مفهوم اللغة الشعرية
ما تعريف اللغة الشعرية؟
تعد اللغة الشعرية، المادة الأولية في عمليات الإبداع الفني، فاللغة موجودة في مخزون كل إنسان، والسبب في ذلك هو الأحداث التي يعيشها، ولغة الشعر تختلف عن لغة الكلام المنثور، ولكل شاعر لغة شعرية تختلف عن باقي الشعراء، مما يجعلها لغة ثرية جدًا.
تجسد اللغة الشعرية كيان الشاعر وتعبر عن حالاته النفسية التي عاشها، وما زال يعيشها، تجاه قضية معينة، أثارت في نفسه مشاعر معينة، وتعرف اللغة الشعرية بأنها لغة جديدة، ومتجددة، بمعنى أنها قادرة على التعايش مع القضايا المختلفة، ومواكبتها، كما أنها تعبر عن رغبات الإنسان وميولاته، وتسمى باللغة الباطنية، لأنها ليست لغة تقف على ظواهر الأحداث، والقضايا.
خصائص اللغة الشعرية
تتميز اللغة الشعرية بمحموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من اللغات النثرية، أهمها:
- لغة قريبة من حياة الإنسان
مما جعلها بعيدة عن التعالي، وتعبر عن التجربة التي يعيشها الشاعر.
- المواكبة والتجدد
وذلك من خلال قدرتها على الخروج عن القوالب التقليدية، مما يجعلها أكثر تناسبًا مع لغة العصر، لكن ظهر تيار معارض يدعو إلى ضرورة التمسك باللغة الشعرية الفصحى، وعدم الخروج عنها مهما كان نوع القصيدة.
- الابتعاد عن التقريرية
مما جعلها أكثر جمالًا وعمقًا، وتزيد من تشوق القارئ للاستئناس بالشعر، كما أن اللغة الشعرية بعيدة عن النفعية، بحيث تهدف فقط إلى إيصال معلومات تقريرية للمستمع.
- الذاتية
تعد الذاتية من أهم الخصائص التي تميز اللغة الشعرية، وغالبًا ما يلجأ كتاب القصة القصيرة إلى اللغة الشعرية للتعبير عن البعد الذاتي عند كتابة قصصهم، ففن القصة القصيرة، يتضمن بعدًا موضوعيًا لكن في حال أراد الكاتب إضفاء ذاتيّته على القصة فإنه يوظف اللغة الشعرية، ومن أهم الأمثلة على ذلك، قصة ظلال.
اللغة الشعريّة في النثر
استخدمت اللغة الشعرية في مختلف أنواع النثر الأدبي ، تحديدًا في الفنون النثرية التي تتميز بالقصر، أهمها فن القصة القصيرة، فالقصة تعتمد على الاختزال اللغوي، والإيجاز، مما يحعل الكاتب بحاجة ماسة إلى لغة تكون قريبة إلى الكاتب والقارئ، وتعبر عن الفكرة المراد، إيصالها، دون تكلف، ونفعية.
واللغة الشعرية في القصة القصيرة تتميز باستخدامها الكبير للمجاز، والاستعارة، بالإضافة إلى الحفاظ على توازن النغم والجرس الموسيقي، وعنصر الإيقاع، وهذا جعلها لغةً شعرية تختلط باللغة النثرية إلى حد يصعب على القارئ التمييز بينهما.
وظهر تيار معاصر وحّد بين اللغة النثرية واللغة الشعرية المنظومة في القصة القصيرة، ومن أبرز الأمثلة على المجموعات القصصية التي وحدت بين اللغة النثرية واللغة الشعرية المجموعة القصصية (حجرة مظلمة).
أبرز الآراء النقدية حول اللغة الشعرية
هنالك العديد من الشعراء الذين كان لهم آراء متعددة حول اللغة الشعرية، أشهرهم:
أدونيس
أسهب أدونيس في الحديث عن اللغة الشعرية التي تضفي على النص الشعري خصوصية، وأكد أن هوية النص الشعري لا تتحدد إلا من خلال اللغة الشعرية، فالعمل الشعري يتمثل في كونه لغة شعرية أولًا، ومن ثم يكون عملًا جماليًا، مما يعني أنه عملٌ لغويٌ وجمالي.
ويكون العمل الشعري لغويًا من حيث النُظُم التي تشكل بنية القصيدة، بالإضافة إلى طبيعة تراكيبها، أما كونه عمل جمالي فيكون من حيث السمات المميزة للقصيدة التي تضفي عليها طابعًا جماليًا، ولا بد من الإشارة إلى الرموز، فالرمز عنصر أساسي في جمالية النص الشعري، وهو الذي يتم من خلاله الكشف عما وراء السطور للوصول إلى المعاني المضمرة في القصيدة.
وأكد أدونيس على أن اللغة الشعرية ليست أداة للتواصل، إنما أداة للاستبطان، فهي وسيلة للغوص في أعماق النفس الإنسانية، للكشف عما يختلج نفسية الشاعر من أحاسيس مختلفة.
أمل دنقل
يعد أمل دنقل من الشعراء الذين وظفوا اللغة الشعرية المعاصرة ، وكان يرى أنها لغة حداثية ومواكبة لمتطلبات العصر، وتطوع الشعر، وبذلك لا يكون تقريريًا، فكان الأسلوب الذي استحدثه أمل دنقل في شعره، هو التكرار بوصفه لغةً شعرية معاصرة، وقد أضفى رسائلَ دلاليةً، غير صريحة، ويصعب التصريح بها مباشرةً.
وقد أضاف التكرار عبر التراكم الكمي للكلمة أو الجملة، أو الحرف، شكلًا من الإلحاح على أهمية المعنى، وكان التكرار سمة الشعر السياسي عند أمل دنقل، ومثال ذلك قصيدة كلمات سبارتاكوس الأخيرة، التي كرر فيها جملة (فلترفعوا عيونكم) لأكثر من خمس مرات، ومما يقوله فيها:
- فلترفعوا عيونكم إلي
- وإن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
- فعلموه الانحناء
- علموه الانحناء
ويقول أيضًا:
- فلترفعوا عيونَكم إليّْ
- لربما... إذا التقتْ عيونُكم بالموتِ في عَينَيّْ
- يبتسمُ الفناءُ داخلي
ويقول أيضًا:
- فلترفعوا عيونَكم للثائرِ المشنوقْ
- فسوف تنتهونَ مثلَه... غدًا