كان هدف المسلمين هو نَشْر دين الله -تعالى-، وإعلاء كلمته -سبحانه وتعالى-؛ ولتحقيق هذا، انطلقت الفتوحات الإسلاميّة في شتّى بِقاع الأرض، إذ وصل الإسلام إلى بلاد فارس، والشام ، وحرَّرَ كُلّ من فيها من الظُّلم، والاستعباد، والاستبداد، ولم يكن الهدف من الفتوحات الإسلاميّة الاستيلاء على كنوز الآخرين من أباطرة، وأكاسرة؛ فرسالة الإسلام رسالة سامية عادلة، لا تتعلَّق أهدافها بالأمور المادّية كما ذكر المُستشرِقون، ومن الجدير بالذكر أنّ هناك العديد من القادة الذين ساهموا في انتشار الإسلام من خلال مشاركتهم في الفتوحات الإسلاميّة، وفي هذا المقال حيدث عن واحد من أبرز هؤلاء القادة الذين سَطَّر التاريخ الإسلاميّ أسماءهم، ألا وهو فاتح الأندلس طارق بن زياد.
فاتح الأندلس طارق بن زياد
تمكّن طارق بن زياد من فَتْح الأندلس عام 92 للهجرة، وكان ذلك بعد معركة خاضها ضدّ (لذريق) ملك القوط، ويُعتبَر طارق بن زياد من أشهر القادة العسكريّين في التاريخ الإسلامي، علماً بأنّ اسمه أُطلِق على جبل في جنوب إسبانيا، وهو الجبل الذي تجمَّع عنده جيش المسلمين في أثناء زَحْفهم نحو الأندلس؛ لفَتْحها.
وتشير الدراسات التاريخية أنّ طارق بن زياد وُلِد عام 50 للهجرة، وعلى الرغم من تعدّد الروايات حول أصوله إلا أنّه من المؤكد أنّ طارق بن زياد نشأ في بيئة إسلاميّة عربيّة خالِصة، وقد اتّسم ببسالته وشجاعته وهمّته العالية في الفتوحات، كما كانت له أوصاف جسمية ذكرها المؤرخون، مثل: هامته الضخمة، ولونه الأشقر، وقامته الطويلة.
جهاد طارق بن زياد وفتح الأندلس
كان حُبُّ طارق بن زياد للجهاد سبباً في التحاقه بالجيش الإسلاميّ بقيادة موسى بن نصير، ومشاركته في الفتوحات الإسلاميّة، وقد ظهرت براعته، ومهارته، وشجاعته في القتال، والقيادة، وهذا ما جعل موسى بن نصير يعتمد عليه في فتوحاته؛ حيث جعله على مُقدِّمة جيوشه الموجودة في المغرب ، فأصبح طارق بن زياد قائداً للجيوش الإسلاميّة التي سيطرَت على بلاد المغرب الأقصى، كما أنّه وُلِّيَ على مدينة طنجة ؛ ليتمكَّن من مُراقبة سبتة؛ تأهُّباً لفَتْحها.
استعدَّ طارق بن زياد؛ لفَتْح الأندلس بعد أن طلب أهلُها المساعدةَ من المسلمين، حيث كانوا يشتكون من ظُلم لذريق لهم، وكانت هذه فرصة جيّدة؛ لنَشْر الإسلام في الأندلس، ومُواصلة الفتوحات الإسلاميّة، فخرج جيش طارق إلى الأندلس، عابراً مَضيق البحر الأبيض المُتوسِّط ، وتجمَّع المسلمون عند جبل طارق في الخامس من شهر رَجب من عام 92 للهجرة، فبنى طارق بن زياد حِصناً بالقُرب من هذا الجبل، ثمّ انطلقَ نحو ولاية الجزيرة الخضراء، واستطاع الاستيلاء على قِلاعها، وفي بلدة شذونة بالقُرب من وادي لكة (وادي برباط)، التقى جيش المسلمين بجيش لذريق، واستمرَّت المعركة مدّة ثمانية أيّام تحقَّق من بَعدها النصر للمسلمين، وفرّّ لذريق هارباً.
بعد انتهاء معركة وادي لكة، تابع طارق بن زياد فتوحاته للأندلس؛ فاتَّجه إلى طليطلة عاصمة القوط، وأرسل حملات عسكريّة نحو كُلٍّ من مالقة، وغرناطة، وكذلك قرطبة ، وإلبيرة، و بعد رحلة طويلة، ومُتعِبة، تمكَّن من دخول طليطلة، فكان أوّل ما حرص عليه هو الإبقاء على السكّان الذين يعيشون فيها؛ حيث تركَ لهم كنائسهم، وأحسنَ مُعاملتهم، وحتى يكمل فَتْح الأندلس، وينشرَ الإسلام في كافّة أرجائها، أرسل إلى موسى بن نصير؛ ليمدَّه بالجنود، ممّا يُمكِّنه من تخليص الناس من ظُلم القوط، وهذا ما حَدث فعلاً؛ إذ انطلق موسى بجيش يبلغ 18 ألف جنديّ نحو الأندلس، وبعد أن التقى الجيشان، فُتِحت كُلٌّ من برشلونة ، وسرقسطة، وطركونة.
قصّة حَرق طارق بن زياد للسُّفن الإسلاميّة
ارتبط اسم طارق بن زياد بمسألة حَرق سُفُن المسلمين عند قوله لهم: "البحر من ورائكم، والعدوُّ من أمامكم"، وهذه القصّة أكذوبة مُلفَّقة ضِدّه؛ حيث لم ترد في المصدر الأساسيّ لفَتح بلاد الأندلس (كُتُب ابن القوطيّة) أيّة إشارة، أو ذِكر لهذه المسألة، وهنالك أدلّة كثيرة على بُطلان هذه الرواية، وفي ما يأتي أبرزها:
- لا يُعَدّ حَرق طارق بن زياد للسُّفن من شِيَم القادة المُسلِمين؛ إذ إنّ هذا أمرٌ من شأنه تضييع أموال الناس، والتسبُّب في هَلَعِهم.
- لا تُعتبَر السُّفُن التي وصل المسلمون بواسطتها إلى الأندلس مُلكاً لهم، ومن هذا المُنطلق لا يحقُّ لطارق بن زياد التصرُّف فيها كيفما يشاء.
- لم يذكر طارق بن زياد بشكل صريح حَرقه للسُّفُن، إلّا أنّ بعض المُتأخِّرين فَهِموا من مقولته: "البحر من ورائكم، والعدوّ من أمامكم" التي ذُكِرت في خُطبته أنّ الوسيلة التي جاء المسلمون بواسطتها إلى الأندلس لم تَعُد موجودة، وهذا فَهْم خاطئ لخُطبته.
- لم يرد ذِكر قصّة إحراق السُّفُن لدى أحد من جنود المسلمين، أو المُعاصرين في ذلك الوقت، وإنّما رُوِيَت بعد حدوثها بقرون.
- لا يُعَدّ إحراق طارق بن زياد أمراً منطقيّاً؛ حيث كان من الأفضل له أن يُعيدها بدلاً من إحراقها.
- لم يقمْ أيُّ أحد بمحاسبة طارق على هذه القصّة -إن كانت قد حدثَت فعلاً-، كموسى بن نصير، أو حتى الخليفة الوليد بن عبدالملك.
وفاة طارق بن زياد
تحدَّث بعض المُؤرِّخين عن وجود خلاف بين موسى بن نصير، وطارق بن زياد؛ الأمر الذي جعل الخليفة الوليد بن عبدالملك يستدعيهما إلى دمشق؛ لحَلِّ ما بينهما من خِصام، وقَبْل وصولهما إلى دمشق ، تُوفِّي الخليفة، وذلك في عام 96 للهجرة، وبَقِي طارق بن زياد في دمشق بعيداً عن الحياة السياسيّة، والأضواء، فلم يتولَّ أيّ عمل حتى وفاته -رحمه الله-، ومن الجدير بالذكر أنّ طارق بن زياد كان مثالاً للقائد الصادق الوفيّ الذي استطاع أن يُعطي العهود لأصحابها، والذي بفَضْله أصبحت الأندلس تحت راية المسلمين مدّة ثمانية قرون، وأكثر.