من هم الأعراف ولماذا سموا بذلك
التعريف بأصحاب الأعراف
تنوعت أقوال العلماء والمفسّرين في تعريف أصحاب الأعراف على النّحو التّالي:
- ذهب ابن مسعود وكعب الأحبار وابن عباس -رضي الله عنهم- إلى القول بأنّ أصحاب الأعراف هم مساكين أهل الجنّة، واستدلّوا على ذلك بما أخرجه الإمام الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "الأعراف سورٌ بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله – هكذا بالأصل – أن يعافيهم؛ انطلق بهم إلى نهرٍ يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلَّلٌ باللؤلؤ، ترابه المسك؛ فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يُعرَفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يُعرفون بها، يسمون مساكين الجنة".
- نقل ابن وهب عن ابن عباس -رضي الله عنه-: أنّ أصحاب الأعراف هم الذين ذكرهم الله في القرآن، وهم أصحاب الذّنوب العظيمة من أهل القبلة.
- ذكر ابن عطية في تفسيره: أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ كانت لهم ذنوب صغيرة لم تُكفَّر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا، وليست لهم كبائر، فيُحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غمّ وهمّ، فيقع ذلك في مقابلة صغائرهم إلى أن يدخلون الجنة.
- يرى أبو نصر القشيري في قولٍ آخر، والشوكاني ومجاهد في أحد قوليه: أنّ أصحاب الأعراف هم فضلاء المؤمنين والشهداء الذين فرغوا من شغل أنفسهم، وتفرّغوا لمطالعة أحوال الناس وأحوالهم.
- يرى ابن عباس -رضي الله عنه- كما نقل القشيري: أنّ أصحاب الأعراف هم أولاد الزنا.
- يرى مجاهد: أنّ أصحاب الأعراف هم قومٌ صالحون، وأنّهم من الفقهاء والعلماء.
- ذهب المهداوي، ومعه الشوكاني والقشيري وشرحبيل بن سعد: أنّ أصحاب الأعراف هم الشُّهداء من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم.
- يرى شرحبيل بن سعد: أنّ أصحاب الأعراف هم الذين استشهدوا في سبيل الله والذين خرجوا للجهاد عاصين لآبائهم.
- يرى الزهراوي والنّحّاس: أنّ أصحاب الأعراف هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم فئةٌ مختارةٌ في كل أمة.
- ذهب ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس في قول له، والشعبي، والضحاك، وسعيد بن جبير إلى: أنّ أصحاب الأعراف هم "قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجُعلوا هناك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يُدخلهم الجنّة بفضل رحمته لهم".
وهذا ما رجّحه غالبية المفسّرين في كون أصحاب الأعراف هم أناس تساوت حسنتاهم مع سيّئاتهم، فلو زادت حسناتهم واحدة لدخلوا الجنّة، ولو زادت سيّئاتهم واحدة كانوا من أهل النّار، لكنّها تساوت عندهم، فيبقون في الأعراف إلى أن تحلّ بهم رحمة الله -تعالى- ثمّ يُخلهم الجنّة.
سبب تسميتهم بأصحاب الأعراف
يرجع سبب تسمية أصحاب الأعراف بهذا الاسم؛ لأنّهم عرفوا أهل الجنّة وعرفوا أهل النّار، وميّزوا بينهم، فهم عاينوا أهل الجنّة وعرفوا صفاتهم، وعاينوا أهل النّار وقد عرفوا صفاتهم، فسمّوا لذلك أصحاب الأعراف.
وقد ورد في قول آخر أنّ الأعراف مكان مرتفع من الأرض، فيجلس هؤلاء القوم يوم القيامة على مكان مرتفع بين الجنّة والنّار.
معنى الأعراف
الأعراف في اللغة: جمع عرف، وهو المكان المرتفع من الأرض كما عرّفها الطبري، وقد قيل لعُرف الدّيك عرفاً لارتفاعه على ما سِواه من جسده، ويعود سبب تسمية المكان المرتفع عرفاً؛ لأنّه يصبح أعرف ممّا انخفض منه.
أمّا في الاصطلاح فالأعراف: حجاب أو سور أو تلّ مُشرف، أو جبال بين الجنّة والنّار، أو أيّ حاجز آخر يجعله الله يوم القيامة بين الجنّة والنار، ويطلع أصحاب الأعراف من خلاله على فريقيّ الجنّة والنار؛ يَعرِفون كلّاً بسيماهم.
أهل الأعراف في القرآن
ورد ذكر اصحاب الأعراف في القرآن الكريم في مواطن عديدة :
- قال الله سبحانه وتعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ).
- قال الله سبحانه وتعالى: ( وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ* أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ).
- قال الله سبحانه تعالى: ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ).
أصحاب الأعراف هم أناس تعادلت حسناتهم وتساوت مع سيئاتهم، فكانوا في مكان مرتفع بين الجنّة والنّار ينتظرون مصيرهم أين يكون، إلى أن تتنزل عليهم رحمات الله -تعالى- ويضمهم مع أهل الجنّة، وقد سمّوا بذلك لأنّهم يعرفون أهل الجنّة وصفاتهم وأهل النّار وصفاتهم، وقد سمّى الله -تعالى- سورة عظيمة من سور القرآن الكريم بهذا الاسم.