من هم رجال الأعراف
أهل الجنّة
تعرّف الجنّة في الاصطلاح الشرعي بأنّها دار الخلود والكرامة، التي جعلها الله تعالى لعباده الصالحين الطائعين في الحياة الدنيا، ويكرمهم فيها بلذّة النظر إلى وجهه الكريم، وأصنافٍ كثيرةٍ منوعةٍ من النعيم والملذّات، وأهل الجنّة لهم أوصافٌ عديدةٌ في القرآن الكريم ، والسنة النبوية، كلّها تُشير إلى ما كانوا عليه من صفاتٍ صالحةٍ حسنةٍ في الدنيا، وما هم عليه من نعيمٍ مقيمٍ في الجنة، فأوّل هذه الصفات أنّهم متقون ؛ أي أنّهم اتخذوا من أعمالهم الصالحة بفعل ما أمرهم الله -تعالى- به، وترك ما نهاهم عنه وقايةً من عذابه، ومن صفاتهم أنّهم ينفقون في السرّاء والضرّاء، فينفقون أموالهم في الأوجه التي أمرهم الله -تعالى- بها، ويخرجون الزكاة ، ونفقات الجهاد، ونحو ذلك مهمّا كانت أوضاعهم، حتى في حال حاجتهم للمال، كمّا أنّهم كاظمون للغيظ، فلا يعتدون على غيرهم، ولا يحقدون على أحدٍ، بل يعفون عمّن ظلمهم أو اعتدى عليهم، ولا تأخذهم الحميّة لينتقموا لأنفسهم، وهم حريصون أيضاً على استغفار الله -تعالى- من ذنوبهم الصغيرة، والكبيرة لخشيتهم إيّاه سبحانه.
ومن صفات أهل الجنة أيضاً أنّهم كانوا حريصين على صلاتهم ، فيخشعون فيها، ويؤدونها بسكينةٍ ووقارٍ، مستحضرين فيها وقوفهم بين يدي الله عزّ وجلّ، كما أنّهم يحفظون فروجهم عن الفواحش والآثام، مثل: الزنا، واللواط، بل ويحفظونها عن مجرّد اللمس والنظر، وأهل الجنة أيضاً يحفظون أماناتهم ، مهما كانت هذه الأمانات من قولٍ، أو فعلٍ، أو عينٍ، فلا يحدّثون أحداً بما قاله آخرٌ لهم، ولا يخبرون أحداً بما فعله غيرهم أمامه، وإذا ائتمنهم أحدٌ على مال له أعادوه إليه كما هو، كما أنّهم يحافظون على عهدهم للآخرين، فإذا ما عاهدوا أحداً بأمرٍ ما التزموا به، وحرصوا على عهدهم ذلك، ويدخل في ذلك وفاءهم بالعقود ، وجميع الشروط المباحة فيها، وأمّا في صفاتهم التي يكونون عليها في الجنة؛ فقد أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّهم يكونون على طولٍ كبيرٍ يبلغ ستين ذراعاً، وتكون أجسادهم جرداء من الشعر، وتكون أعمارهم بين الثلاثين والثلاث وثلاثين عاماً، كما أنّهم يكونوا على جمال يوسف عليه السلام، وتكون قلوبهم على قلب أيوب عليه السلام.
أهل الأعراف
أخبرت الشريعة الإسلامية عن وجود مكانٍ بين الجنّة والنار يسمّى الأعراف ، وهو سورٌ عالٍ يستطيع من يكون فوقه من أهله أن ينظر إلى أهل الجنة وأهل النار، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)، حيث ورد في بيان أهل الأعراف عددٌ من الأقوال، إلّا أنّ الراجح فيها أنّهم قومٌ استوت حسناتهم مع سيئاتهم، وفيما يأتي بيان باقي الأقوال التي تحدّثت عن أهل الأعراف:
- قيل إنّهم قومٌ خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله، دون إذن أهلهم، فقُتلوا أثناء ذلك، فكان قتلهم في سبيل الله سبباً في إعتاقهم من النار، وكانت معصيتهم لأهلهم سبباً في عدم دخول الجنة.
- قيل إنّهم قومٌ رضي عنهم أحد والديهم دون الآخر، فيقفون على الأعرف إلى أن يقضي الله بين الناس، ثمّ يدخلون الجنة.
- قيل إنّهم أهل الفترة، وأطفال المشركين.
- قيل إنّهم أهل الفضل من المؤمنين، يكونون على الأعراف؛ ليطّلعوا على أهل الجنة وأهل النار.
- قيل إنّهم من الملائكة ، وليس من البشر.
وقد ثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- القول الأول، الدالّ على أنّ أهل الأعراف هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وقال حذيفة، وابن عباس -رضي الله عنهما- في ذلك إنّ أهل الأعراف قومٌ قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، ويكونون على السور الذي يُضرب بين الجنة والنار، فيكون باطنه فيه الرحمة؛ لأنّه من جهة الجنة وأهلها، وظاهره فيه العذاب؛ لأنّه من جهة النار وأهلها، وكلمّا نظروا إلى جهة أهل الجنة قالوا لهم سلامٌ عليكم، وإذا نظروا إلى جهة أهل النار دعوا الله -تعالى- ألّا يجعلهم معهم في النار، ومصيرهم أنّ الله -تعالى- في النهاية يدخلهم الجنة برحمته، ولا يدخلون النار، ويكونون آخر أهل الجنة دخولاً إليها.
أهل النار
تعرّف النار في الاصطلاح الشرعي: بأنّها دار الكافرين التي يبقون فيها خالدين، ويذوقون فيها أصنافاً عديدةً من العذاب الأليم، وأنواعاً شتى من الخزي الذي لا يُطيقه أحد، وقد ورد في نصوص الشريعة الإسلامية صفاتً كثيرةً للنار وأهلها، فمن ذلك أنّ النار عظيمةٌ جداً، لها سبعون ألف زمام، على كلّ زمام منها سبعون ألف ملك يجرّونها، ويكون أهلها صمٌّ جميعاً، وبكمّ، وعميٌ جميعاً أيضاً، وتُوضع في أعناقهم حبال النار، ويجرّون أمعاءهم فيها، كما يكونون سود الوجوه كأنّما أغشيت وجوههم بقطع من الليل المظلم، وينامون على فراشٍ من النار، ولحفٍ من النار أيضاً، ولا يكون طعامهم فيها إلّا الشوك، والزقوم ، الذي لو قطرت منه قطرةً واحدةً إلى الدنيا لأفسدت معيشة أهلها جميعاً؛ لشدّة سوءها، فإذا غصّوا بطعامهم ذلك، واحتاجوا إلى الشراب كان شرابهم الحميم، وهو ماءٌ شديد الحرارة، ومن شرابهم أيضاً المُهل، وهو الزيت المغلي، وكذلك الغسّاق، وهو ما يسيل من جلود الكافرين، أي الصديد والقيح والنتن الذي يسيل من فروج الزناة والزواني.
وأمّا لباس أهل النار فيكون من النار كذلك، فإذا أرادوا أن يستظلوا ممّا هم فيه وجدوا دخاناً كثيفاً شديداً، ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ من عِظَم حجمه، فإذا ذهبوا إليه لم يظلّهم بشيءٍ أبداً، ثمّ ترميهم النار بشررها الذي يكون في حجمه كالقصور العظيمة، أو كالإبل السوداء كبيرة الحجم، كمّا أنّهم إذا حاولوا تسلّق جهنم ليخرجوا منها أُعيدوا فيها بمطارق من حديدٍ، تضربهم الملائكة بها فيقعون في قعر جهنم مجدّداً، ويكونون على شكل وخِلقة عظيمة تتناسب مع عذابهم، فيضخمهم الله، ويعظم حجمهم حتى يصبح ضرس الواحد منهم بحجم جبل أحد ، فإذا أخذوا في البكاء بكوا حتى تجفّ دموعهم تماماً، فيبدأون بالبكاء دماً بدل الدموع، وبعد كلّ هذا العذاب فإنّهم لا يموتون، بل يبقون أحياءً يقاسون أنواع العذاب، وتبقى جلودهم متجدّدةً، كلمّا احترقت وذابت أبدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.