من هم الفاسقون
الفاسقون
خلق الله -سبحانه وتعالى- الخَلْق، وأرسل إليهم الرّسل والأنبياء ؛ ليهديهم ويرشدهم، ويُخرجهم من الظّلمات إلى النّور، ومن الكفر والعصيان إلى نور الحقّ والإيمان، فيهديهم الأنبياء والرُّسل -عليهم السّلام- بعد الضلال، ويبيّنون لهم ما أمرهم الله -تعالى- به، ليتّبعوه، إلّا أنّ بعض الخَلْق يأبون إلّا أن يظلموا أنفسهم، ويتّبعوا هوى نفوسهم وشهواتهم دون رادعٍ أو وازعٍ أو زاجرٍ، ودون النّظر إلى حُرُمات الله تعالى، ومن هؤلاء النّاس مَن وصفهم الله -سبحانه وتعالى- بالفاسقين، فمن هُم الفاسقون، وما هي صفاتهم، وما هو حُكْم الفسق، وأنواعه؟
تعريف الفاسق
يُمكن تعريف الفاسق بعدّة تعريفات لغويّة واصطلاحيّة، وفيما يأتي بيان ذلك:
- تعريف الفاسق لغةً: الفِسْق في اللغة هو العصيان وترك أمر الله سبحانه وتعالى، وهو الخروج عن طريق الحقّ، فيُقال: فَسَقَ، يَفسُقُ، فِسْقاً، والفُسوق: الخروج عن الدّين ، والمَيْل إلى المعصية، ويُقال: فَسَق عن أمر ربّه؛ أي: جارَ ومالَ عن طاعته، والفِسْق: الخروج عن الأمر، ورجل فاسِق وفِسِّيق؛ أي: دائم الفُسُوق، والفَواسق من النّساء: الفواجر، والفاسق هو الشخص الفاجر المُبتعد عن طريق الصّلاح والتُّقى والحقّ، وتُجمَع فاسق على فَسَقة، أو فُسّاق، وتأنيثها فاسقة.
- تعريف الفاسق اصطلاحاً: خروج العبد عن الطّاعة ، وتجاوزه الحدّ في ارتكاب المعاصي، والفاسق عند الفقهاء: هو العبد الذي يرتكب الكبائر ، ويُصرُّ على الصّغائر، والفاسقون: هم التاركون لأوامر الله -سبحانه وتعالى- من الإيمان به، والقيام بأعمال صالحة.
- حُكْم الفِسق: حرّم الإسلام الفِسْق؛ لأنّ فيه خروجاً عن أحكام الله سبحانه وتعالى، ومخالفةً لأوامره، وعدم اجتنابٍ لنواهيه، وأمّا عقوبة الفاسق في الشّريعة الإسلاميّة التي نصّ عليها الفقهاء فهي إمّا أن تكون بالحدّ، وإمّا بالتعزير .
صِفات الفاسقين
ذكر الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم صفات الفاسقين؛ حيث قال: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، والنّقْض هو الحلُّ بعد الإبرام، وعهد الله: ما عَهِد به الله -سبحانه وتعالى- إلى النّاس من الإيمان به وطاعته، وطاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فتكون صفات الفاسقين كما يأتي:
- النَّقْض لعهد الله تعالى؛ بعدم الإيمان به وعدم توحيده.
- عدم طاعة الله سبحانه وتعالى، وعدم طاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
- القَطْع لِما أمر به الله -سبحانه وتعالى- من مداومة الإيمان به، وتوحيده، وطاعته، وصِلة الرّحم.
- الإفساد في الأرض؛ ويكون ذلك بالكفر بالله بعد الإيمان به، وارتكاب المعاصي والمنكرات التي تُغضب الله سُبحانه وتعالى.
أنواع الفِسْق
الفِسْق في الشّريعة الإسلاميّة نوعان، بيانهما على النحو الآتي:
- الفِسْق الأكبر: يُرادفه الشّرك الأكبر، والكفر الأكبر، وهذا النوع من الفِسْق مُخرَج من دين الإسلام، ومنفيّ لصفة الإيمان، حيث قال الله تعالى: (إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ)، وقال أيضاً: (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
- الفِسْق الأصغر: يُرادفه الكُفْر الأصغر، والشّرك الأصغر، وهذا النوع من الفِسْق لا ينفي أصل الإيمان ، ولا يُخرِج من دين الإسلام ، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)، وقال أيضاً: (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
أحكام مُتعلّقة بالفاسق
نصّ الفقهاء على عدّة مسائل تتعلّق بالفاسق، وفيما يأتي بيان لبعض الأحكام التي تتعلّق به، وما يترتّب على ذلك:
- إمامة الفاسق للصّلاة: اختلف الفقهاء في حُكْم إمامة الفاسق للصّلاة ؛ فذهب فقهاء المذهب الحنفيّ إلى جواز إمامة المسلم الفاسق للصّلاة مع الكراهة، وذهب فقهاء المذهب المالكيّ في المعتمد عندهم إلى أنّ الصّلاة خلف الإمام الفاسق تصحُّ مع الكراهة، وإذا كان فِسْقه متعلّقاً بالصّلاة فإنّها لا تصحّ، أمّا فقهاء المذهب الشافعيّ فذهبوا إلى جواز الصّلاة خلف الإمام الفاسق مع الكراهة، وإذا كان الإمام الفاسق إماماً لمثله في الفِسْق فلا كراهة في ذلك، إلّا أن يكون الفِسْق فاحشاً، أمّا فقهاء المذهب الحنبليّ فقد ذهبوا إلى عدم صحّة إمامة الفاسق للصّلاة مطلقاً؛ سواءً أكان فسقه متعلّقاً بالاعتقاد، أو بارتكاب الأفعال المُحرَّمة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ)، وقالوا إنّ على المأموم الذي صلّى خلف إمام فاسق إعادة صلاته.
- رواية الحديث: ذهب جمهور علماء المسلمين إلى اشتراط السّلامة من الفِسْق فيمن يروي الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- الفتوى: ذهب جمهور فقهاء الشريعة الإسلاميّة إلى أنّ الفِسْق يمنع صاحبه من إصدار الفتوى، وأنّ الفاسق لا تُقبَل فتواه، وذهب بعض فقهاء المذهب الحنفيّ إلى قبول فتواه.
- الشهادة: اتّفق الفقهاء على عدم قبول شهادة الفاسق، ودليلهم في ذلك قول الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ)، فالعدالة شرط لا بدّ من توفّره في الشاهد؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
- ولاية النِّكاح: ذهب فقهاء الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز ولاية الشخص الفاسق في النّكاح على موليته، إلّا أنّ فقهاء المالكيّة قالوا بكراهة تولية الفاسق نِكاح موليته، وقالوا إنّ الوليّ العَدْل أولى بالولاية من الوليّ الفاسق، أمّا فقهاء الشافعيّة والحنابلة فقالوا بعدم انعقاد النِّكاح بولاية الفاسق.