مفهوم النية لغة واصطلاحاً
مفهوم النيَّة لغة واصطلاحاً
النية في اللغة
النّية اسمٌ، جَذْرُهُ: نَوَيَ، ويُقالُ أَنْويه ونَويتُهُ؛ أي قَصَدْتُهُ، فَهِيَ تعبيرٌ عن إِرادَةِ عَمَلِ الشّيءِ أو العَزْمُ عليه، ويَقولونَ: عَزَمَ النّيةَ على، وعَقَدَ النّيةَ على، كما أنّ للنية معانٍ عدّة أخرى في استخدامِ العرب؛ فالنّوى مِنَ النُّواة وهوَ عَجْمُ التّمرِ، ويقولون: مَنْ نَاوأتَهُ فَقد عادَيتهُ، ويَقولونَ فُلان يَنوي وجهَ كذا، بِمعنى أنّه يَقصِدُهُ مِن سفرٍ أو عَملٍ.
النية في الاصطلاح
النّيةُ شَرعاً هِي انعقادُ القلبِ على عَمَلِ الشّيء، أو عَزْمُ القلبِ على أداءِ العبادةِ بلا تَردّد، سواء كانت فرضاً أم نافلةً، وقِيلَ هي الإرادةُ المُرتبطةُ بِفعلِ الأشياء فِي الحاضرِ أو في المُستقبل، وَقَدْ وَرَدَ ذِكرُ النّية بِمعنى الإرادةِ في القُرآنِ الكريمِ، كما في قوله -تعالى-: (مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا* وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعيَها وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولـئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكورًا)، ولكن يُشارُ إلى أنّ بعض العُلماءِ فرّقوا بين تعريف النيّة والإرادة؛ وذلكَ لِأنَّ الإرادةَ أعمّ مِنَ النّية، فالنّية قِسمٌ مِن أقسامِ الإرادةِ، ويكونُ تعريفها بِذلكَ جَائِزاً إذا اقتَرَنَت بِما يُخَصِّصُها بِها -كأن يقول الشخص: أُريدُ صلاةَ الفَجرِ-.
ووردتَ النيّة في القُرآنِ بِمعنى الابتغاء، كما في قوله -تعالى-: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). وتَنعَقِدُ النّيةُ في القلبِ وهوَ مَحَلُّها، ويَجوزُ التّلفُّظُ بِها، ويكونُ وَقتُها قَبلَ الشّروعِ في العِبادةِ فهي أوّلُها، والهَدَفُ مِنها تَمييزُ العباداتِ عن بعضها، إذ إن ارتباطَ النّيةِ بالعبادةِ هُوَ ما يُبنَي عليهِ حُكمُها وأَجرُها، فالأفعالُ المُجرّدةُ من النّيةِ ليستْ عبادات، إذْ تفقِدُ اعتبارها الشّرعيّ بسقوطِ النّيةِ، والهدف من تشريعها أيضاً التفريقُ بينَ العبادةِ والعادة، والمَقصُودُ هُنا عاداتُ الإنسانِ المُباحة مِن أكلٍ أو شربٍ أو مشيٍ أو نومٍ وغيرها.
ومِن الأدلةِ على اشتراطِ النّية لأداءِ العباداتِ والأعمال؛ الحديثُ المشهورُ عَن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ)، ومن الأحاديثِ التي تدلُّ على أهميّةِ النّيةِ ما رواه أبو هريرة عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما يُبعثُ الناسُ على نيَّاتِهم).
أقسام النيَّة
قام الفقهاءُ بتقسيمِ النّيةِ من حيث طبيعتها إلى قِسمَينِ أساسيين، وهما كما يأتي:
- القسم الأول: النّية الحقيقية؛ وِهيَ النيّةُ الفِعليّة التي يُشترط أن يأتي بها المسلم في أول العبادة، إذ لا يُشترط تكرارها فِي كلِّ رُكنٍ مِن أركانِ العبادة ويكفي فِعلُها في أولِ العبادة؛ كنيّة الصّلاةِ ونيّة الصّيامِ، وقدْ اتّفق على ذلكَ الفقهاء، فقالوا إنّ النيّةَ لا تَجِبُ في كلِّ فعلٍ مِن أفعالِ العبادةِ ويكفي أولها، والباقي يأخذُ حُكمَ الأول.
- القسمُ الثاني: النيّةُ الحُكمِية؛ وهِيَ النيّةُ المُستَصحَبَةُ مِن الحقيقيةِ، وهي الّتي تَستَمِرُ مَعَهُ في أركانِ العبادة إلّا أولها، فالشّرعُ على بَقَاءِ أحكامِ النيّةِ الحقيقية فيما بعد الرُّكنِ الأول مِنَ العبادة ولكن حُكماً لا حقيقةً، ففي الصّلاةِ تقعُ النيّةُ الحقيقيةُ أولُها، وتصبِحُ حكميةً في كلِّ ركنٍ من أركانِها حتّى ينتهي الإنسانُ منها، ويُسمّيها المالكيةُ بالنيّةِ المعدومَة، وهي على هذا المعنى، ويذكُرونَ أنّها شُرِعَت دَرءاً للمشقةِ الّتي قدْ تحْصُلُ باشتراطِ تكرارِ النيّةِ الحقيقية لكلِّ فعلٍ مِن أفعالِ العبادة.
حكمة مشروعية النية
حِكمَة مشروعيةِ النّية هي هدفُها أو وظيفَتُها، وقد أشرنا إلى ذلك في مبحثٍ سابق، ونُفَصّلُه هنا فيما يأتي:
- الحكمةُ الأولى: التّفريقُ بينَ العبادةِ والعادة؛ وذلكَ أنّ العبادةَ تكون لله -سبحانه وتعالى-، أمّا العادة فليست بالضرورةِ أن تكونَ كذلك، فالغُسلُ قد يكونُ عبادةً إذا كان للطهارة، وقد يكونُ عادةً إذا كانَ لِمجرّدِ النّظافة والاستحمام، فإن أحسنَ الإنسانُ أداء النّيةِ رَفَعَتْهُ إلى أعالي درجاتِ الإيمان، من خِلالِ تيقّنه مِن أنَّ الثّوابَ لا يكونُ إلا بِنيّة كما لا يكونُ العقابُ إلا بنيّة.
- الحكمةُ الثّانية: التّفريقُ بين مراتِب العبادات؛ وذلكَ أنَّ الثّوابَ يتفاوتُ بينَ عبادةٍ وأخرى، فالصّلاةُ فِيها الفَرضُ وفيها التّطوع وكِلاهما يتفاوتُ في أجرهِ، كما أنّ الفرضَ يدخُلُ فيه فرضُ الكفايةِ وفرضُ العينِ، وجميعُها تميّزت عن بعضِها بالنية، وكذلك التفريق بين حالُ المُؤمِنُ والمنافق؛ إن بدا للعيانِ أنّهما متشابهان فإنّ ما في قلبيهما يُفَرِّقُ بينهما.
- الحكمة الثّالثة: تَمييزُ المقصودِ مِنَ العَمَلِ؛ وهنا يُفَرّقونَ بينَ النّيةِ والإخلاصِ ، فالنيّةُ أعمُّ مِنَ الإخلاص، والإخلاصُ روح العمل، فَيُنظَرُ هل أخلصَ المسلمُ في الأمرِ الذي نواهُ لله أمْ لَم يُخلِص، إذا كان الفعلُ مِن القربات التي يتقرّب بها العبد إلى ربّه، ويكثُرُ الحديثُ عن هذ الأمرِ في كُتبِ العلماء، لأنّ التأكيدَ على أهميّةِ الإخلاص في النيّة كثير التواردِ في النّصوصِ الشرعيّة، ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن غزا وَهوَ لا يريدُ إلَّا عِقالًا فلَهُ ما نَوى)، ومعنى الحديث أنّ مَن خَرَجَ للجهادِ مِن أجلِ الغنيمةِ لَم يكن لهُ إلّا ما أراد، أي من خرج غير مُخلِصٍ في نيّته لله -عز وجل- لم ينل الأجر بل نال ما نوى.