مفهوم الفونيم عند تروبتسكوي
مفهوم الفونيم عند تروبتسكوي
قال عنه تروبتسكوي بأنه: "أصغر وحدة فونولوجية في اللسان المدروس"، فعلى سبيل المثال، فإنّ الصوتين "ض" و"ظ" في بعض العاميات العربية، لا ينتميان إلا لفونيم واحد، هو فونيم "الضاد" كما في "ضرب" و"ضلَ" و"ضوء" فسواء في ذلك، أنطقت الضاد في "ضل" ضادًا أو ظاءً، فإن المعنى لا يتغير، وكذلك الحال في بقية الكلمات.
كما يشير إلى جانب من الاختلافات بين الفصحى والعاميات في النظام الفونولوجي (الصوتي) من جهة أخرى؛ فإن حلول الضاد مكان الظاء في كثير من مواقع العربية الفصحى يحدث أثرًا في المعنى، وذلك ما يكشف عنه زوجا الكلمات الآتية: (ظلَّ، وضلَّ) و(ضنَّ، وظنَّ) وعلى ذلك، فالصوتان (ض) و(ظ) ينتميان لفونيم واحد في العامية، وفي حين ينتمي كل واحد منهما لفونيم مختلف على مستوى الفصحى.
الفونيم (إشكالية المصطلح)
ينظر للفونيم بوصفه أحد أبرز المصطلحات العلمية في الدرس اللساني المعاصر، وعلى ذلك، فقد وفد المصطلح للثقافة العربية المعاصرة بوفود الثقافة اللسانية الحديثة، ومن ثم أصاب المصطلح ما أصاب غيره من تعدد في المصطلحات المؤشرة على ذلك المفهوم، وبذلك فليس الفونيم هو المصطلح الوحيد المتداول في السياق، بل ثمة مصطلحات أخرى، من مثل: "الفونيمية" و"الصوت المجرد" و"الصوتيم" و"الصوت اللغوي" و"الوحدة الصوتية" و"الصُوتة"
الفونيم مقابل الألوفون
عرّفه تروبتسكوي في مرحلة متقدمة من عمره بأنه: "الصورة العقلية للصوت"، أو أفكار صوتية، فلو أخذنا الأمثلة التالية: "نحن" "ينصهر" "انقشع"، وطلبنا من متكلم أن ينطقها، فإنه ينطق صورة النون في الأمثلة باختلاف، فالنون الأولى أسنانية لثوية، والنون الثانية تختلف عن الأولى وتقترب منها، وكذلك الثالثة على الرغم من أن هذه النون هي حرف واحد، فالذي يتحقق في الكلام عند تروبتسكوي ليس الفونيم؛ بل تنوعاته الصوتية (الألوفونات).
الألوفون (Allophone) : هو صوت كلامي حقيقي يتوزع بطريقة تكاملية، ويتغير بشكل حر، ويُنطق في صور متعددة، وتجمع الآراء على أن هذا العنصر أو الصورة الصوتية صوت حقيقي تغييره لا يغير المعنى؛ عكس الفونيم الذي هو صوت غير منطوق، ويرى تروبتسكوي أن الفونيم ثابت في كل نظام لغوي وعدده محدود؛ بينما التغيرات (الألوفونات) هي غير ثابتة، وتأخذ أشكالًا متنوعة حسب المجاورة والنطق والاحتكاك وما إلى ذلك.
وعليه، فإن الأصوات التي يصدرها المتكلمون تختلف من شخص لآخر من حيث المخرج والصفة، كما تتدخل فيها جوانب عضلية فيزيولوجية ونفسية، وهذا يعني كذلك أن بعض الأصوات التي يصدرها الأجنبي، والتي لها مقابل في اللغة العربية هي الأصوات نفسها، لكن هذا غير صحيح، وذلك اختلاف تبرزه بدقة الوسائل الميكانيكية التي تستعمل في البحث في معمل الأصوات اللغوية.
وبعد بحث مضنٍ تراجع هذا العالِم عن رأيه الأول في الفونيم ( الإدراك النفسي للفونيم)، واعتبره مفهومًا لغويًا، وبالذات مفهومًا وظيفيًا، وبذلك أصبح هذا العالِم المؤسِّس الأول ل علم الأصوات الوظيفي؛ حيث اعتبره فكرة لغوية لا نفسية، ولا يمكن تحديده عن طريق الأصوات التي توضحه؛ بل يحدَّد في ضوء وظيفته التركيبية في اللغة، بحيث لا يمكن تقسيم هذه الفونيمات إلى عناصر متتابعة.
التركيب الوظيفي للفونيمات
الفونيم من وجهة نظر تروبتسكوي يُحدد في ضوء وظيفته التركيبية، بحيث لا يُمكن تقسيم هذه الفونيمات إلى عناصر متتابعة، فالفونيمات عنده علامة مميزة، ولا يُمكن تعريفها إلا بالرجوع إلى وظائفها في تركيب كل لغة على حدة، أي عن طريق التبادل يمكنها تمييز كلمة عن أخرى، وهو الأساس الذي يقوم عليه الفونيم في نظره، كما أنّه يعتمد على الجانبيْن العضوي والسمعي في هذا التحديد للفونيم.
ويقول أيضًا: إنّ الفونيم مجموع الصفات التشكيلية ذات الصلة بالموضوع، ثم يقول: إنّ الفونيم فكرة لغوية لا نفسية، ومما يرضى أن تروبتسكوي يقود بنظرته هذه إلى نفس النتائج العملية، التي قادت لها أوضاع أخرى للنظرية، وذلك أن هذه النظرية تمنحنا مادةً جوهريةً لتحليل التراكيب اللغوية، وأساسًا قويًّا للكتابة الأصواتية.