من هو السامري
حال بني إسرائيل بعد فرعون
بقي بنو إسرائيل تحت تعذيب وظلم فرعون وقتاً طويلاً، فأخذ يستعبدهم، ويذّبح أبناءهم، ويستحيي نسائهم، حتّى أذن الله -تعالى- لموسى -عليه السلام- أن يظهر أمامه بالنبوّة والرسالة، ثمّ أهلك الله -تعالى- فرعون وجيشه بقدرته، ثمّ توالت نعم الله -تعالى- على بني إسرائيل، وموسى من بينهم، حتّى واعده ربّه -عزّ وجلّ- أربعين ليلةً، ينقطع فيها عن قومه؛ لملاقاة ربّه، لينزّل الله عليه التوراة، فقام موسى -عليه السلام- ذلك؛ طلباً لمرضاة الله تعالى، واستخلف على قومه أخاه هارون عليه السلام؛ ليرعى شؤون القوم بالإصلاح والخير ، ولمّا حضر موسى -عليه السلام- بين يدي ربّه، أنزل عليه التوراة مكتوبةً في ألواحٍ، ثمّ أخبره الله -عزّ وجلّ- بأنّ قومه قد فُتنوا من بعده؛ فعبدوا العجل، وأنّ الذي أضلّهم رجلٌ منهم يدعى السامري.
السامري
ورد في السامريّ أكثر من قولٍ واسمٍ، فقد قيل: إنّه رجلٌ من قوم موسى عليه السلام، وقيل من غيرهم، واسمه: موسى بن ظفر، وقيل: ميخا، وبلدته كرمان، وقيل: باجرما، والسامريّ هو من أضلّ بني إسرائيل بعد غياب موسى -عليه السلام- عن قومه للقاء ربّه، فلمّا سأل موسى -عليه السلام- السامري عن فعله، وبيان ذلك في قول الله تعالى: (قالَ فَما خَطبُكَ يا سامِرِيُّ)، فكان ردّ السامريّ أنّه قد أبصر شيئاً، لم يكن يُبصره قوم موسى عليه السلام، وهو أنّ موسى قد أمرهم بعبادة إلهٍ لا يُرى، ولا تدركه الأيدي والحواس، فعلم السامري أنّهم سينصرفون عن عبادة ذلك الإله؛ لأنّهم لم يألفوا ذلك من قبل، فأراد السامري أن يجعل لهم إلهاً؛ ليُعيدهم إلى العبادة، فأخرج لهم ذلك الإله؛ وهو العجل.
بدأ السامريّ باستغلال قوم موسى عندما علم بأنّهم قد تحرّجوا من حليٍّ استعاروها من الأقباط قبل أن يفرّوا من فرعون ، فأمَرهم السامري أن يقذفوا ما حملوا من حليٍ؛ ليتخلّصوا منها، ففعلوا، فأخذ السامريّ حليّهم، وصنع لهم منها عجلاً، ثمّ زعم بأنّ ذلك العجل هو إلههم وإله موسى، لكنّ موسى نسي أن يأخذه معه، حيث قال الله تعالى: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ)، وكان من ضحالة فكر بني إسرائيل أن صدّقوا كلام السامريّ، وظنّوا بأنّ العجل إلههم، وحاول هارون -عليه السلام- أن يُرشدهم، وينبههم إلى خطأهم؛ لكنّهم لم يطيعوه، ولمّا عاد موسى -عليه السلام- إلى قومه، عاتب أخاه عتاباً شديداً، حيث قال -تعالى- على لسان موسى وهارون: (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا*أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي*قالَ يَا ابنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي).
ولمّا توجّه موسى إلى السامريّ بالسؤال عمّا بدا له من فعله ذلك، أوضح السامريّ بأنّه كان قد أخذ قبضةً من أثر حافر خيل جبريل -عليه السلام- عندما نزل ليُغرق فرعون وجيشه، وخبأها السامري معه، حتى إذا صنع العجْل لبني إسرائيل؛ قذف فيه حفنة التراب؛ فصار للعجل خوارٌ؛ وذلك فتنةً لبني إسرائيل ، وقد صدّقوها وفُتنوا فيها، وكان رد موسى -عليه السلام- على ذلك أنْ أمر قومه يأن يُقاطعوا السامري، فلا يتكلّموا معه على الإطلاق، حيث قال الله تعالى: (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ)؛ أيّ لا أمسَّ ولا أُمسّ، فكانت من عقوبته ألّا يمسّ أحداً، حتى إنّ السامري أُلهم أن يقول: لا مساس، إذا اقترب منه أحدٌ، فكان منفياً عن الناس عقوبةً له، ثمّ إنّ عليه عقوبةٌ أخرى في الآخرة، حيث قال الله تعالى: (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ)، ثمّ يقول الله -تعالى- مبيّناً ما حدث: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)، فحرّق موسى العجل الذي اتخذه بنو إسرائيل إلهاً، ثمّ نسفه في اليّم.
التوبة لمن وقع في عبادة العجل
بعد أن تمّ نسف العجل الذي فتن بني إسرائيل، ووقعت العقوبة في السامري، ظلّ هناك لزاماً أن يُعاقب من توجّه بالعبادة للعجل أيضاً، وما من شكٍّ بأنّ رحمة الله -تعالى- قريبةٌ، فقد فتح باب العفو والتوبة ، لمن أتى ذلك الذنب العظيم، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ*وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، فألهمهم الله -تعالى- استغفار الأنبياء، فظلّوا يردّدون: (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين)، ثمّ أمرهم نبيهم موسى -عليه السلام- أن يحقّقوا التوبة بكامل شروطها التي اشترطها الله عليهم، ومنها أن يقتل بعضهم بعضاً، حيث قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ)، فاضطرب القوم ، وتضاربوا بالسيوف، وتطاعنوا بالخناجر؛ حتى قُتل منهم من قُتل، وبقي من بقي، فأقبلوا إلى موسى يرجونه أن يطلب الرحمة من الله -تعالى- لهم، وبقَوا على ذلك الحال حتى قبل الله منهم توبتهم، وأوحى إلى موسى -عليه السلام- أنّ من قُتل ؛ فهو حيٌ عند الله يرزق، ومن بقي؛ فقد قبلت توبته، فسُرّ موسى بأمر الله تعالى.