من الذي نادى الناس إلى حج بيت الله
أوّل من نادى الناس إلى الحج
نبي الله إبراهيم -عليه السلام- هو أول من نادى الناس إلى الحج، وذلك بعد انتهائه من بناء بيت الله الحرام، وقد ورد في تفسير ابن كثير -رحمه الله- أن نبي الله إبراهيم -عليه السلام- قام ينادي الناس من مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل إنه قام بالنداء على جبل أبي قبيس؛ وهو جبل قريب من الكعبة المشرفة ، وكان -عليه السلام- في ندائه يقول: "يا أيها الناس، إن ربكم قد اتّخذ بيتاً فحجّوه"، فأجاب عليه بالتلبية كل من سمعه.
قال الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وقد نزلت هذه الآية على رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد أن قام المشركون بالصدِّ عن المسجد الحرام، فجاء الأمر والنداء بالحجّ إلى يوم القيامة ؛ تعظيماً لبيت الله الحرام وتكريماً له، واستدلّ العلماء من هذه الآية على وجوب الحجّ، وكان هذا النداء من نبيّ الله إبراهيم -عليه والسلام-، وهو النداء الحقّ لكلّ الناس، وقوله سبحانه: (يأتوك رجالاً)، أي يقوموا بزيارة البيت الحرام مشياً على الأقدام، حاملين في قلوبهم الشوق والحنين لرؤية الكعبة المشرفة والطواف حولها، قال الله -عز وجل-: (فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم وَارزُقهُم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرونَ).
ويجدر بالذكر أن الله -تعالى- جعل زيارة الكعبة تشريفاً لسيدنا إبراهيم -عليه السلام-، فيدلّ الخطاب بالكاف في قوله تعالى (يأتوك) على أن زيارة بيت الله الحرام للحج كمن جاء لزيارته -عليه السلام-، كيف لا وقد لبّوا نداء نبيّ الله، كما أن نداء النبي إبراهيم -عليه والسلام- فيه معجزة عظيمة؛ فقد جعل الله -تعالى- هذا النداء يصل إلى كل الشعوب في كل مكانٍ وعصرٍ، فأصبحت تلبية هذا النداء إلى قيام الساعة بقول: "لبيك اللهم لبيك".
أذان إبراهيم عليه السلام للحج
وردت أكثر من صيغة لألفاظ نداء إبراهيم -عليه السلام-، مع الاتّفاق على حقيقته وبأنه نداءٌ حقّ، حيث ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنه- أن إبراهيم -عليه السلام- نادى في الناس قائلاً: "ألا إنّ ربّكم قد اتّخذ بيتاً وأمركم أن تحجّوه"، فاستجاب له من سمعه من الحجر والشجر والأكمة والتراب، فقالوا: "لبيك اللهم لبيك"، وقيل: كانت التلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وهي رواية عن عبد الله بن عباس أيضاً، وقد ورد عنه -رضي الله عنه- أنه قال: (لما فرغَ إبراهيمُ عليْهِ السلامُ من بناءِ البيتِ قيلَ له أذِّنْ في الناسِ بالحجِّ، قال: ربِّ وما يبلغُ صَوْتي؟ قال: أذِّنْ وعليَّ البلاغُ، قال فنادى إبراهيمُ: يا أيُّها الناسُ كُتِبَ عليكُمُ الحجُّ إلى البيتِ العتيقِ، فسمِعَهُ من بينَ السماءِ والأرضِ، أفلا ترونَ أن الناسَ يَجيئونَ مِن أَقصى الأرضِ يُلبونَ).
آثار إبراهيم عليه السلام في مكّة
إن لمكّة المكرّمة مكانةً عظيمةً في الإسلام، كيف لا وقد حرّمها الله -تعالى-، وأظهر سيّدنا إبراهيم -عليه السلام- ذلك بتبليغه إلى الناس، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ، فَهي حَرامٌ بحَرامِ اللَّهِ إلى يَومِ القِيامَةِ)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ ودَعا لَها، وحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كما حَرَّمَ إبْراهِيمُ مَكَّةَ، ودَعَوْتُ لها في مُدِّها وصاعِها مِثْلَ ما دَعا إبْراهِيمُ عليه السَّلامُ لِمَكَّةَ)، وكان لسيّدنا إبراهيم الخليل -عليه السلام- أثرٌ عظيمٌ في مكة المكرمة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- سكن إبراهيم -عليه السلام- في مكّة المكرّمة، وهو أوّل من أسّسها، حيث وضع زوجته هاجر وابنه إسماعيل -عليه السلام- فيها.
- دعا لأهلها بالرزق والبركة، وأن تكون أرضاً طيّبةً وآمنة لسكّانها.
- أعلن تعظيمها وتحريمها، وأدّى مناسك الحج وشعائره فيها.
- وضع فيها قواعد البيت الحرام، وقام ببنائه بمساعدة ابنه إسماعيل -عليهما السلام-.
- أعلن فيها توحيد الله -تعالى-، بحيث تكون العبادة له وحده لا شريك له.
الحكمة من فرضيّة الحج
جعل الله -عزّ وجل- في الحج طهارةً ونقاءً للنفس، فهو مكفّرٌ للذنوب والمعاصي ، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ)، وللحجّ فضلٌ وشرفٌ وأجرٌ عظيمٌ عند الله -عز وجل-، وهناك الكثير من الحِكم والآثار من فرضيّته، منها ما يأتي:
- عمارة البيت الحرام بالحج فيه قوامٌ للناس في أحوالهم دِيناً ودُنيا، وحجّ بيت الله الحرام قائمٌ على المحبّة والعبودية وتوحيد الله -عز وجل-.
- الإيمان الجازم بالله -عز وجل-، وإثبات العبوديّة له -سبحانه-، ونفي الشرك به، وحمده والثناء عليه، والتضرّع إليه -عزّ وجلّ- وسؤاله جميع الحاجات في الدنيا والآخرة، فكلّ هذه المشاعر العظيمة تحقّق وتزيد محبّة العبد لله سبحانه.
- الإنفاق من المال والنفس في طاعة الله -تعالى- يعدّ من أفضل الإنفاق، فالله -تعالى- يزيد في بركته، قال -سبحانه-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
- الحج فيه تذكير لأحوال أنبياء الله -تعالى- ورسله -عليهم السلام- وآثارهم الطيّبة؛ كسيّد الأنبياء والمرسلين محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ونبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-، وزوجته هاجر، وابنه إسماعيل -عليه السلام-، ممّا يحثّ الإنسان على الاقتداء بسِيَرِهم وصفاتهم.
- تحقيق الأخوّة والوحدة الإسلامية؛ وذلك ظاهرٌ في اجتماع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وتأديتهم لعبادةٍ واحدة، لله -تعالى- وحده، في مكانٍ وزمنٍ واحد.