مقارنة بين أنواع الغيرة في الإسلام
مقارنة بين أنواع الغيرة في الإسلام
الغيرة المحمودة في الإسلام
تقسم الغيرة المحمودة في الإسلام إلى قسمين، وفيما يأتي بيانها.
الغيرة على الدين
جاء الإسلام فأقر أصل الغيرة، لكنه هذّبها وعدّلها؛ لتكون بين الإفراط والتفريط، واعتبر الإسلام أنّ قلة الغيرة هي من قلّة الإيمان؛ لأنّ المؤمن يغار إذا انتُهكت محارم الله تعالى ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (إنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وإنَّ المُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ ما حَرَّمَ عليه)؛ فالغيرة المحمودة المحبوبة هي ما وافقت غيرة الله تعالى، المتمثّلة في الغيرة على محارمه تعالى أن تُنتهك، بإتيان الفواحش الظاهرة والباطنة.
وقسم ابن تيمية الناس في غيرتهم على دينهم إلى أربعة أقسامٍ، وهم: قومٌ لا يغارون على حرمات الله؛ فلا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون بدين الحق، وقومٌ يجعلون من الحسد والصدّ عن سبيل الله وبغض ما أحبّه الله ورسوله غيرة، فيكره أحدهم من غيره أمورًا يحبّها الله ورسوله، وقومٌ يغارون على ما أمر الله به دون ما حرّمه، وقومٌ يغارون ممّا يكره الله، ويحبّون ما يحبّه، وهؤلاء هم أهل الإيمان .
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- من أهل الإيمان، الذين كانوا حرصين على استيعاب دين الله، ونقله إلى الأجيال اللاحقة، ولم يكن دافعهم في ذلك أهواءٌ شخصيَّةٌ أو أهواءٌ سياسيَّةٌ، وإنّما كان الدافع هو الغيرة على دين الله، وشدّة الرغبة والحرص على الحفاظ عليه، وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ المؤمنين مأمورون بإنكار المنكر، ودافعهم في ذلك هو غيرتهم على دين الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ).
الغيرة على المحارم
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مِنَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّه ومنها ما يَكْرَهُ اللَّه: فأمَّا ما يحبُّ فالغَيرةُ في الرِّيبةِ وأمَّا ما يَكْرَهُ فالغيرةُ في غَيرِ ريبةٍ)، وقد نظّم الإسلام أمر الغيرة بمنهجٍ قويمٍ: متمثِّلاً في أن يأمر الرجل محارمه بالحجاب الشرعي حين الخروج من البيت، وأن يأمرمحارمه بأن يغضوا بصرهم عن الرجال، وأن يأمرهم بعدم إبداء زينتهم عند الخروج من المنزل، وألّا تخالط الرجال الخلطة المنهي عنها شرعًا.
أنواعٌ متفرِّقةٌ من الغيرة المحمودة
من الغيرة المحمودة أن يغار العبد على المحبة، فلا يصرفها إلّا لله، ويغار أن يصرفها لغيره، وأن يغار في الإخلاص، فيغار العبد أن يكون لغير الله في عمله نصيبٌ، ولا يرضى أن يشوب عمله رياءٌ ولا إعجابٌ ولا استشرافٌ لمدح الخلق وثنائهم؛ غيرة على عمله أن يفسد ويحبط، وكذلك فإنّ المسلم يغار على أوقاته أن تذهب سدى في غير رضا الله عزّ وجلّ، كما أنّ الغيرة على حقوق الآدميين مطلوبةٌ، كالغيرة على أموال الناس وأعراضهم من أن تنتهك.
الغيرة المذمومة في الإسلام
بأن يغار من غير ريبةٍ بل من مجرد سوء الظنّ، وهذه الغيرة تفسد المحبة وتوقع العداوة بين المحبّ ومحبوبه؛ فالرجل يجب عليه أن يغار على زوجته ومحارمه، ولكن باعتدالٍ، فلا يبالغ فيها إلى درجةٍ تصل لسوء الظن بزوجته، ولا يسرف في تقصّي حركاتها وسكناتها، وهنالك العديد من الأسباب للغيرة المذمومة، منها: ضعف الإيمان، ووسوسة الشيطان، و أمراض القلوب ، وقد يرجع أيضًا إلى إحساس البعض بنقص ما.
وينتج عن الغيرة المذمومة ما يلي: الغيبة والسخرية، الإضرار بالغير، التجسس، الحسد والحقد، الاحتيال والكيد، واللجوء إلى السحر، وبغض أقارب الزوج وهضم حقوقهم والضيق بهم، وكلّ ذلك قد يعود على الإنسان صاحب هذه الغيرة بآلامٍ نفسيَّةٍ وأمراضٍ بدنيَّةٍ، وظهورٍ بالمظاهر مزيَّفة، أمّا علاجها، فيتمثل في تقوى الله تعالى ، وتذكر الأجر العظيم لمن يصبر، وحسن الظنّ والقناعة، وتذكّر الموت، والدعاء، كما قال الرسول لأم سلمة: (وأَدْعُو اللَّهَ أنْ يَذْهَبَ بالغَيْرَةِ).
مواقف من غيرة الأنبياء
ثمّة مواقف عديدةٌ لغيرة الأنبياء المحمودة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضٍ منها:
- غيرة موسى -عليه السلام-: يقول -تعالى-: (وَهَل أَتاكَ حَديثُ موسى* إِذ رَأى نارًا فَقالَ لِأَهلِهِ امكُثوا إِنّي آنَستُ نارًا لَعَلّي آتيكُم مِنها بِقَبَسٍ أَو أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى)،فحين قضى موسى -عليه السلام- الأجل وسار بأهله وهو مقبلٌ من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى -عليه السلام- رجلًا غيورًا: يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته.
- غيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-: غيرته على حرمات الله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الناس غيرةً لله، فكان يغضب إذا انتهكت حرمات الله؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ حتَّى يُنْتَهَكَ مِن حُرُمَاتِ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ).