مفهوم خلق التغافل في الإسلام
مفهوم خلق التغافل في الإسلام
خُلق التغافل: هو الإعراض عن أمر ما صدر من عدو أو صديق، ويكون الإنسان متيقن من سوء النية وغرض الشخص من الأمر الذي فعله، فيطبق الإنسان الحلم والتسامح ويعرض عن الفعل الذي فعله هذا الشخص، قال -تعالى-: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ .
وينبغي للإنسان حتى تنجح علاقته وعشرته مع الناس حسن الخلق، ووجب معه وجود صفتان في الإنسان لنجاح هذه العلاقة، وهي الفطنة والتغافل؛ أي عدم البحث والاستقصاء والتنقيب، وتتبع أخطاء الناس، ويكون ذلك عندما يقول للإنسان كلمة تعلم أنه غير صادق، فلا تبحث وراءه ولا تتبعه حتى تثبت كذبة، بل ينبغي الفطنة حتى يدرك الإنسان من يعاشره ولكن لا بد معها من التغافل.
ومن مكارم الأخلاق التغافل عن زلات الناس، وسيئاتهم، وما يصدر عنهم من أشياء من غير قصد، كصدور الصوت والريح، أو الريح، أو كشف العورة، وغيرها من الأمور التي ينبغي على الإنسان أن يجعل نفسه كأنه لم يراها أو يسمعها أو يظهر النوم، حتى يذهب الخجل عن الفاعل، فإن هذا كرم وعفو من الإنسان عن أخيه، وهذه هي مكارم الأخلاق التي دعا لها النبي -صلى الله عليه وسلم- وحث الصحابة على التحلي بها.
قصص في التغافل
هناك قصص كثيرة عن الصالحين والملوك في التغافل ومنها ما يأتي:
- جاءت امرأة إلى حاتم في مسألة، فصدر منها صوت فخجلت، فقال لها ارفعي صوتك، فأوهمها أنه لم يسمع ففرحت المرأة، ومن حينها لُقب حاتم الأصم، وهذا من أدب التغافل.
- من أدب التغافل ما فعله عطاء بن أبي رباح، أنه قال إن الرجل لم يحدثه بحديث إلا وعمل نفسه أنه لم يسمعه من قبل، ويكون قد سمعه قبل أن يولد.
- دخل رجل على الأمير قتيبة الباهلي وأخذ يتحدث معه في أمر، ووضع نصل سيفه على الأرض فدخل في إصبع الأمير وأدماه، والرجل يتحدث ولم ينتبه للأمر، وجلساء الأمير لم يتكلموا لهيبته، فأنصت له الأمير حتى أكمل حديثه، وعندما خرج أمر قومه فأحضروا له منديلاً ومسح إصبعه وغسله، فقالوا له: لماذا لم تقل له أن يزيل سيفه، قال: خفت أن أقطع عليه حاجته.
- من التغافل أيضاً أن يتغافل الرجل عن تصرفات امرأته في بيت الزوجية.
- مما ورد في تغافل الملوك، أنه لما استطاع ملك شاه السلجوقي أبو الفتح بعمه الذي خرج عن طاعته، أعطاه خريطة فيها أسماء أمرائه الذين حرضوه على الخروج عن طاعته، فأعطى الملك الخريطة لوزيرة ليقرأها فرماها في النار ولم يعلم ما فيها، فأمنوا العساكر بعد أن رمى الخريطة ووطنوا أنفسهم للخدمة بعد ذلك، فكان هذا سبب ثبات ملك شاه.
فوائد التغافل
التغافل له العديد من الفوائد التي تؤثر على صاحبها وعلى المجتمع ومنها ما يأتي:
- التغافل يجعل الإنسان يفكر ويعطيه المزيد من الوقت لكي يدرس المشكلة من جميع جوانبها، فالانشغال والتغافل يجعل الإنسان يغض الطرف عن السلوك السيء وينساه شيئاً فشيئاً، فيذهب معه الخلق القبيح بالتدريج.
- يجعل من أذنب كالولد مثلاً يدرك خطأه ويعود فيعتذر، ويندم على فعله عندما يرى الشخص الآخر لم يبادر بالرد والإساءة عليه.
- يشعر الابن بهذا السلوك الجميل من والديه ويجله ويقدره ويبادر بالمصالحة والاعتذار لوالديه ولا يعود لخطأه مجدداً.
- يجعل الجو بشكل عام لدى الشخص المتغافل بعيداً عن المشاحنات، بحيث يجعل الجو القائم في الأسرة جميلاً وودياً وإيجابي وبعيداً عن المشاكل، فيتغافل الوالدين عن زلات أولادهم، ولكن لا يتغافلوا عن أولادهم أنفسهم، لكي لا يقعوا في خطأ بسبب إهمالهم لهم.
- يجعل الشخص المتغافل إيجابي، ويتبنى لغة التشجيع والترغيب، ويساهم في الإصلاح، وتغيير المجتمع من حوله بفكره الإيجابي، فيصبح المجتمع بخير ودوام المودة فيه تكون بالتغافل.
- الفطنة هي صفة للشخص المتغافل، فيكون فطن لكي لا يضحك عليه أحد، ومتغافل لدوام العشرة، وحسن السيرة والخلق، ويجعل صاحبه في سرور وسكينه وعالم بمن حوله فلا يجاريهم في سفاهتهم، فهناك أزمات كثيرة تموت في أرضها من التغافل.