من هو صاحب سر الرسول
صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم
عُرِف حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- بأنّه صاحب سرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد أُطلِق عليه هذا الوصف عندما ذهب علقمة -رضي الله عنه- إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه-، فسأله أبو الدرداء : "أليس فيكم صاحب سرّ رسول الله؟" وسبب وصفه بذلك؛ هو إسرار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إليه بأسماء وأنساب المنافقين، والفتن التي ستواجهها الأمّة وتمرّ بها، وكان ذلك عندما قام -رضي الله عنه- بحماية رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أُناسٍ حاولوا قتله بإسقاطه عن راحلته وهو نائم، فما كان منه -رضي الله عنه- إلّا أن منعهم من الوصول إليه برفع صوته بالقراءة حتى استيقظ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مُنتبهاً لذلك، وأخذ -رضي الله عنه- بإخبار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأسماء الذين حاولوا قتله بعدما سأله عنهم، فأعلمه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّهم منافقون ، وأمره بأن لا يُطلِع أحداً على ذلك، وكان سبب ائتمان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حذيفة -رضي الله عنه- على هذا السرّ هو شدّة قربه منه، وثقته العالية به، والمكانة المتميّزة التي يحظى بها عنده.
التعريف بحذيفة بن اليمان
حذيفة بن اليمان أبو عبد الله؛ هو ابن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة بن الحارث بن قطيعة بن عبس، ولقبه اليمان، وأمّه الرباب بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل، كان -رضي الله عنه- من كبار الصحابة ، فقد شهد مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جميع الغزوات ما عدا غزوة بدر، كما عُرِف بتقواه وورعه ونقله لِأحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أمين سرّ الرسول، فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثيراً ما يسأله عن المنافقين، ولا يشهد جنازة لم يشهدها حذيفة -رضي الله عنه-، وقد أمّره على المدائن، ثمّ استدعاه لِينظر حاله بعدما ولي أمر الناس وإقبال الدنيا عليه بالأموال والغنائم، فما كان من حذيفة -رضي الله عنه- إلّا أن جاءه بالبغلة نفسها التي ذهب بها إلى إمارته، فسارع عمر -رضي الله عنه- باحتضانه قائلا: "أنت أخي وأنا أخوك"، وقد توفّي -رضي الله عنه- في المدائن سنة ست وثلاثين للهجرة بعد استشهاد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
وهناك العديد من المواقف التي تُبرز جهاده -رضي الله عنه- في سبيل الله والدعوة إليه، منها ما يأتي:
- مشاركته -رضي الله عنه- وأبوه في غزوة أحد ، وشجاعتهما في القتال لِنيل الشهادة، فنالها أبوه حيث قتله بعض الصحابة خطئا، فقد جرت العادة أن يَعمَد أفراد الجيش إلى ستر وجوههم وحمايتها بما معهم من الدروع في الحرب، وهذا قد يؤدي إلى قتل الجيش بعض أفراده بالخطأ ودون الشعور بذلك، وعندما رأى -رضي الله عنه- أباه مقتولاً؛ ما كان منه إلّا أن صاح قائلا: "أبي، أبي، يا قومي فراح خطئا"، فتنازل عن ديّة قتل أبيه مُتصدّقا بها على المسلمين .
- مشاركته -رضي الله عنه- في فتوحات العراق جميعها، وفي معركة نهاوند الكبرى التي حَشد فيها الفرس مئة وخمسين ألف مقاتل لمواجهة ثلاثين ألف مقاتل من المسلمين، ومن الفتوحات التي كانت على يديه -رضي الله عنه- فتح همدان، والري، والدينور.
تعامل الرسول مع أصحابه
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أحسن الناس خلقاً، وقد ظهر ذلك جليّاً في تعامله مع أصحابه -رضوان الله عليهم-؛ من خلال حرصه على أن يكون شريكاً لهم في أفراحهم وأحزانهم، وقوّتهم وضعفهم، ممّا كوّن علاقةً قويةً تجمعه بهم وتدلّ على مدى حبّه لهم، وهناك العديد من الصور التي تُبرز رقيّ معاملاته -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه، ومنها ما يأتي:
- حِرْص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على توطيد أواصر الألفة والودّ مع أصحابه بمنحهم الألقاب والصفات؛ كوصفه الزبير بن العوام بحواريه، وأبو بكر وعمر بوزيرَيه، وعبيدة بن الجراح بأمين الأمّة.
- حِرْص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على تعزيز أواصر الصحبة والرفقة بمشاركة أصحابه في المأكل والمشرب، ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنْتُ جَالِسًا في دَارِي، فَمَرَّ بي رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأشَارَ إلَيَّ، فَقُمْتُ إلَيْهِ، فأخَذَ بيَدِي، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ الحِجَابَ عَلَيْهَا، فَقالَ: هلْ مِن غَدَاءٍ؟ فَقالوا: نَعَمْ، فَأُتِيَ بثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ، فَوُضِعْنَ علَى نَبِيٍّ، فأخَذَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قُرْصًا، فَوَضَعَهُ بيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ، فَوَضَعَهُ بيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ، فَكَسَرَهُ باثْنَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بيْنَ يَدَيْهِ، وَنِصْفَهُ بيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قالَ: هلْ مِن أُدُمٍ؟ قالوا: لا إلَّا شيءٌ مِن خَلٍّ، قالَ: هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ).
- حِرْص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على إدخال البهجة والسرور على قلوب أصحابه بمشاركتهم المزاح واللهو؛ ومن ذلك مزاحه مع رجلٍ اسمه زاهر بن حزام، وقد كان ذميماً، حيث يروي أنس بن مالك -رضي الله عنه- القصة فيقول: (أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفِه وهو لا يبصرُه، فقال: أرسِلْني، من هذا؟! فالتفت، فعرف النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فجعل لا يألو ما ألزق ظهرَه بصدرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حين عرفه، وجعل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: من يشتري العبدَ؟ فقال: يا رسولَ اللهِ! إذًا واللهِ تجدني كاسدًا، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لكن عندَ الله لستَ بكاسدٍ).
- حِرْص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على مشاركة أصحابه الشدّة والألم والجوع، فقد دعاهم وهم يعانون الجوع في الخندق إلى الطعام الذي جهّزه له جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-؛ لِيُشاركوه فيه رغم قلّته، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا أَهْلَ الخَنْدَقِ، إنَّ جَابِرًا قدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بكُمْ).
- حِرْص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على مشاركة أصحابه في حلّ المشاكل التي كانت تواجههم، وذلك ببثّ التفاؤل في نفوسهم وتبشيرهم بنعيم الآخرة ، أو بمباشرة الحل عمليّاً؛ كأمره لِأصحابه بالتّصدق على الصحابي الذي جاء يشتكي دَينه بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تَصَدَّقُوا عليه، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عليه، فَلَمْ يَبْلُغْ ذلكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا ما وَجَدْتُمْ، وَليسَ لَكُمْ إلَّا ذلكَ).