مفهوم الغيب المطلق
مفهوم الغيب المطلق
لا يدرك البشر بحواسهم كل موجود، وأقرب مثال على ذلك هي الروح، فهي موجودة فينا ولا ندرك حقيقتها، قال -تعالى-: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا) ، فالعالم المُدرك المشاهد هو ما سماَّه القرآن الكريم: عالم الشهادة، والعالم المُغيب عن الحواس هو عالم الغيب.
والغيب المطلق هو ما لا يمكن إدراكه بالحواس، ولا الحكم عليه بالعقل، ولا الإحاطة بحقيقته بواسطة الخيال، ومثاله: صفات الله -عزَّ وجلَّ- وما غاب عنَّا من مخلوقات؛ كالملائكة والجن والشياطين، وهو ما غاب عنَّا من أحوال يوم القيامة، وما بعده من الحساب والثواب والعقاب.
قال - تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ وَيَعلَمُ ما فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ) ، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
تعريف الغيب
يُعرَّف الغيب باعتبارين هما؛ اللغة والاصطلاح، وتفصيل التعريف هو ما يأتي:
- الغيب لغة
مصدر غاب، يغيب، غيباً، وغيبة، وغياباً،قال ابن منظور: الغيب: كل ما غاب عنك، وهو ما غاب عن العيون ولو كان مُحصلاً في القلوب، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) ، أي يؤمنون بما غاب عنهم.
- الغيب اصطلاحاً
أما في الاصطلاح ففي تعريف الغيب عدة أقوال، أهمها ما يلي:
- عرَّفه الإمام الرازي فقال: "هو ما غاب عن الحواس، وذكر أنَّه قول جمهور المفسرين".
- عرَّفه الفقيه المالكي ابن العربي فقال: "ما غاب عن الحواس مما لا يوصل إليه إلا بالخبر دون النظر"
- عرَّفه الراغب الأصفهاني فقال: "ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يُعلَم بخبر الأنبياء -عليهم السلام-."
- عرفه آخرون فقالوا: "ما غاب عن الحس والعقل غيبة كاملة، بحيث لا يدرك بواحدة منهما ابتداءً بطريق البداهة".
فيمكن القول إنَّ الغيب: هو جزءاً من الإيمان الواجب للمسلم التصديق به مما نقله الأنبياء -عليهم السلام-، وهو ركن الإيمان الذي يكفر منكره، ومثاله: وجود الملائكة.
أقسام الغيب
يُقسم الغيب على أقسام بحسب اعتبارات معينة قال بها العلماء، وكلها تُسمى غيباً باعتبارات معينة، وهي ثلاثة بيانها ما يأتي:
- قسم لا يدرك كل البشر بل بعضهم ممن اختاره الله لذلك، مثل قصص بعض الأنبياء -عليهم السلام- والسابقين الذين أخبر الله بهم النبيَّ مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم-.
قال -تعالى-: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ، وقال -تعالى-: (تِلكَ مِن أَنباءِ الغَيبِ نوحيها إِلَيكَ ما كُنتَ تَعلَمُها أَنتَ وَلا قَومُكَ مِن قَبلِ هـذا فَاصبِر إِنَّ العاقِبَةَ لِلمُتَّقينَ) .
- قسم لم يدركه البشر
وإن كان من الممكن عقلاً أن يدركوه، مثل أخبار خلق الملائكة وخلق آدم -عليه السلام- وبداية الحياة البشرية، قال -تعالى-: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) .
- قسم لا يمكن إدراكه بالحواس، ولا الحكم عليه بالعقل، ولا الإحاطة بحقيقته بالخيال، كصفات الله - تعالى-.